أردوغان يُجدّد تهديداته بالهُجوم على شرق الفُرات لإقامة المِنطقة الآمنة وقوّات سورية الديمقراطيّة تتوعّد بالرّد
جدّد الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان تهديداته لشن عمليّة عسكريّة واسعة، بريّة وجويّة لإقامة “منطقة آمنة” شرق الفُرات، وأكّد أنّه تم وضع الخُطط، وإعطاء التّعليمات والهُجوم قد يتم (اليوم) السبت أو غدًا الأحد.
هذه ليسَت المرّة الأولى التي يُهدّد فيها أردوغان بشن هذه العمليّة، بعد أن “طفَح كيله” من جرّاء عدم التزام الولايات المتحدة بتعهّداتها في المُشاركة في الهُجوم، وإقامة المِنطقة الآمنة، وميلها إلى المُراوغة والتّسويف، حسب أقوال مصادر تركيّة حُكوميّة، وبعد أن أثبتت الدوريّات المُشتركة الجويّة والبريّة عدم جديّتها.
من المُلاحظ أنّ الولايات المتحدة مُتمسّكة بدعم قوّات سورية الديمقراطيّة التي يغلِب عليها الطّابع الكرديّ، ويتّهمها الرئيس أردوغان بأنّها “إرهابيّة” وتعتبره ذراعًا لحزب العمّال الكردستاني، ممّا يعكِس حجم التوتّر في العلاقات الأمريكيّة التركيّة الذي يبلُغ ذروته بعد شراء الرئيس أردوغان منظومة صواريخ “إس 400” الروسيّة، وعدم الالتزام بالعُقوبات الأمريكيّة ضِد إيران بالمُضي قُدمًا بشِراء نِفطها.
لا نعرف ما إذا كانت تهديدات تركيا الحاليّة مِثل السابقة، أيّ مُحاولة لفت انتباه الإدارة الأمريكيّة، والتّسريع بإقامة المِنطقة الآمنة، أم أنّه فِعلًا يُريد الهُجوم الأُحادي الجانب وفرض وقائع على الأرض؟
قوّات سورية الديمقراطيّة أصدرت بيانًا أكّدت فيه أنّها ستتصدّى لأيّ هُجوم تركيّ بريّ أو جويّ، وهذا الموقف لا يُمكن أن يصدُر وبهذه القوّة بدون وجود ضمانات بالدّعم الأمريكيّ العسكريّ، حيثُ توجد قوّات أمريكيّة في المِنطقة يزيد تِعدادها عن 2000 جندي.
السؤال المَطروح حاليًّا هو عمّا إذا كانت القوّات الأمريكيّة ستنضم إلى الأكراد في مُواجهة هذا الهُجوم التركيّ أم لا، وما هو موقف الحُكومة السوريّة، وهل ستدعم القوّات التركيّة أم ستقف على الحِياد والاكتفاء بالمُراقبة ولو في الأيّام الأُولى في حالِ حُدوث المُواجهة العسكريّة؟
الرئيس أردوغان في وَضعٍ داخليٍّ صَعبٍ بسبب الانقسامات الداخليّة في حزبه (العدالة والتنمية)، وتزايد حدّة الأزمة الاقتصاديّة، ورغبته في توطين حواليّ ثلاثة ملايين لاجئ سوري في هذه المناطق المُحاذية للحُدود العِراقيّة في إطار خطّة لإقامة عشَرات القِوى والبلدات لاستيعابهم، ولكنّنا نَستبعِد في الوقت نفسه لجوئه للخِيار العسكريّ، والغَرق في حربِ استنزاف مع الأكراد المَدعومين أمريكيًّا.
الحُكومة السوريّة ربّما تُفضّل التريّث وعدم اتّخاذ أيّ موقف تُجاه أيّ عمليّة تركيّة، لأنّه قد يكون من مصلحتها حُدوث الصّدام بين أعدائها الأكراد والأتراك والأمريكان معًا، فالأطراف الثّلاثة ضالعة في المُؤامرة ضدّها، كما أنّ قوّات سورية الديمقراطيّة نقَضت جميع الاتّفاقات التي توصّلت إليها معها، وفضّلت الوقوف في الخندق الأمريكيّ، ممّا أدّى إلى انعدام أيّ ثقة فيها، والأهم من كُل هذا وذاك رغبتها، أيّ الحُكومة السوريّة، في الحِفاظ على إنجازها الأكبر في الفترة الأخيرة المُتمثّل في إعادة فتح معبر البوكمال القائم الحُدوديّ مع العِراق، ممّا يُؤدّي إلى كسر الحِصار المَفروض عليها، ووصول ما تحتاجه من إمداداتٍ نفطيّةٍ، وفتح السّوق العِراقيّ أمام المَنتوجات والبضائع السوريّة بعد ثماني سنوات من الإغلاق.
أولويّة القِيادة السوريّة في الوقت الرّاهن هي استعادة السّيادة على إدلب، وإنهاء سيطرة الجماعات الإرهابيّة عليها، ولهذا قد تُؤجّل مِلف شرق الفُرات حيثُ احتياطات الغاز والنّفط والإنتاج الزراعيّ المُتميّز إلى حين، وأثبتت السنوات الثّماني الماضية مدى دقّة حساباتها الاستراتيجيّة.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية