أيها الرجال: نقصان طولكم هشاشة في عظامكم!
يبلغ من العمر 65 سنة. خانته رجله فتزحلق على الأرض وبدأ يشكو من آلام في الظهر. أجريت له صورة بالأشعة السينية فتبين أن هناك فقرات مهشمة. ألقى الطبيب على مسامع المريض ما كشفت عنه الصورة الشعاعية، فبدت علامات الدهشة على وجهه لأن وقوعه كان بسيطاً جداً، فكيف يمكن للفقرات أن تتهشم بهذه السهولة؟
ضرب الطبيب أخماسه بأسداسه، فهل يعقل أن مريضه مصاب بمرض هشاشة العظام؟ صحيح أنه أجريت للمريض صورة بأشعة اكس (الأشعة السينية)، لكن نتائجها غير موثوق بها لتشخيص مرض الهشاشة، من هنا كان لا بد من إخضاع المصاب لفحص نوعي هو قياس الكثافة العظمية. النتيجة أكدت الإصابة بمرض هشاشة العظام.
يعتقد أغلب الرجال أن مرض هشاشة العظام حكر على النساء، وهناك أطباء كثر لا يفكرون به أو يتناسونه كلياً عندما يكون الشاكي من الذكور، مع العلم أنهم مهددون بالإصابة به.
هناك مسميات كثيرة لمرض الهشاشة، مثل ترقق العظام، وتخلخل العظام، وضعف العظام، وتآكل العظام، وتفتت العظام، وسقم العظام، وفوخرة العظام، وانثقاب العظام، وسرعة عطب العظام وغيرها من الأسماء التي تشير إلى حقيقة واحدة هي أن المرض يحدث نتيجة انخفاض في صلابة العظم ما يجعله أكثر عرضة للكسور التلقائية.
وهشاشة العظم ظاهرة مرضية يحدث فيها ضياع في الثروة المعدنية للعظام بسبب هيمنة عملية الهدم على عملية البناء، وكلما تقدم الإنسان في العمر تزداد الغلبة لعملية الهدم على حساب عملية البناء، الأمر الذي يسبب تراجعاً في الكتلة العظمية.
ويلعب انخفاض مستوى هرمون الذكورة التيستوستيرون دوراً بارزاً في تدهور الكتلة العظمية عند الذكور، وفي هذا الإطار كشفت دراسة نشرت سابقاً في مجلة «صحتك» في ولاية ساشوش الأميركية أن مستويات التيستوستيرون المنخفضة منتشرة لدى الرجال بعد سن 45، ويرافق هذا الانخفاض في نسبة الهرمون، إضافة إلى نقص الكتلة العظمية، عوارض أخرى أهمها نقص الكتلة العضلية وتراجع النشاط الجنسي. ويشاهد نقص هرمون الذكورة لدى حوالى 12 في المئة من الرجال نتيجة فشل وظائف الخصية أو بسبب قصور في الغدة النخامية.
وإلى جانب نقص هرمون التيستوستيرون فإن هناك عوامل أخرى تدلي بدلوها في قضية هشاشة العظام عند الرجال يمكن تلخيصها كالآتي:
– العامل الوراثي، وهو ما يفسر انتشار هشاشة العظام في عائلات دون غيرها وبين أعراق أكثر من سواها.
– تناول دواء الكورتيزون لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.
– الإدمان على المشروبات الروحية.
– نقص الفيتامين د.
– نقص تناول الكالسيوم.
– أمراض سوء الامتصاص.
– نقص الوزن.
– الأمراض المزمنة في الكلية والرئتين والمعدة والأمعاء.
– الداء السكري.
– الأدوية المضادة للسرطان.
– الحياة الخاملة.
– التدخين.
كيف يتظاهر مرض الهشاشة عند الرجال؟
هشاشة العظام مرض صامت لا تظهر عوارضه إلى العلن إلا بعد وصوله إلى مراحل متقدمة، وبعد أن تصل كثافة العظام إلى درجة حرجة، تبدأ العوارض بالظهور، وأهمها عارضان:
1- التناقص المترقي للطول، فغالبية الرجال يفقدون الطول مع التقدم في العمر في حدود مقبولة لا تتعدى 3 إلى 4 سنتيمترات، ويحدث فقدان الطول عادة لسببين هما: انضغاط الأجزاء الفقرية الناجم عن ضياع الكلس من العظام، إضافة إلى انضغاط الأقراص بسبب شيخوخة الأنسجة المرنة فيها. أما في حال بلغ فقدان الطول 5 سنتيمترات أو أكثر فإنه يجب إجراء التحريات الخاصة لنفي أو إثبات وجود مرض الهشاشة.
2- الكسور العفوية، وهي قد تحصل في أي عظم من عظام الجسم، إلا أن عظام الحوض والرسغ والعمود الفقري والفخذ تأتي في الطليعة من حيث تعرضها للكسور. وتحدث الكسور بمجرد القيام بأعمال بسيطة جداً تحتاج إلى بعض الجهد، كالانحناء إلى الأمام، أو رفع شيء ما، أو حتى السعال يمكن أن يثير مثل تلك الكسور.
كيف يعالج داء الهشاشة عند الرجال؟
يتوجب على الرجال مراجعة الطبيب دورياً من أجل رصد عوامل الخطر التي تمهد الطريق إلى استيطان مرض الهشاشة من أجل العمل على إزاحتها إذا كان ذلك ممكناً.
وفي حال التثبت من وجود المرض بالتحريات المناسبة فإن الطبيب يقوم في تحرير وصفة مناسبة، إضافة إلى تناول جرعات داعمة من الكلس والفيتامين د والتغذية الجيدة وممارسة الرياضة بانتظام. وإذا دعت الضرورة قد يلجأ الدكتور المعالج إلى وصف عقاقير تعمل على إبطاء فقدان الكتلة العظمية، وربما إلى زيادتها مع مرور الوقت.
لكن الأهم من العلاج هو الوقاية من مرض الهشاشة، وتقوم هذه على ركيزتين: التمارين الرياضية، والنظام الغذائي، فهما مفيدتان للصحة عموماً وللعظام خصوصاً، لأنهما تسمحان بزيادة الكثافة العظمية ومضاعفة متانتها وصلابتها. وكل أنواع الرياضة مفيدة في تقوية العظام إلا أن تمارين المقاومة هي الأفضل لدرء شر المرض.
إن الرجال ليسوا محصنين ضد الإصابة بهشاشة العظام، لذا يجب الشك بهذا المرض عند كل رجل تقدم في العمر إلى أن يثبت العكس، لأنه في حال «فكر» المرض في زيارة عظامهم فإن وقعه عليها يكون أشد قسوة أسوة بمعشر النساء، وإذا استوطن المرض فإن محاربته يجب أن تبدأ باكراً ما أمكن، أي قبل حدوث خسارة كبيرة في الثروة المعدنية للعظام، لأن النتائج هنا تكون مثمرة للغاية.
صحيفة الحياة اللندنية