الحرية الأكاديمية تقف عند نقد إسرائيل؟
في الوقت الذي تُقدِم فيه أنظمة عربية مرتبطة عضوياً بالاستعمار (الخفي) والاستعمار الجديد على إقامة علاقات تحالف مع كيان العدو الصهيوني، بل وحتى تتبجّح بجريمتها وغدرها بالشعب الفلسطيني والأمة العربية جمعاء، تتصاعد حركة مقاطعته عالمياً، والتضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة رغم عملها في بيئة سياسية وإعلامية معادية تماماً. وأحد تجليات ذلك التضامن الشجاع «حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات/BD» الفلسطينية ذات الامتداد العالمي التي تسعى لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة وتعمل من أجل حماية حقوق الشعب الفلسطيني كاملة في وطنه. يورد كتاب «فرض الصمت: الحرية الأكاديمية وفلسطين ونقد «إسرائيل»» (زد بوكس ـ 2020) الذي شارك في كتابة فصوله المختلفة علماء وبحّاثة من دول غربية، إضافة إلى باحثة من لبنان وباحثة كردية (وغياب واضح لأي بحاثة من أغلبية الدول العربية وشرقي أوروبا وشرق «الشرق الأوسط» ـ ز م) أنه يتعامل مع النقاشات في الحرية الأكاديمية ويسعى إلى تجاوز الإيماءات التي نطلبها لأنفسنا وحرمان خصومنا منها. يختلف المحررون والكتّاب في ما بينهم، ليس فقط حول القيمة الوسيطة للحرية الأكاديمية، لكن أيضاً حول صلاحيتها. هل كانت الحرية الأكاديمية في أي وقت مضى أكثر من مجرد مجموعة مختارة من التقى الموظفة لإضفاء الشرعية على نظام هرمي يحكم دائماً بعناية من يُسمح له بالتحدث ومن يتم إسكاته؟ في المقابل، هل الحرية مهمة في حد ذاتها وتستخدم لحماية الحريات الأخرى؟ ومواضع أخرى.
يتمثل أحد أهداف هذا المؤلف في المساهمة في الأدبيات السريعة النمو حول عنصر المقاطعة الأكاديمية. فقد أسس النجاح الهائل وشدة النشاط والنقاش والجدل في حرم الجامعات، مشكلة في مجموعة منتشرة من المنشورات والمؤتمرات العلمية.
تنبع هذه المجموعة المحفّزة من المقالات حول الحرية الأكاديمية من مؤتمر لأكاديميين ونشطاء مؤيدين للفلسطينيين من جميع أنحاء العالم الناطق باللغة الإنكليزية – من أستراليا والولايات المتحدة إلى المملكة المتحدة وإيرلندا – وأيضاً في لبنان وهولندا. كان عنوان المؤتمر في الأصل «حرية الكلام والتعليم العالي: حالة المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل» وعُقد المؤتمر في أيلول 2017 في كلية ترينيتي في دبلن.
المحررون جزّأوا النقاشات إلى ثلاثة أقسام يضم كل منها مجموعة من الفصول. القسم الأول «الجامعات والحوكمة الأكاديمية» يضم خمسة فصول أولها «جامعة من؟ الحرية الأكاديمية والنيوليبرالية وظهور «الدراسات الإسرائيلية»». الفصل الثاني «الانضباط والمقاطعة»، والثالث «يجب الدفاع عن المجال الأكاديمي: استبعاد انتقاد «إسرائيل» من الجامعات». المزدوجتان الاعتراضيتان منا، دوماً. الفصل الرابع «القانونان اللبناني والأميركي في الجامعات الأميركية في بيروت: حالة تقادم قانوني في العصر الليبرالي الجديد» بقلم الباحثة اللبنانية تالا مخول مثير في حد ذاته، إذ يثير التعقيدات القانونية، بل الدستورية، التي يسببها وجود حركة BDS في الجامعة الأميركية في بيروت. من خلال تقديم وجهة نظر ناشطة عن الاشتباكات داخل الجامعة الأميركية في بيروت بشأن مقاطعة «إسرائيل»، تستخدم الكاتبة كدراسة حالة لمناقشة كيف تعمل كل من الليبرالية الجديدة والاستعمار الجديد في الجامعات في العالم العربي على إضعاف السياسات المعادية للصهيونية. تجادل الباحثة اللبنانية بأن العلاقات الاستعمارية الجديدة مع الولايات المتحدة دفعت مسؤولي الجامعات إلى تقويض القانون اللبناني (الذي يفرض مقاطعة «إسرائيل»)، ولتعزيز التطبيع معها. في المقابل، أدى تعميق النيوليبرالية في الجامعة إلى نزع الطابع السياسي عن حوكمة الطلاب، ما جعل مقاومة الروابط المتنامية مع «إسرائيل» أكثر صعوبة، وإن لم تكن مستحيلة، لكنها تنتقد إدارة الجامعة لتذرعها بالحرية الأكاديمية كذريعة لوقف الاحتجاجات الطالبية ضد الدعوات الموجهة إلى العلماء الأجانب الذين لهم صلات بالعدو الصهيوني، بدلاً من مجرد شرح المعضلة القانونية للجامعة الأميركية في بيروت للطلاب. الباحثة اللبنانية تعترض على استخدام الإدارة «الحرية الأكاديمية» لتسويغ سياساتها في الخصوص وتذكّر بحركات مقاطعة لأكاديميين صهاينة ومنها «شباب قطر ضد التطبيع» التي اعترضت على تواجد شخصية صهيونية في حرم جامعتهم، وتقارن ذلك بالواقع في الجامعة التي تنتمي إليها. الفصل الخامس يحمل عنوان «العمل غير المستقر في التعليم العالي، والحرية الأكاديمية، والمقاطعة الأكاديمية لـ «إسرائيل» في أيرلندا».
القسم الثاني «المحو الاستعماري في التعليم العالي» يضم ثلاثة فصول هي: «الاعتذار الاستعماري وسياسة الحرية الأكاديمية»، و«المقاطعة الأكاديمية وما بعدها: نحو استراتيجية معرفية للتحرر وإنهاء الاستعمار»، وثامناً وأخيراً في هذا القسم «السيطرة الأكاديمية الاستعمارية في فلسطين وإسرائيل. مخطط للقمع؟».
القسم الثالث «الحرب القانونية على الأكاديميين وإمكانية التعبئة القانونية كقوة مضادة» يحوي ثلاثة فصول هي: «إعادة التفكير في الدعوة والنشاط الأكاديمي في فلسطين: الحرية الأكاديمية وحقوق الإنسان وعالمية النضال التحرري»، ثم «ضد الحرية الأكاديمية: «الإرهاب»، والاستعمار الاستيطاني، والتحرير الفلسطيني»، وأخيراً «الامتياز والمنصات والسلطة: استخدامات الحرية الأكاديمية وانتهاكاتها» بقلم الباحثة الكردية أريانِ شهوزي. أما المحررون فهم: ديفيد لاندي أكاديمي أيرلندي يهودي، ناشط في حركة التضامن مع فلسطين. كان رئيساً سابقاً لحملة التضامن مع أيرلندا مع فلسطين، ويعمل حالياً في جامعة لانكستر محاضراً في النظرية الاجتماعية والثقافية المعاصرة والعرق والهجرة، ورونيت لينتين أستاذة مساعدة سابقة في علم الاجتماع في كلية اللاهوت في العاصمة الأيرلندية دبلن. لها منشورات كثيرة عن فلسطين والعنصرية والهجرة في أيرلندا. المحرر الثالث كنر مكارثي هو أستاذ اللغة الإنكليزية في جامعة مينوث، ومحرر عدة مؤلفات وله عدة مؤلفات منها «دليل جامعة كمبردج إلى إدوارد سعيد».
صحيفة الأخبار اللبنانية