القضاء اللبناني أمام اختبار كشف حقائق الحرائق بمرفأ بيروت

 

دعا نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ إلى التحقيق في حريق ضخم نشب داخل هذا المرفق الأسبوع الماضي، معتبرا أن القضاء اللبناني أمام “امتحان” مفصلي.

وأثار الحريق الذي اندلع الخميس في أحد مستودعات المرفأ خشية خبراء وناشطين من أن يكون الهدف منه العبث بـ”مسرح الجريمة”، الأمر الذي نفته مصادر أمنية، مؤكدة أن النيران اشتعلت في مكان مجاور لموقع الانفجار.

وتحقّق الشرطة العسكرية بإشراف النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في الحريق الذي أتى على محتويات مستودعات يحتوي أحدها مساعدات غذائية للجنة الدولية للصليب الأحمر.

وتحدث وزير الأشغال والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار عن “معلومات أولية” تفيد بأن “أحدهم كان يقوم بورشة تصليح مستخدما أداة للتلحيم ما أدى إلى تطاير شرارة واندلاع الحريق”.

وقال خلف الاثنين “الحفاظ على مسرح الجريمة كان أول ما طالبنا به”، معتبرا أن الحرائق “مؤشر مقلق وما جرى غير مقبول وغير مطمئن”، مضيفا “يجب أن يضع المحقق العدلي يده عليها ويتابع التحقيق فيها”.

وسبق الحريق الأخير حريق آخر محدود الثلاثاء الماضي تمّت السيطرة عليه. وقال الجيش إنه “شبّ في ردميات مختلطة بنفايات وبقايا أخشاب وإطارات غير صالحة”.

واندلع الحريق الضخم، وفق مصادر أمنية، خارج مسرح الجريمة الذي حدّده المحقق العدلي. ولم تتمكن التحقيقات الجارية حتى الآن من إثبات فرضية أن يكون مفتعلا.

وقال مصدر قضائي بارز الثلاثاء إن “ملف الحريق منفصل عن انفجار المرفأ لأن لا رابط بين الاثنين حتى الآن، إلا إذا برزت معطيات جديدة تناقض هذا”.

ويقول الباحث المتخصص في العلوم الجنائية عمر نشابة “حتى لو لم يكن موقع الحريق جزء من مسرح الجريمة، لكنّ لا يمكن إنكار أنه منطقة محيطة بموقع الانفجار أو فرضية علاقة الحريق به نظرا للتزامن المشبوه في المكان والوقت والأسلوب”.

ولم تظهر الجهات التي تتولى التحقيق، وفق قوله، حتى الآن عن “احتراف استثنائي” من شأنه أن “يؤدي إلى كشف وجود لعبة مخبأة” في حال وجودها.

وبعد مرور ستة أسابيع على انفجار المرفأ الذي أوقع أكثر من 190 قتيلا و6500 جريح، لم يتم الإعلان عن أي من نتائج التحقيق. وتمّ توقيف 25 شخصا بينهم كبار المسؤولين عن المرفأ وأمنه.

ورفض لبنان إجراء تحقيق دولي، لكن محققين فرنسيين وأميركيين يشاركون في التحقيق الحالي.

واعتبر خلف أن المطلوب من القضاء أن يظهر “استقلالية وشفافية وسرعة بتّ”، وأن “يدير الضابطة العدلية وليس العكس”، إذ أن هذا العكس “يضعنا في صورة الدولة البوليسية”.

وفي بلد كلبنان قائم على منطق المحاصصة والتسويات، غالبا ما يخضع القضاء لتجاذبات سياسية وضغوط من قوى نافذة.

وتضم الضابطة العدلية كافة الأجهزة الأمنية اللبنانية المعروفة بتباين تبعيتها السياسية، وهي التي تتولى إجراء التحقيقات الأولية ورفعها إلى القضاة.

بعد مرور ستة أسابيع على انفجار مرفأ بيروت، لم يتم الإعلان عن أي من نتائج التحقيق وتمّ توقيف 25 شخصا بينهم كبار المسؤولين عن المرفأ وأمنه

وأججت الحرائق المتتالية التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/اب، مخاوف اللبنانيين من انهيار الدولة. كما أثارت الكثير من الشكوك وأطلقت العنان للتأويلات والتفسيرات في ظل غياب توضيح رسمي لتلك الأحداث.

وفي أحدث حلقة من حلقات الحرائق الغامضة، اندلع حريق في مبنى شهير قيد التشييد بالمنطقة التجارية في بيروت اليوم الثلاثاء هو الثاني الذي يشيع فزع السكان هذا الشهر بعد الانفجار المروع بمرفأ العاصمة اللبنانية في أغسطس/آب.

ولم ترد تقارير عن سقوط قتلى أو جرحى وأُخمد الحريق بسرعة، لكنه ترك السكان في حالة سخط في دولة تشهد أزمة اقتصادية طاحنة وتنتظر أن يتفق ساستها على تشكيل حكومة جديدة.

وقال جو صايغ (48 عاما) الذي كان يمارس رياضة الركض في المدينة قبل أن يصل إلى الموقع “شيء غريب ها الحرايق في بيروت.. أكيد في شيء مش طبيعي عم بيصير”.

وسارعت مركبات الإطفاء بإخماد الحريق الذي اندلع في أحد أركان المبنى ذي الطابع الحداثي الذي صممته المعمارية البارزة زها حديد وهي بريطانية من أصل عراقي.

وأصبح المبنى المطل على الواجهة البحرية والجاري إنشاؤه منذ سنوات علامة مميزة في المنطقة التجارية التي أعيد بناؤها بعد الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى 1990.

وأثناء إعادة الإعمار شقت ناطحات سحاب حديثة صممها معماريون دوليون السماء وتم تجديد مبان عتيقة من العهد العثماني.

واستقالت حكومة حسان دياب بعد انفجار مرفأ بيروت الذي ألقيت المسؤولية فيه على مخزون ضخم من مادة نترات الأمونيوم سريعة الانفجار التي كانت مخزنة بشكل غير آمن منذ سنوات. وهذا الشهر اندلع حريق ضخم بالمرفأ في المخازن المدمرة بالفعل.

وتضغط فرنسا على لبنان لتشكيل حكومة جديدة لمعالجة الفساد المستشري في البلاد وتنفيذ إصلاحات مطلوبة لصرف مساعدات دولية، لكن العديد من اللبنانيين ما زالوا يتشككون في قدرة النخبة السياسية اللبنانية على انتهاج مسلك جديد.

وقال صايغ إنه لا يتوقع أي تغيير إذا ظلت هذه النخب بنفس أفرادها تسيطر على مقاليد الأمور.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى