النخب الثقافية العربية متهمة بأدائها! (رأي على هامش اجتماع دمشق للكتاب والأدباء العرب)
كشف العقد الأخير الذي عشناه على المستوى العربي، وعلى مستوى الحرب السورية، أن المثقفين العرب لم يعودوا نخبة بالمعنى التاريخي لمفهوم النخبة، فالنخب الثقافية عادة ما تفتح أمام شعوبها بوابات واسعة على الفكر والسياسة والإيدولوجيا، بل وتؤسس في لحظات الشدة لطروحات ومفاتيح تتعلق بالمخرج والحل ، فيبني الآخرون على ما تطرحه هذه النخب ويؤسسون للجديد والقادم والطرق الآمنة في حياة المجتمعات..
والتعميم هنا مرده إلى أن النقطة الأساسية التي يمكن من خلالها تفسير الانشقاق في الصف الثقافي العربي، وهي علاقة المثقف مع النظم السياسية وقضية الدعوة إلى التغيير، فهذه العلاقة هي السبب الأساسي في انشقاق النخب وسقوطها وتحزبها في الصراع القائم ذي العمق العربي، وهم هنا متهمون بأنهم أول من ساهم في ترسيخ النظم الرسمية العربية، فأكلوا وشربوا من موائدها، واكتنزت أجسادهم وانتفخت أوداجهم، ثم وجدناهم فجأة وقد اندفعوا للمشاركة في الانقلاب على هذه النظم مدعومين من نظم أخرى، وخلال ذلك كان الناس في واد وكانت النخب في واد آخر، أو على الأقل كانت الناس مخدوعة بنخبها!!
وقد أفرز الاجتماع الدوري للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب المنعقد في دمشق، حقائق على غاية الخطورة تتعلق بآلية تفكير النخب الثقافية العربية وأول هذه الحقائق أنها متورطة بمواقف تخاف من التراجع عنها وهي تعرف خطأها، والثاني أنها خجولة في طرح وجهة نظرها الحقيقية في وقت يحتاج فيه الناس لشجاعة المثقف وجرأته حتى لو دفع ثمنا كبيرا بسبب هذه الجرأة أو الشجاعة، ثم، وهذه نقطة حساسة: ألا تحتاج النخب الثقافية العربية اليوم إلى نقد ذاتي فعلي يتعلق بمواقفها وممارساتها خلال العقدين الأخيرين، وبشكل خاص خلال العقد الأخير!
تعرض الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب لهجوم شديد لأن أصحاب هذا الهجوم لايريدون أن يكون الاجتماع في دمشق لأن انعقاده في دمشق يفيد بالوقوف إلى جانب النظام السوري كما يرون، ولكنهم لم يقفوا جديا أو يتفاعلوا أو حتى ينتقدوا الطروحات الفعلية التي بنت عليها الجهات المعنية في الاتحاد، فأمين عام الاتحاد حبيب الصايغ يعتبر أن التواجد في دمشق، يحقق “أهداف النظام الأساسي للاتحاد العام، حيث التواصل الثقافي العربي أولوية، وحيث استضافة المكتب الدائم حق أصيل يتداول بين الاتحادات المنتمية للاتحاد العام”. بل ويعتبر هذا الاجتماع “رسالة تضامن مع المثقف والكاتب السوري، وهو دعوة موجهة إلى المبدع العربي السوري نحو تحقيق اللقاء الضروري مع محيطه العربي، الأمر الذي يقتضي أن يلتقي كتاب ومبدعو سورية أولا على المشتركات الكثيرة”، وكذلك دعوة رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور نضال الصالح للحوار وتوحيد الصف الثقافيّ العربيّ، وتشكيل جبهة ثقافية عربية مقاومة لمختلف أشكال التجزئة والاستتباع والاستلاب والإرهاب والفكر التكفيري، ومختلف أشكال التطبيع ..
كنا ننتظر ردود الأفعال على هذا الطرح، وعندها قد يتفق أي كاتب سوري معهم أو يختلف مع طروحاتهم، وهذا حقه، وربما قد يكونوا منطقيين أكثر لو أضافوا نقطة للحوار حول تداعيات حرب السنوات السبع في سورية وآليات الخروج منها كما يفهمها الكتاب والأدباء .
إن ماحصل نوع من الهروب، أو على الأقل هذا يعني إما أن الأحداث كشفت عن أشياء جديدة تستدعي تغيرا في المواقف وهم يترددون في الحوار حولها، وإما أن خطأ كبيرا ارتكبه المثقف العربي عندما انحاز إلى مجموعة أنظمة عربية كان ينتقدها من أجل تغييرات في مجموعة أنظمة كان يؤيدها!
وعلى هذا الأٍساس من المفيد جدا الآن التنبه إلى حجم العدوان الكبير على الكيانات العربية كلها، ومحاولة تفسير طبيعة هذا العدوان والبحث عن آليات التعاطي معه، فكل المثقفين العرب يريدون ثورات ديمقراطية في بلادهم، ولكن ما الذي تستفيده البلاد من هذه الثورات إذا دُمرت البلاد عن بكرة أبيها وقُسّمت وتشظت تحت وطأة مهزلة تاريخية لن تنتهي لعقود طويلة !
في الآونة الأخيرة أصبحت النخب العربية الثقافية مطالبة بمواقف حازمة تتعلق بآخر مستجدات الانهيار العربي :
ــ أين موقع القضية الفلسطينية من هذه الانهيارات ؟!
ــ كيف يمكن التعاطي مع القضية السورية بعد سبع سنوات من الحرب ، ومع القضية الليبية والقضية اليمنية ..إلخ؟
ــ ماهي آليات التعاطي مع الدول العربية المستهدفة بالفوضى القادمة : مصر تونس المغرب وغيرها من بلدان الخليج ؟!
ــ ماهي حدود الخلاف الفكري بين النخب الثقافية، وكيف يمكن لها أن تلتقي لتتحاور لتهاجم بعضها بعضا من أجل مكان الاجتماع ، وما إذا كان هذا المكان يرضي هذه الجهة أو تلك ؟!
ــ ثم ، وإذا كانت الثورة الوطنية الديمقراطية تشكل الهاجس الأساسي للمثقفين الذين ينتظرون قطاف (ثورات الربيع العربي)، فمن حقنا السؤال عن حقيقة المضمون الوطني الديمقراطي لما حصل بغض النظر عن حال الجماهير العربية ومعاناتها السابقة الحالية واللاحقة !
إن اجتماع دمشق ينبغي أن يؤسس لحوار جديد بين النخب نفسها بكل اتجاهاتها مستندا إلى شكل آخر من التعاطي مع (مبدأ الاختلاف)، غير الشكل السائد بالاتهام بالتخوين والعمالة، فماذا لو وصل أصحاب تلك الأصوات إلى الحكم : كيف سيتعاملون مع من يختلفون معهم، وبأي طريقة سيجيبون عن الأسئلة التي تستفسر عن دمار الأمة وانقسامها وهيمنة القوى الخارجية على مقدراتها ؟!