في انتظار معجزة لا مسار سياسياً (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

غالباً سيكون "سوبرمان" ذلك الذي سيفوز بالمقعد الكبير في الشهور المقبلة. الجماهير العريضة ستختار على أساس مواصفاتها في " السوبر" الذي سيطير فوق الواقع المعقد ويحملهم الى بر الأمان، بينما المهتمون بالسياسة فعلا او كتابة والحالمون بدولة تسقط من يوتوبيا الأعالي فإنهم يدققون في تفاصيل المسار الديموقراطي… وتصطف الصفوف خلف رفض "العسكرة" او "تمدينها"… او "ماذا سيفعل المرشح المدني في بلد يختار سوبرمانه الكاكي"؟
في انتظار المعجزة لا شيء واقعياً في الواقع تقريباً. كل حدث يتحول الى كارثة منفوخة بالحشو التاريخي لمفاهيم متصارعة بعد سنوات سكون طويلة. صراع ديكة لا اصول ولا فهم فيه. لكنها انحيازات تبدو قدرية تنتهي كلها بـ"هذه طبيعة المصريين". نهايات تبدو حاسمة لكنها مثل ضغط الفرامل في سيارة قبل المنحنى، فإنه لا يوقف السيارة لكنه يعرضها للخطر.
وهنا فالذين فقدوا حياتهم في عاصفة ثلجية اعلى جبل "باب الدنيا" في سانت كاترين لا يفجرون إحساساً ماسأوياً يستدعي توخي الحذر وتحديث شبكة الإنقاذ، لكنه يعيد اختراع الحياة من اولها: ما هي قيمة الانسان؟ ما هو دور مؤسسات الدولة؟ هل الغضب من الإهمال والبطء خيانة للدولة؟ لماذا اصبح حادث قد يتكرر مناسبة لصب الغضب على جدار المؤسسات التي تبدو بليدة في مواجهة شباب يريدون دولة حية.
لا خطوة الى الامام هنا باتجاه أي اتجاه، فالمتحدث العسكري يقول إن الهجوم على اسلوب إنقاذ التائهين في عاصفة سانت كاترين "نوع من الحس التآمري"… كما اصيب عشاق الجيش بهستيريا عنيفة من غضب أصدقاء الضحايا على طريقة وأسلوب الانقاذ… وبالطبع لم يجد "الإخوان" مانعاً من تحول المأساة الي حفلة تشفِّ.
هنا الدولة العجوز تنتصر مرة اخرى وتضع حائطاً يمنع محاسبتها او تطويرها… فمن سيطوّر مؤسسة تقول إنني افعل المعجزات وإن كل ناقد هو حاسد او متآمر؟ ماذ تنتظر من مؤسسات لم تحاسب نفسها لا في هزائم عسكرية مثل 1967، ولا في كوارث مثل تصادم القطارات وحرقها او غرق العبارات… وهذه مجرد امثلة لم تكن نقطة تحول وتطوير، بل كانت معركة دفاع عن العجز بمبررات تبدأ بأن هذه "حوادث تقع في كل الدنيا" وتنتهي بـ"إنكم تتصيدون الخطايا"… وبينهما تسقط التفاصيل ويمنع التفكير والتعلم من المأساة.
وهنا الماسأة…
لأن "السوبرمان"، ولو كان قادماً من المؤسسة العسكرية، عليه قبل كل شيء ان ينقذ المؤسسات من نفسها. كيف يفعل ذلك؟ هل لديه خطة هدم/بناء؟ ماذا سيفعل امام الصراع بين بلادة المؤسسات العجوز والغضب الحامي لشباب لا يكتفون بالإصلاحات، يريدون في غمضة عين خروج الحلول من بين الأطلال؟
هل سيكتفي "السوبرمان" بإدارة الصراع بين الدولة العجوز وشبابها؟
أم أن لديه مشروع إصلاح؟
وزير الداخلية لم يجد رداً على خروج روائح التعذيب من الاقسام والسجون الا برد رومانتيكي: "لقد اثرت تلك الشائعات في نفسيتي".
رقيق ولا ينقصه الحنان هو الوزير الذي تسمّع أنات الضحايا بين البنايات المقبضة التي يشرف عليها…. لم يعرف الوزير الحنون ان الدنيا تغيرت وأن ضباطه المنفوخين في استعراضات عودة المنتقم سيكونون صيداً للمنتقمين الآخرين، والحوادث لا تكذب… لكنها لا تدفع الوزير الى التفكير ولكن الى استعراض حنانه عله يتوسل تعاطفاً من جمهور يمهد للسوبرمان بمظلوميات الدولة في مواجهة مظلوميات الاخوان… كلها استعراضات لاستهلاك الوقت…انتظاراً لشيء قد يسقط من السماء.
استعراضات تستبدل التفكير: كيف سيعبر المصريون بهذه الدولة الميتة الايام القادمة؟
في الاستهلاك تشغل استعراضات الشراشيح وزفة محترفي التطبيل والنفاق مساحات ضخمة من التفكير والفهم والبحث عن طريق لعبور مرحلة ما بعد الثورات….
الاستهلاك سيد الوقت الحالي/ولا فرق هنا بين فتاوى وتحليلات وبرامج وتنظيرات ومؤامرات ومواقف… كلهم يقفون في نفق الوقت المستقطع انتظاراً لما لم يفكر فيه احد….
هل تتخيل ان السيسي مثلا سيبني سفينة نوح وينقذ معه نخبته المختارة… ام ان الطوفان عندما سيأتي سيختار من يؤيد المشير ويترك من لم يعلن تأييده؟
لا احد لديه فكرة عن المستقبل، ماذا ستفعل مثلا بإعادتك حفلات التعذيب. هل تتخيل ان هذا سيحقق لك استقراراً؟ سيدفع الجميع الى الإذعان؟ أم انه يبني أسواراً يصبح بعدها الإصلاح او الهيكلة مثل ماكيت يلعب به الاطفال؟
هناك استهلاك لكل شيء وأي شيء لأن الغريزة وحدها تعمل في غياب العقل، والشهوة تنطلق بلا فرامل والأنانية تعود كعنصر البقاء في لحظة الجميع يشعر فيها بالخطر ويندفع الى البحث عن نجاته… حتى لو قتل الآخرين.

صحيفة السفير اللبنانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى