سليم صبري… مشوار الفن بدأ على درّاجة!
على سفوح جبل قاسيون وفي أحد زواريب حيّ المهاجرين العريق، ولد النجم السوري المخضرم سليم صبري (1940) شغوفاً باستكشاف ما بعد نهاية حارته. هكذا، ظل يحتفظ حتى اليوم باللحظة المتوهجة الأولى التي تمكّن من خلالها من تحقيق حلمه، عنما تلقى هديته الأولى، وهي دراجة هوائية جال بها الحارات المجاورة لحيّه، وتعرّف إلى المجهول الأول بالنسبة إليه.
دبلوماسيته وحنكته وحضوره صفات ورثها عن أبيه الشخص المعروف آنذاك باعتباره من الشخصيات صاحبة الأثر. كان الأب يلقب «سليم بيك»، يعمل ضابطاً في الجيش العثماني. أسره الإنكليز أثناء الحرب العالمية الأولى لمدّة سنتين. لاحقاً، طلب الملك فيصل فكّ أسره، فالتحق بصفوف الجيش السوري، وبقي فيه حتى تقاعده الاختياري بعد انقلاب حسني الزعيم (1949)، إذ احتج على انقلاب الزعيم، ورفض دعوة الرئيس أديب الشيشكلي بالعودة إلى صفوف الجيش. كان شرطه أن يتنحى الشيشكلي عن الحكم ليعود هو إلى الجيش! على هذا المستوى، كانت نقاشات الوالد الصارم، لكنه لم يحمل عقليته العسكرية، ولا حزمه المبالغ به إلى منزله، على العكس تماماً، لمح في عيني ولده شغفه بالفن، وانتبه إلى أن الطفل مأسور بفكرة الاستكشاف والمغامرة، ليس في رحلات ومقامرات مجهولة، بل من طريق ارتداء شخصيات غريبة وتقمصها والعيش تحت ردائها فترة من الزمن. راح يخوض مع ابنه رغم صغر سنه نقاشات عن المسرح العالمي، وبدائية فن التمثيل في سوريا، ونظرة المجتمع له، ثم أهداه كتباً لشكسبير وإبسن، ليكون فعلياً عرّاب صبري هو والده ضابط الجيش الرفيع المستوى آنذاك. تعرضت مصر للعدوان الثلاثي في تلك الحقبة، فساد مزاج يرفض العسكرة ويتمنى ابتعاد الضبّاط عن حكم البلاد. يومها، كانت أفكار سليم صبري مخالفة لهذه القاعدة السائدة، فراح باتجاه منبره، وأدلى برأيه في عرض مسرحي بشراكة صديقه الممثل بسّام لطفي، كان الأوّل في مشواره. ثم تحوّلت أوقات الفراغ الطويلة إلى ورشة كتابة مسرحية تنجز عروضها على خشبة النادي المصري، وهو مثل مركز ثقافي متنوّع وفعّال.
الحماسة التي خلّفتها العروض الشبابية في النادي، جعلت نجوم الفن آنذاك يتوافدون للمشاهدة. لاحقاً سيفرض بديناميكيته ومرونته على المسؤولين في كلية الحقوق التي التحق بها أن يتبنوا نصوص إبسن التي أخرجها على الخشبة، إلى أن وقف المثقف المعروف والمحامي نجاة قصّاب حسن على باب المسرح ذات مرة ودعاه إلى العمل في المسرح القومي. هناك، اكتشف أن العاملين في «القومي» حصروا أنفسهم في النصوص العالمية، فغيّر قواعد اللعبة وقدّم للمرة الأولى نصاً سورياً كان عنوانه «البيت الصاخب» لوليد مدفعي. بعدها، انتقل إلى وزارة الإعلام وقدم العديد من المسلسلات، منها: «مساكين» و«حارة الصيادين». سافر إلى أكثر من دولة وعمل في الخليج، ثم عاد لينجز أعمالاً أخرى، منها «حارة النارنج» لحسن سامي يوسف. طبعاً، التقى على خشبة المسرح برفيقة دربه الممثلة ثناء دبسي. تزوّجا ورافقتهما أغنيات فيروز طوال مشوارهما، فأورثا عشقها لولديهما ريم وثائر عازفي الغيتار، ويارا نجمة الدراما السوريّة. نصحه هيثم حقي بالتخلي عن الإخراج عندما لمع نجمه في أكثر من مسلسل ممثلاً، فترك الساحة للجيل الشاب، وتفرغ لمساحته ممثلاً. من أهم أعماله «خان الحرير»، «الفصول الأربعة»، «بقعة ضوء»، و«شاء الهوى»، «الخوالي» وغيرها الكثير…
سابقاً كان لسحر الريف خصوصية بالنسبة إلى الرجل، وكان يمضي الصيف الطويل في فيلا بسيطة في منطقة الدروشة في ريف دمشق، إلى أن احتلها المسلحون. يقول في حديثه معنا إنه يحنّ إلى ذلك المكان كثيراً، لكن «بعد تحرير الجيش السوري للمنطقة، ذهبنا لنشاهد دماراً. سرقت كل موجودات الفيلا، وقطعت الأشجار وحرقت، صار الملكوت الهادئ عبارة عن خراب لا يطاق». أما عن جديده على المستوى المهني، فهو دور خاص في مسلسل «وحدن» (تأليف ديانا كمال الدين ــــ وإخراج نجدت أنزور)، حيث يُصوَّر العمل في قرية مهجورة في ريف السويداء. عن هذا الدور، يقول صبري: «ألعب دور شيخ المسجد الذي تجمعه علاقة صداقة وطيدة بقسيس الكنيسة. ولدى تعرض القرية لكوارث متلاحقة، يهجرها غالبية أهلها، ويبقى فيها الشيخ والقسيس، ومجموعة من النساء اللواتي يشكلن المحاور الرئيسية للحكاية. في تلك الظروف العصيبة، يستمر هذا الشيخ الجليل في رعاية شؤون النساء وأمور القرية. ومن هنا أتى العنوان «وحدن». وتظل علاقته برجل الدين المسيحي بمثابة عنوان عريض، لا بد من تكراره، ولو كان بصورة مباشرة حتى تصل الرسالة للعامة من الناس، وهم الذين يغرقون في بحر الطائفية». أخيراً، يفصح لنا بأنه يشتري كل يوم جميع الصحف التي تصدر في البلد، ليس لأهمية ما تقدمه من مقالات، بل لأنه يدمن هواية حلّ الكلمات المتقاطعة، فبعد أن يطّلع سريعاً على العناوين، ينهمك في هوايته الأثيرة!
صحيفة الأخبار اللبنانية