كتب

سمير صبري و”حكايات العمر كله”

سمير صبري و”حكايات العمر كله” ..حينما يتحدث الفنان عن تجربته في الفن وفي الحياة بعد رحلة ممتدة بدأت في سنوات الستينيات من القرن الفائت واستمرت إلى اليوم ونحن في الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين، فهي دون شك ستكون غنية بمواقفها وأسرارها وحكاياتها الممتعة.

والسؤال هو: هل كان سمير صبري ممثلًا سينمائيًا كما نلمس من كتابه؟ أم كان إنسانًا يبحث عن ذاته في مجالات متعددة أتيحت له بحكم نشأته وتربيته وثقافته الرفيعة؟

فسمير صبري ابن اللواء جلال صبري، وسعاد هانم بنت احمد باشا إبراهيم، ينتمي إلى عائلة قريبة من الأرستقراطية. وهو ذاته درس في أعرق مدرسة في مصر، هي كلية فيكتوريا التي كانت تعلم أبناء الذوات، مع الأمراء من المصريين والعرب؛ ولذلك نجد أن سمير صبري يحن دائمًا إلى كلية فيكتوريا بالإسكندرية، كما يحن إلى مدينته الإسكندرية التي كانت لؤلؤة المتوسط.

على صفحات هذا الكتاب يستحضر سمير صبري كثيرًا من زملاء الدراسة فيها ومنهم: الملك حسين ملك الأردن، وعدد من الأمراء السعوديين. وهو يطلعنا على أنه امتلك ناصية الإنجليزية وطلاقة التحدث بها من خلال دراسته في “فيكتوريا كوليج” ومن خلال المكتبة التي كانت بحوزة أمه والتي كانت تضم مجموعة رائعة من الكتب الأجنبية، وقد قرأ كثير ما ضمته وتعلم منه كما تعلم من خلال إقامته في بريطانيا ثلاثة أسابيع كل عام فقد كانت كلية فيكتوريا توفد طلابها كل عام إلى مسقط رأس شكسبير لحضور مهرجانه الفني السنوي واكتساب مهارات التحدث بالإنجليزية مع أهلها، وقد كان والده مدركًا لأهمية ذلك فكان يدفع له مصاريف الرحلة كل صيف.

وفي ستراتفورد، أدى سمير صبري دور هاملت في تراجيديا شكسبير الشهيرة.

فنحن إذًا أمام إنسان استثنائي تربى تربية كان من الصعب أن تتوفر لأقرانه، وعاش في مدينة كوزموبوليتية عندما كانت تضم خليطًا رائعًا من جنسيات الأرض في الزمن الجميل.

ولكن ماذا يقول سمير صبري عن نفسه؟

إنه يبدأ كتابه بمدخل جميل يلخصه في هذا العنوان “رحلة البحث عني”، والعنوان يحيلنا مباشرة إلى السيرة الذاتية للرئيس أنور السادات التي صدرت في حياته بعنوان “البحث عن الذات”؛ فسمير صبري وهو في مقام التأمل يفتش عن ذاته في “حكايات العمر كله” التي لا أعرف أهو أم ناشره محمد رشاد الذي طلب من اسمين لامعين تقديمها: الدكتور زاهي حواس، ومفيد فوزي.

وربما يكون من المعروف للكثيرين أن سمير صبري بدأ إذاعيًا مع الفنانة القديرة لبنى عبدالعزيز عبر أثير إذاعة البرنامج الأوروبي في برنامج “العمة لولو”، حيث منحته فرصة مشاركتها تقديم هذا البرنامج، وهو لايزال طالبًا في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب.

كما أتاحت له الظروف أن يظهر على الشاشة الصغيرة من خلال مهرجان التليفزيون الأول الذي أقامه وزير الإعلام آنذاك الدكتور محمد عبدالقادر حاتم في العام 1964، وقد مكنته الظروف من أن يصعد إلى المسرح ويقدم ضيوف المهرجان بحضوره اللافت وذكائه الفذ، ولا يزال جيلي تحضر في ذاكرته ندية سمير صبري اللطيفة وهو يحاور نجوم السينما العالمية ومشاهير الغناء في العالم في برامجه التليفزيونية، وفي مثل هذا المهرجان الذي كانت تتابعه مصر كلها عبر الشاشة الصغيرة، وتزهو بهذا النجم الشاب الذي يتكلم الإنجليزية بطلاقة أهلها ولكنتهم.

وقد تأكدت نجومية سمير صبري من خلال برنامجه الأسبوعي “النادي الدولي” الذي كان شكلًا جديدًا على برامج ماسبيرو في ذلك الوقت.

وفي السينما بدأ بالأدوار الثانوية، بل والصامتة، قبل أن تسند إليه أدوار البطولة عندما تأكدت نجوميته على شاشة السينما العربية.

ويمكنني القول إن سمير صبري لم يكن دائمًا بريئًا في تعامله مع الناس؛ فحينما غادر والده الإسكندرية مصطحبًا معه الأسرة إلى القاهرة، حيث سكنوا في “عمارة السعوديين” بالعجوزة، ويقول سمير إن هذه العمارة كان يسكنها عدد من المشاهير، ومنهم عبدالحليم حافظ، وما أن علم سمير بذلك حتى أخذ يتحرى مواعيد خروج العندليب وعودته إلى البيت، وذا ت يوم افتعل لقاءً معه أمام المصعد وبادره بتحية بالإنجليزية، وقدم له نفسه على أنه أجنبي اسمه بيتر فرد عليه عبدالحليم السلام، وهنا تشجع سمير صبري فطلب منه صورة تذكارية، فأهداها له العندليب، كما أهداه إحدى أسطواناته.

وفي يوم عاد الشاب سمير صبري بصحبة والده اللواء جلال، وكان العندليب واقفًا في انتظار المصعد فقال لسمير: “هالو بيتر” فأحرج سمير أمام والده، وانفضحت الحيلة، لكن عبدالحليم تفهم شقاوته ولبى طلبه بعد ذلك في أن يحضر معه التصوير الخارجي لمشاهد من فيلمه “حكاية حب” عندما التقته الإذاعية أمال فهمي صاحبة برنامج “على الناصية” وطلبت من المطرب الشاب عبدالحليم حافظ أن يسمعها مقطعًا من إحدى أغنياته. وقد ظهر سمير صبري أمام الكاميرا لأول مرة في حياته في هذا الفيلم مع المارين في الشارع الذين استوقفهم جمال صوت المغني في الشارع.

وفي هذا الكتاب يقول سمير صبري عن نفسه: “أنا إسكندراني عاشق لهذه المدينة الساحرة التي شكلت وجداني. وقد عشقت الفن والسينما والمسرح من خلال تلك العروض التي كنت أحضرها مع عائلتي في مسارح الإسكندرية، وبصحبة أسرتي شاهدت عروض معظم الفرق الفنية الكبيرة التي زارت هذه المدينة الساحلية التي عاش فيها أبناء أكثر من جالية أجنبية، وكان كل من يعيش فيها إسكندرانيًا مهما كانت جنسيته أو ديانته.

وفي الإسكندرية تعلمت تقبل الآخر. والأمر ذاته كان في كلية فيكتوريا التي كانت أرقى وأغلى مدرسة أو معهد تعليمي في مصر، بل في الشرق الأوسط كله، وربما في إفريقيا أيضًا.

وكان لها فرعان؛ واحد في الإسكندرية وفيه درس وتخرج الملك حسين العاهل الأردني، والمخرج المصري العالمي يوسف شاهين، والآخر في شبرا مصر وقد تخرج فيه الفنان المصري العالمي عمر الشريف وتوأمه الروحي أحمد رمزي. وبعد ذلك انتقلت الكلية إلى صحراء المعادي على مساحة 25 فدانًا، وكانت تضم ستة ملاعب لكرة القدم، وأروع ملاعب التنس، وملعبين لكرة السلة، إلى جانب جمنيزيوم، وحمام سباحة كبير، ومدرسة لتعليم ركوب الخيل، فقد كانت كلية فيكتوريا التابعة لجامعة أكسفورد في بريطانيا تولي الرياضة البدنية أهمية كبرى. ويضيف إن هذه الكلية كان بها قسم داخلي يتسع لإقامة نحو عشرين طالبًا.

ويذكر سمير صبري إنه في كلية فيكتوريا بالمعادي بدأ رحلته الحقيقية مع العلم والتعليم، والثقافة، ومع الفن أيضًا. وفيها علمه أساتذته الإنجليز أن يفهم ويستوعب ويناقش لا أن يحفظ عن ظهر قبل.

ويقول: “علموني أن أناقش، وأن أحترم الرأي الآخر، بل وأتقبله.

وفي الصيف كانت الكلية تنظم لنا دراسة صيفية في جامعة أكسفورد في إنجلترا، لمدة ثلاثة أسابيع تشمل حضور المهرجان السنوي لوليام شكسبير في مدينة ستراتفورد أبون آفون مسقط رأسه.

وقد كان والدي حريصًا على أن أشترك في هذه الدراسة الصيفية في كل عام، وهي التي أسهمت في تعميق معرفتي بالأدب الإنجليزي عبر عصوره، وبخاصة أعمال العبقري شكسبير الذي جعلني أعشق المسرح وفن التمثيل منذ سنواتي الأولى التي دخلت فيها “فيكتوريا كوليج” التي مثلت على مسرحها أعمال العظماء: شكسبير، برنارد شو، أوسكار ويلد، وسومر ست موم. وقد كان ضمن دراستنا تمثيل هذه الأعمال الدرامية بلغتها الأصلية”.

ملاحظة لطيفة يذكرها سمير صبري في هذا الكتاب عن مدير كلية فيكتوريا الإنجليزي وكيف كان يستضيف طلابه في بيته مرة كل شهر على حفل شاي، وكان يقول لهم: “احترموا الشاي، ولا تضيفوا إليه شيئًا”، ومنذ تلك اللحظة وسمير صبري يعمل بنصيحته فيحتسي الشاي سادة  بلا سكر أو لبن.

ومن الأمور التي توقفت أمامها باهتمام في هذا الكتاب أن قرار والده بالانتقال بالأسرة إلى القاهرة كان الباعث عليه رغبته في افتتاح فرع لمطابع محرم في القاهرة. ولعل  بعضنا يعرف اسم مطابع محرم بالإسكندرية، ولكننا لا نعلم أنها كانت ملكًا لعائلة والد سمير صبري.

ومع النزوح إلى القاهرة يدخل سمير صبري إلى دائرة أكثر اتساعًا من العلاقات الفنية والإعلامية؛ فيقترب من الكاتب الصحفي الكبير مصطفى أمين ويكون أول تليفزيوني وربما أول محاور يتحدث إليه بعد خروجه من السجن، كما يصل إلى الموسيقار محمد عبدالوهاب، وفريد الأطرش بعد أن ربطته صلة الجيرة بعبدالحليم حافظ،، ويلتقي كوكب الشرق أم كلثوم، وهو في الكتاب يتكلم عنهم بحب شديد وباحترام كبير، كما يحكي عن بداية تعرفه إلى مخرج الروائع حسن الإمام، الذي ظل يعتني به حتى وفاته.

وفي تقديري يدل هذا الكتاب على أمر مهم وهو أن سمير صبري يمتلك القدرة على تنظيم عقله واستعادة أفكاره بمنطق وتسلسل يدل على وعي ورغبة في أن يتذكر كل ما مر به في سني عمره، ولكن من الواضح لي أنه كان يستطرد في بعض أجزاء من الكتاب، ولعل هذا راجع إلى أن مادة الكتاب قامت على تسجيل مادته شفاهة، ثم دونت لتخرج في كتاب.

ولمن يود أن يتعرف على كيفية بناء النجم سمير صبري لكتابه، أقول إنه بعد مقدمتي الدكتور زاهي حواس، والكاتب الصحفي مفيد فوزي للكتاب، يقدم لنا سمير صبري نفسه تحت عنوان “رحلة البحث عني”، تليها فصول الكتاب التي حرص هو أو ربما حرص ناشره محمد رشاد على أن يدعم المتن بصور -أغلبها نادر- تتخلل النص المكتوب، وأخرى كملحق في نهاية الكتاب، من منطلق أن الصورة أحيانًا تكون بألف كلمة.

وتتوالى الحكايات عبر الفصول: عبدالحليم العاشق الغيور، ومحمد الموجي مكتشف النجوم، ووحيد ملك العود.

ثم: السلطان قابوس بن سعيد، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وكوكب الشرق أم كلثوم، والدكتور محمد عبدالقادر حاتم، وسندريللا الشاشة سعاد حسني التي أولاها اهتمامًا  كبيرًا في حياتها وبعد رحيلها. ثم توفيق الحكيم الذي وصفه بعدو المرأة والكاميرا أيضًا، والملكة فريدة، والفنان محمد فوزي، وشادية، ومرفت أمين، وصباح، وإمبراطور صوت العرب أحمد سعيد، ووردة الجزائرية، وتحية كاريوكا، وليلى مراد، وأسامة أنور عكاشة، وأسمهان وكيف أعجب بها سياسي الوفد فؤاد باشا سراج الدين.

ثم هند رستم، والدكتور أحمد زويل، وأحمد عدوية، وداليدا التي هجرت حي شبرا لتعود إليه وهي تمثل فيلم يوسف شاهين “وداعًا بونابرت”، وكذلك يحدثنا صاحب “النادي الدولي” عن لقائه بالفنانة العالمية إليزابيث تيلور.

كما لا ينسى سمير صبري الجيل التالي فيكتب عن شيريهان، وبنات جيلها.

ومن اللافت لمن يقرأ هذا الكتاب الصادر قبل أيام في القاهرة عن الدار المصرية اللبنانية في احتفالية لم يشهدها تدشين كتاب من قبل اللهم الـ “بريسترويكا”، أقول إن الكتاب يضم فصلين مهمين عن لقاء سمير صبري بالإمام موسى الصدر، وبالبابا شنودة.

وفيه بوح حول زواج سمير صبري بفاتنة وإخفائه خبر هذا الزواج عن والديه، وطلب زوجته أن تهاجر بابنهما إلى بريطانيا طالما أنه غارق في ولعه بعمله الفني والإعلامي، وأخيرًا اعتراف سمير صبري بالندم.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى