صفقات القرن بالأبيض والأسود.. لسنا إلا أمام نسخة ملوّنة

 

بدأت صفقة القرن فعلاً من خلال ما عُرِف بخطة الرئيس الأميركي هاري ترومان عام 1955م  التي حاول فيها أن يُغري قادة بعض الدول العربية بالمال كي يقبلوا اللاجئين الفلسطينيين على أراضيهم ومنحهم جنسيات البلدان المتواجدين فيها.

 لا يمكن الحديث عن صفقة القرن من دون الحديث عن الشرق الأوسط الجديد، فلا يمكن أن تعقد الصفقة وأن يتمّ التوقيع عليها إلا في إطار سوق الشرق الأوسط الجديد والذي يُعتبر مُقدّمة تكون نتيجته الحتميّة عقد صفقة القرن.

ومُصطلح صفقة القرن لم يظهر فجأة على المسرح السياسي العربي ولم يك اختراعاً عبقرياً لصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب (جاريد كوشنر) وإنما هو مُصطلح جديد في شكله، قديم في مضمونه، وهو تحوير وتطوير وتوفيق وتلفيق لعدّة اقتراحات أميركية خاصة بعملية السلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، وقد بدأ فعلاً الحديث عن ذلك السلام المزعوم عبر عرّاب السياسة الخارجية الأميركية هنري كيسنجر، وتم قطف أولى ثماره النيئة في مُنتجع كامب ديفيد عام 1978م عندما وقّع أنور السادات اتفاقية سلام مع مناحيم بيغن برعاية الرئيس الأميركي جيمي كارتر، وتمّ من خلالها تحييد وتقييد مصر وإخراجها من المشهد في ما يتعلّق بالصراع العربي الصهيوني.

وبحسب وجهة نظري فقد بدأت صفقة القرن فعلاً من خلال ما عُرِف بخطة الرئيس الأميركي هاري ترومان عام 1955م  التي حاول فيها أن يُغري ويُقنع قادة بعض الدول العربية بالمال كي يقبلوا اللاجئين الفلسطينيين على أراضيهم ومنحهم جنسيات البلدان المتواجدين فيها من أجل ألا يعودوا إلى فلسطين، وكي لا يطالبوا بأراضيهم المُحتلة عام 48م، لكن وجود المدّ القومي الناصري ووجود شخصيّة الرئيس جمال عبدالناصر المؤثّرة على معظم الزعماء حينها حال من دون تحقيق تلك الخطة الخبيثة التي أرادت أن تُميت حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

وبعد انتصار الكيان الصهيوني الغاصِب في عدوانه عام 1967م نشر المؤرّخ والمُفكّر الصهيوني  برنارد لويس مقالاً يُبشّر فيه بالشرق الأوسط الجديد الذي يستوعب الكيان الصهيوني في إطاره وهو نقيض للفكرة القومية العربية ـ الناصرية على وجه الخصوص ـ وتسمية الوطن العربي الواحد من المحيط إلى الخليج، فوجود “إسرائيل” في قلب الوطن العربي وفي المنطقة التي تفصل آسيا عن أفريقيا لن ينظر إليه باعتباره احتلالاً في ظلّ مقولة الشرق الأوسط الجديد. وفي بداية سبعينات القرن الماضي تكلّم الرئيس الأميركي نيكسون وكتب مقالات عن الشرق الأوسط الذي تريده أميركا.

وقد طوّر برنارد لويس مُصطلح الشرق الأوسط الجديد وأخرجه في كتاب يحمل نفس الإسم في نهاية ثمانينات القرن الماضي، أما الحَدَث الأبرز فكان ظهور كتاب الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز عن الشرق الأوسط الجديد ـ ترجمه البعض بالشرق الأوسط الكبير ـ عام1993م مُتناولاً فيه الرؤية الصهيونية للنظام الاقليمي الذي ينبغي أن يقوم في هذه المنطقة، حسب زعمه.

تتضمّن  تلك الرؤية العوراء التعاون في المجالات الاقتصادية والأمنية وقضايا المياه والسياحة واللاجئين، وبحسب كلامه أن الشرق الأوسط الكبير سوف يُبنى من خلال استثمار المال الخليجي وابتكارات العقل الصهيوني والعمالة المصرية المُدرّبة، وقد بدأ التطبيق الفعلي لتك الأفكار من خلال تنازل مصر عن جزيرتيّ تيران وصنافير للسعودية لإنشاء مدينة نيوم محمّد بن سلمان وهي التطبيق الحَرفي لكتاب شيمعون بيرز.

وقد انتشرت فكرة السوق الشرق أوسطية عقب مؤتمر مدريد للسلام بين الفلسطينيين والكيان الغاصب الذي رعته أميركا في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1991م تحت عنوان الأرض مقابل السلام، بعد ذلك دعت أميركا إلى مؤتمر دولي في أوسلو في 20 آب/ أغسطس 1993م وهو ما عُرِف حينها بغزَّة أريحا أولاً، وحاولت الولايات المتحدة أن تستفرد “إسرائيل” بفلسطين من خلال عقد اتفاقيات سلام مُنفرِدة مع الدول العربية كلاً على حدة وهو ما حصل مع الأردن من خلال اتفاقية وادي عربة في نفس العام.

الميادين نت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى