مهرجان المسرح العربي… حضرت الحرب وغاب المؤلف

 في دورته العاشرة التي اختيرت لها تونس، بلغ مهرجان المسرح العربي حالاً من النضج استحق معها أن يكون الأكبر والأهم عربياً، لجهة أنه يوفر للمسرحيين سبعة أيام من الأشغال «الشاقة» الجميلة، من عروض وندوات تطبيقية وفكرية ومحترفات تدريبية ومؤتمرات صحافية وغيرها.

أيام سبعة كانت مدينة تونس خلالها في حضرة المسرح تستزيد من فنونه، ويتواصل مسرحيوها وجمهورها مع مسرحيي مصر والمغرب والجزائر والإمارات والسعودية والبحرين والكويت ولبنان والعراق وفلسطين وسورية والأردن وموريتانيا وسواها، فضلاً عن المسرحيين العرب من بلاد المهجر؛ فرنسا وألمانيا والسويد وكندا وغيرها. أحد عشر عرضاً كانت ضمن المسابقة الرسمية للتنافس على جائزة الشيخ سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الرئيس الأعلى للهيئة العربية للمسرح، والتي توج بها العرض المغربي «صولو»، المأخوذ عن رواية «ليلة القدر» للطاهر بن جلون، إخراج محمد الحر، إنتاج «مسرح أكون».

 معظم عروض المسابقة الرسمية ينتمي، من ناحية، إلى المسرح المستفيد من التقنيات الرقمية مع تقنيات المسرح نفسها من حركة ولغة جسد وإزاحة الكلمة نسبياً لمصلحة الصورة، ومن ناحية أخرى يشتبك مع اللحظة الراهنة التي يحياها العالم العربي. ثلاثة عروض تناولت الحرب، إن في شكل مباشر أو غير مباشر مِن طريق رصد مآسيها وويلاتها على الشعوب. الأول «رائحة حرب» للفرقة الوطنية العراقية للتمثيل، جاء مفعماً بالروائح النتنة التي تطلقها الحرب بتعدد أشكالها وألوانها ومسمياتها، والتي تجلب التناحر وتزرع الكراهية، ومن ثم يسود الخراب. والعرض الثاني «غصة عبور» قدمته فرقة مسرح الشارقة، وسلّط الضوء على جانب من معاناة الشعوب الرازحة تحت نير الاستبداد، وحالة الضياع والشتات التي تعيشها نتيجة الحرب والصراعات. والثالث «هن» للمسرح القومي السوري، قدّم حكايات خمس سيدات سلبت منهن الحرب رجالهن.

وفضلاً عن موضوع الحرب، انشغلت ثلاثة عروض أخرى بالجانب السياسي، وهي العرض الجزائري «مابقات هدرة» وتعني انتهاء الكلام، والذي يعود فيه عدد من المهرجين إلى طفولتهم بعد أن ضاعت أصواتهم التي صادرها رجل الشرطة. عادوا إلى طفولتهم ولغتهم الأولى الأكثر صدقاً. والعرض التونسي «فريدوم هاوس»، الذي نصّب فيه جنرال نفسه على رأس السلطة فتتابعت على البلد المآسي، وإن أشار صناع العرض إلى أن «الأحداث والشخصيات هي من وحي الخيال»، والعرض التونسي كذلك «الرهوط» الذي ناقش فكرة الاستبداد وكيف أن الشعوب مجرد دمى تحركها مصالح السلطة وأهواؤها.

ومن بين العروض الخمسة الأخرى، حلّق العرض المصري «الجلسة» بعيداً بتناوله موضوعاً حول عالم الجن والشياطين وشقاء الإنسان الأبدي معهما. وتناول العرض الأردني «شواهد ليل» قضية مجهولي النسب، وعالج العرض السعودي «تشابك» قضية انقسام الإنسان على نفسه. وتناول العرض المغربي «صولو» مكانة المرأة ودورها في زمن تسيطر فيه القوى الظلامية وتتخذ من الدين ذريعة لفرض سلطتها وفشلها. وتناول العرض التونسي «الشمع» معاناة المسرحي.

 العروض المشاركة على الهامش انشغل معظمها أيضاً بموضوعي الحرب والسياسة، منها العرض السوري الراقص «حضرة حرة»، وهو يجسد الويلات التي يلاقيها الناس جراء الحروب، والعرض التونسي «طوفان» تناول غياب الحكمة وضعف التـــماسك وحدوث الخراب وسقوط الأوطـــان من خلال موضوع تاريخي عن سد مأرب، والعرض التونسي «صابرة»، قدّم قصة حب في زمن الحرب، وكذلك جاء العرض العراقي «في قلب بغداد»، وعاد العرض اللبناني «حرب طروادة» إلى التاريخ ليسقطه على الحاضر.

الملاحظة الجديرة بالرصد في ما يخص 27 عرضاً، توزعت بين المسابقة الرسمية وخارجها، هي غياب المؤلف في شكل لافت، فهناك 15 عرضاً من تأليف المخرج نفسه، وثلاثة عروض عن نصوص لداريوفو، وجان جينيه، وتشيكوف، وعرضان عن روايتين للطاهر بن جلون، وأكرم مسلم. هذه الظاهرة تناولها المهرجان في إحدى ندوات مؤتمره الفكري، التي انتظمت تحت عنوان «سلطة المؤلف ومعارفه»، وخرجت غالبية مداخلاتها بنتيجة مؤداها أن السلطة الآن انعقدت للمخرج أكثر، بخاصة أن مسرح الكلمة لم يعد له ذلك الحضور الذي كان يتمتع به، عندما كان شرف الروائي والشاعر أن يلتحق بركب المسرح كما حدث مع نجيب محفوظ ويوسف إدريس وصلاح عبدالصبور وسواهم.

ملاحظة أخرى رصدها المشاركون في المهرجان تتعلق بالعروض المقدمة باللهجات المحلية والتي تحول دون تواصلها مع الآخرين، بخاصة لهجات دول المغرب العربي، وطالب أكثر المشاركين «الهيئة العربية للمسرح»؛ المنظمة للحدث؛ بوضع شرط للمشاركة يتمثل في تقديم العروض بالعربية الفصحى، خصوصاً أن الهيئة تشترط أن يكون العرض المشارك في المسابقة الرسمية لمؤلف عربي.

احتفى المهرجان بالمسرح التونسي، حيث كرم عشرة من رائداته ورواده، وهم: دليلة مفتاحي، سعيدة الحامي، فاتحة المهداوي، فوزية ثابت، صباح بوزويتة، محمد نوير، صلاح مصدق، أنور الشعافي، البحري الرحالي، نور الدين الورغي.

 كما أصدر المهرجان ضمن مطبوعاته خمسة كتب عن المسرح التونسي: «الإخراج المسرحي في تونس»، «مسرح العبث في تونس»، «خطاب الشخصية الهامشية»، «الارتجال في المسرح التونسي».

 تنظيم المهرجان في حد ذاته كان جيداً ومنضبطاً، وإن لم يترك فرصة لالتقاط الأنفاس، فقد توزعت فاعلياته ما بين أربعة أو خمسة عروض في اليوم، وما بين ندوات فكرية، وأخرى تطبيقية تناقش العروض المقدمة، وثالثة صحافية يتحدث فيها المخرجون عن أعمالهم، فضلاً عن الورش التدريبية، ومعارض العرائس، ومعارض الكتب وخلافه.

 استنّ المهرجان هذه الدورة أفكاراً جديدة، منها إقامة ندوات للفائزين بجوائز النصوص للكبار والأطفال، يتحدثون خلالها عن تجاربهم الإبداعية، واستنّ كذلك فكرة تصعيد خمسة أبحاث مسرحية من التي تقدّم بها أصحابها للمنافسة على جائزة البحث العلمي للشباب. هذه البحوث الخمسة عرضها أصحابها أمام الجمهور في حضور لجنة تحكيم ناقشتهم فيها، تماماً كما لو أنها أطروحات للماجستير والدكتوراه.

وبعد المداولة بين أعضاء اللجنة تم إعلان أسماء الفائزين الثلاثة الأوائل، وهم أبو طالب محمد من السودان في المركز الأول عن بحثه «الخطاب المسرحي بين المخرج والمؤلف»، وعبدالله المطيع من المغرب في المركز الثاني عن بحثه «من يتكلم: المسرح في جدلية الخطاب المسرحي بين المؤلف والمخرج»، وفي المركز الثالث جاءت المغربية تلكماس المنصوري عن بحثها «هل توجد كتابة درامية بين المؤلف والمخرج؟».

صحيفة الحياة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى