في صحبة الموت
هل بدأنا نحن سكان دمشق نعتاد على صحبة الموت الذي يبصق في وجوهنا, عبر مشاهد الموت والقصف، والخراب التي تعرضها فضائيات التلفزيون ليل نهار لما يحدث في مدن وطننا و قراه, و إن لا فكيف تخرج العائلات الدمشقية إلى مقاهي ومطاعم الغوطة الغربية بعد أن باتت الغوطة الشرقية مستحيلة عليهم, كي تمارس ما اعتادت عليه في أيام الجمع والعطلات من أكل و سمر وتسليات !؟
كل ثورة – كما يبدو – معرضة إذا ما طال أمدها إلى أن تخسر بعضا من طهارتها في ظل الخلافات و التشرذمات التي تطرأ على مقاتليها كي تغدو أشبه بنشرة أخبار مملة .
حتى أخبار الهوى و الشباب التي يرويها لي بعض الشبان باتت مناسبة للاستخفاف بالموت والخوف لا للحب الذي يحتال عليه العشاق في تجنب الحديث ما أمكنهم ذلك عن الموت و التشرد .
هل هي نسمة أمل تمر على هذا الجحيم فتطفئ جذوة من لهيبه , أم هي حرب المئة عام تتكرر في سوريا بلد الوئام والتقى والياسمين, وعاصمتها دمشق التي لا توصف كطبيعة إلا بالخضرة و البهجة التي تلج إلى البيوت الشامية العربية والحديثة بما يشبه البساتين الصغيرة التي تصاحب سكانها حتى في فصل الشتاء …هل من نسمة أمل تعيد لبلدي قسمات وجهه المشرقة بالصباحة و الحب ؟!..
يدفعني كل هذا إلى تذكر مجموعتي الشعرية الأخيرة التي سميتها (( ديوان الفرح )) و الصادرة قبل الأحداث المفجعة التي نمر بها الآن , هل كانت هذه المجموعة تستحق فعلا هذا العنوان الذي دافعت عنه بمقدمة طويلة , و هل الفرح بالتالي له حضوره المؤثر كحضور الألم ؟
تقول البوذية مثلا أن الألم موجود دوما في حصار البشر وسحقهم بين أنيابه, وأن الفرح ظاهرة ممكنة و لكنها نادرة وعابرة وأن البشر في إمكانهم التخفيف من الألم لا في إلغائه , حصولا على ومضات من الفرح لا أكثر .
هل هذا ممكن تحقيقه في سوريا اليوم مثلا ؟ بعد أن ألغى الجهل و العنف و التعصب أي أمل في اقتناص الفرح في بلدي بعد ست سنوات قابلة للاستمرار من العذاب ؟ ! ..
ها أنا ذا في صحبة الموت أتفلسف وأتسلى بأفكاري و أفكار الآخرين كي أروح عن نفسي في بلد لا يستحق هذا المصير, لأنه كان دوما كما يقول التاريخ الواحة التي تستريح فيها قوافل المسافرين عبر الصحاري التي تحيط بدمشق بل بسوريا عامة .
بلى …..لا خلاص إلا بالجهود الصادقة والممكنة في أنها تصنع أخيرا الفرح وإن لا فما الجدوى من ظاهرة الحياة الرائعة. لقد آن لنا أن نفهم أن لا فرح في ظل النزاع العنيف على السلطة والتعصب الشرس للمذاهب و الأفكار وأن جهلنا بأهمية التسامح والتواد واحترام حريات الآخرين في اختيار مذاهبهم هو العقرب الذي نسمح له بأن يلدغنا و يسمم عقولنا كي نحرم أنفسنا الفرح والجدارة الحقيقية بأن ننتمي إلى النوع البشري … و إن لا فالحيوان أفضل منا بالتأكيد إذ لا يقتل كي يتاجر بقتلاه ولا يأكل إلا إذا جاع فإذا شبع فلا يؤذي إذن أحدا …..
ما أبشع الحياة في صحبة الموت !…