قرارٌ أمريكيٌّ إسرائيليٌّ بتفجير لبنان عبر بوّابة الانهِيار الاقتصادي وتدمير اللّيرة.. لماذا نتّهم بعض المِليونيرات اللّبنانيين بالتّواطؤ؟
بدأ الانهِيار الاقتصاديّ في لبنان يتجاوز كُل الخُطوط الحمراء، وبات إعلان الإفلاس وشيكًا في ظِلّ تعثّر المُفاوضات مع مَندوبي صندوق النّقد الدولي، وإحجام الدّول المانِحة مِثل أمريكا وفرنسا والسعوديّة وبريطانيا عن تقديم أيّ مُساعدات ماليّة “إنقاذيّة” بحجّة غِياب الإصلاحات الاقتصاديّة، وباتت طوابير الخُبز أمام المخابز أطول من “صبر أيّوب”، ولجَأ بعض المُحتدّين إلى قطعِ الطّرق وحرقِ الإطارات.
نعم هُناك مُؤامرة تُريد تجويع الشّعب اللبناني، والفُقراء منه الذين يُشَكِّلون الأغلبيّة السّاحقة على وجه الخُصوص، فعندما تفقد اللّيرة أكثر من 80 بالمِئة مِن قيمتها في غُضون أشهر معدودة، وتُلامِس سَقف 9000 ليرة مُقابل الدولار في السّوق السّوداء، وتُؤكِّد تقديرات رسميّة أنّ 50 بالمِئة مِن الشّعب اللّبناني على الأقل تحت خطّ الفقر المُتعارف عليه دوليًّا، وتَآكُل الطّبقة الوسطى، فإنّ البِلاد تتّجه نحو الانفِجار ومن ثمّ الفوضى، وربّما الحرب الأهليّة.
جيمس جيفري، مبعوث أمريكا إلى سورية، تباهى بأنّ حُكومته هي التي تقف أيضًا خلف انهِيار اللّيرة السوريّة، ومِن المُؤكَّد أنّها هي التي تَقِف خلف الانهِيار المُتسارع لشقيقتها اللبنانيّة، وأدواتها مجموعة من رجال المال والأعمال الذين يُسيطِرون على رؤوس الأموال والقِطاع المَصرفي اللّبناني واعتَرف ديفيد شينكر مُساعد وزير الخارجيّة الأمريكيّة لشُؤون الشّرق الأوسط في حديثٍ لقناة “العربيّة” أنّ المصرف المركزي اللّبناني ورئيسه تعاون مع حُكومته لتجميد حِسابات “حزب الله” وأنصاره في لبنان والمهجر.
في الدّول التي واجهت عُملاتها المحليّة أزَمات مُماثلة، وبتدخّلٍ أمريكيٍّ مُباشر مِثل تركيا، هرع الأصدقاء إلى دعم اللّيرة بضَخّ المِليارات في الاقتصاد التركيّ، وبادَرت المصارف بطرح مَليارات الدّولارات في الأسواق لتعزيز العُملة المحليّة، ولكن ما يَحدُث في لبنان هو العكس تمامًا.
المِليونيرات، أو مُعظمهم، في لبنان هرّبوا أكثر مِن 30 مِليار دولار من أرصدتهم إلى حساباتٍ خارجيّة، وأدارت الدّول المانِحة أوروبيّةً كانت أو خليجيّةً وجهها إلى النّاحية الأُخرى، ولا تُريد أن تستمع إلى أنين الجوعى اللّبنانيين الذين باتوا ينبشون صفائح القُمامة بحثًا عن أيّ شيء يُمكن أن يُؤكَل ويَسُد جُوعهم.
يُريدون تحويل لبنان مِن سويسرا الشّرق إلى بنغلاديش الشّرق، ولا نُبالغ إذا قُلنا أنّ وضع بنغلاديش أفضل كثيرًا من وضع لبنان، وأبرز ملامح المُؤامرة إسقاط حُكومة حسان دياب، وإغراق البِلاد في أزمةٍ وزاريّةٍ وحالةٍ مِن الفوضى تحت ذريعة أنّ هذه الحُكومة التي جرى تشكيلها بصُعوبةٍ بالغةٍ هي حُكومة “حزب الله”.
الإصلاح الذي تُريده الدّول المانحة يتلخّص في نَزع سِلاح “حزب الله”، أو غرق البِلاد في الجُوع والحرب الأهليّة، والسيّدة دوروثي شيا سفيرة أمريكا في بيروت كانت الصّوت الأعلى والأكثر وقاحةً في التّعبير عن هذهِ المطالب التحريضيّة التي تُشَكِّل خُروجًا عَن كُل الأعراف والمُعاهدات الدوليّة التي تُنَظِّم العمل الدبلوماسيّ.
لم يُفاجئنا في هذه الصّحيفة الخبر الذي نشرته صحيفة “البناء” المُقرّبة من محور المُقاومة بشقّه اللّبناني، وقالت فيه إنّ إيران ستُرسِل سُفنًا مُحمّلةً بالمازوت والبنزين والمشتقّات النفطيّة الأُخرى والأغذية لإنقاذ محطّات الكهرباء اللبنانيّة من التوقّف بسبب الحِصار الأمريكيّ والشّعب اللبنانيّ من الجُوع.
إيران لن تتخلّى عن الشّعب اللّبناني، كُل الشّعب اللّبناني، فمحطّات الكهرباء لا تُوفِّر الطّاقة لطائفةٍ لبنانيّةٍ محدودةٍ وإنّما لكُلّ اللّبنانيين، والشّيء نفسه سيشمل المُساعدات الغذائيّة أيضًا، أو هكذا نأمل نحنُ الذين نرفض الطائفيّة ونعتبرها أساس البَلاء في لبنان والشّرق الأوسط.
الولايات الامريكية وبتَنسيقٍ مع دولة الاحتِلال الإسرائيليّ تدفع بلبنان إلى حافّة الحرب الأهليّة، والاقتِتال الداخلي، وتَجِد أدوات في البِلاد مُستعدِّةً لأن تكون عود الثّقاب المُفجِّر لهذه الحرب، ناسيةً أو مُتناسيةً، أنّ الحرب الأهليّة الثّانية إذا ما انفجرت ستتواضع أمام أخطارها الحرب الأولى عام 1975 التي استمرّت 15 عامًا، بالنّظر إلى موازين القِوى على السّاحة اللبنانيّةالسيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله قالها صريحةً في خِطابه الأخير، وكرّرها عدّة مرّات بأنّ لبنان لن يجوع ولن يركَع، وأنّ المُقاومة لن تتخلّى عن سِلاحها، وسيُبادر إلى قتلهم قبل أن يقتلون، الشّعب اللبناني ومُقاومته جُوعًا وتآمُرًا.
نأمَل أن تكون الرّسالة قد وصلت إلى الجِهات المعنيّة، أمريكيّةً إسرائيليّةً كانت أو لبنانيّةً قبل فوات الأوان، لأنّ الانفِجار اذا ما حدث لن يستثني أحدًا.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية