كيف التفّت إيران على العُقوبات الأمريكيّة.. وما هي الوسائل التي تستخدمها للعودة إلى تصدير نِفطها؟ ولماذا تُجاهِر الآن بكسر الحِصار النفطيّ؟ وما هو دور الصين؟ وماذا يَحمِل الوزير العُماني بن علوي من رسائلٍ سُعوديّةٍ لطِهران؟

 

لا نعرِف الأسباب التي دفعت بالسيّد إسحق جهانغيري، النّائب الأوّل للرئيس الإيرانيّ، والرّسالة التي أراد توجيهها عِندما أعلن اليوم “أنّ بلاده تَبيع النّفط حاليًّا بطُرقٍ وأساليبٍ أُخرى، وأنّ أمريكا، ورُغم عُقوباتها الشّديدة لم تستطع تصفير الصّادرات النفطيّة الإيرانيّة”، ولكن ما نعرِفه أنّ الهدف الأساسيّ من هذه العُقوبات، وهو تجويع الشّعب الإيراني، وتحريضه على الثّورة للإطاحة بالنّظام كاد أن ينجح، عندما نزل المُتظاهرون إلى الشّوارع الأُسبوع الماضي احتِجاجًا على رفعِ أسعار البنزين، ولكنّ إدارة الدّولة للاحتِجاجات واستِخدام كُل الوسائل المُمكنة، بما فيها القَمع والتّظاهرات المُضادّة نجحَت حتّى الآن في إفشال هذا المُخطَّط، سواءً كان عَفَويًّا، أو نتيجة العُقوبات والتّحريض الأمريكيّ.

صحيح أن صادِرات النّفط الإيرانيّة تراجعت من مِليونيّ برميل يوميًّا إلى أقل من 390 ألف بِرميل يوميًّا في شهر آب (أغسطس) الماضي، ولكنّها عادت إلى الارتفاع بعد عودة الصين لتحتل مكانها كمُشترٍ رئيسيٍّ للنّفط الإيرانيّ.

إيران التي تخضع للحِصار والعُقوبات الأمريكيّة مُنذ ثلاثين عامُا، باتت تملُك الوسائل العديدة لبيع نفطِها، أبرزها التّهريب، وتقديم خُصومات كبيرة على مبيعاتها للزّبائن، وتسهيلات للسّداد، وتحمّلها تكلفة الشّحن والتّأمين، الأمر الذي يجعَل نِفطها جذّابًا للعُمَلاء، خاصّةً في المصافِي الصينيّة.

الأخطر من كُل هذا إغلاق النّاقلات الإيرانيّة لأنظمة التتبّع لمساراتها، لإخفاء وجهات شُحنات النّفط المَنقولة عبر البحر، وكذلك رفع العديد من الأعلام عليها، أيّ النّاقلات، في الرّحلة الواحدة، ونقل الشّحنة النفطيّة إلى ناقلات أُخرى في عرضِ البحر، مثلما يقول خُبراء التتبّع.

ولعلّ اجبار إيران للدول الأوروبيّة على تبنّي آليّة “أنستكس” للمُقايضة التجاريّة معها، من خِلال استِئنافها لتخصيب اليورانيوم في مُفاعلاتها النوويّة، وانضمام تسع دول أوروبيّة إلى هذه الآليّة مِثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا والسويد والدنمارك والنرويج وهولندا وفنلندا سيُساهم في تسهيل التّبادل التجاريّ بين إيران وأوروبا، والالتفاف على العُقوبات الأمريكيّة وإحداث ثغرة كبيرة في الحِصار.

العُقوبات الأمريكيّة، ومهما اشتدّت قد تُضعِف إيران على المدى القصير، ولكنّها ستُقويّها على المدى الأبعد، فمنع إيران من شِراء طائرات حربيّة بعد الثّورة الإسلاميّة وإغراقها في حربٍ استمرّت ثماني سنوات مع العِراق، ومُصادرة أو تجميد، أرِصدتها في بُنوك أمريكا، كلها عوامل دفعتها إلى البحث عن بدائلٍ عسكريّةٍ، أبرزها تطوير صناعة صاروخيّة مُتطوّرة وبمُختَلف المدايات والأبعاد، وطائِرات مُسيّرة تُعتبَر واحدة من الأكثَر تَقدُّمًا في العالم، وتصنيع غوّاصات وزوارق بحريّة مُتقدّمة جِدًّا.

التوجّه العربيّ الرّاهن من قبَل دول خليجيّة، مِثل السعوديّة والإمارات، لفتح قنوات الحِوار مع إيران هو الخِيار الأفضل في نظرنا، لأنّه لا يُمكِن الاعتماد على الحِماية الأمريكيّة أوّلًا، ولأنّ الدول العربيّة الخليجيّة هي الأكثر تضَرُّرًا من العَداء مع هذه الدولة الجارة، شاهَدنا كيف حقّقت الأذرُع العَسكريّة الضّاربة والحليفة لإيران سواءً في اليمن أو العِراق أو لبنان تَغييرًا في كُل المُعادلات العسكريّة في المِنطقة، ولَنا في تطوّرات الحرب اليمنيّة الأخيرة المِثال الأبرَز.

إيران طرحت مُبادرة تحت عُنوان “سلام هرمز” على الدول الخليجيّة، ووصَل اليوم إلى طِهران السيّد يوسف بن علوي، وزير الخارجيّة العُماني لمُناقشتها، وربّما لحمل الرُّدود السعوديّة عليها، وهي الرُّدود التي حملها الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، أثناء زيارته المُفاجِئة لمسقط قبل أُسبوعين، ولعلّ هذه الجُهود العُمانيّة تُحدِث انفِراجةً في العُلاقات الخليجيّة الإيرانيّة وتُوقِف عمليّات الابتِزاز المالي “التّرامبيّة”.. واللهُ أعلم.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى