كيف هزم “تيك توك” الصيني فيسبوك وإنستغرام؟
تطبيق تيك توك (TikTok)، الذي تم تحميله أكثر من فيسبوك وإنستغرام – لا يتخذ من السيلكون فالي الأميركي ولا من أحد مراكز التقنية الناشئة في أوروبا مقرًا له، بل تملكه الشركة الصينية الناشئة والبارزة بايت دانس (ByteDance) – المؤسّسة في بكين عام 2012 ، وبالفعل أصبح تطبيق الفيديوهات القصيرة أول تطبيق من الصين يرتبط فعليًا بحياة المستخدمين من أنحاء العالم. وتحولت “بايت دانس” الآن إلى أكثر شركة ناشئة قيمةً في العالم، بحسب تحقيق مطول نشره موقع “كوارتز“.
تتمتع منصة تيك توك – التي تعد منصة لمقاطع الفيديو الشخصية القصيرة (السيلفي – Selfie) – بمهارة عالية في اجتذاب المستخدمين صغار السن في مقاطع الفيديو المتتابعة التي لا نهاية لها. ومثل وسائل التواصل الاجتماعي الرائدة، يتيح لك تيك توك التواصل مع الأشخاص الذين تعرفهم – لكن هذا جزء لا أهمية له بالنسبة للتطبيق.
ويكمن السبب حول تحول تيك توك إلى ظاهرة عالمية في السلسلة اللامتناهية من مقاطع الفيديو التي ترد إليك من أشخاص لا تعرفهم تحت أيقونة “من أجلك” (For You). وفي هذه الأيقونة تحديدًا، تُظهر خوارزميات تيك توك الجبّارة مقاطع فيديو من ملايين المستخدمين، مخصصة لك وفق طابعك الشخصي.
وبناءً على ما أعجبك من القصص قد ترى طفلاً يرش كريم الحلاقة في حذاء ثم يضع قدمه فيه، وفي وسم #تحديات (#challenges) يُظهر أشخاصا يقلدون النمل أو يضعون صلصة الصويا على أجزاء حساسة من الجسم. وبالطبع، هناك الكثير من الرقص، لا سيما بين المستخدمين الهنود لتيك توك، الذين يقضون أكبر عدد من الساعات على التطبيق من بين المستخدمين خارج الصين.
ويقول سكوت كينيدي (Scott Kennedy)، خبير الاقتصاد الصيني في مركز أبحاث الاقتصاد الاستراتيجي والدولي بواشنطن: “إن أحد الشروط المسبقة لنجاح تيك توك العالمي هو أنه تطبيق عالمي، وليس تطبيقًا متأصلًا في الثقافة الصينية أو يلبي احتياجات الجمهور الصيني، وهذا يعدّ أمرًا غير عادي بالنسبة للمنتجات والخدمات المقدمة من الشركات الصينية”.
يُعتبر التطبيق – من نواح كثيرة – أول تطبيق عالمي للصين. حيث جمع تيك توك – من خلال محتواه المضحك، والغريب، والخطير جدًا في بعض الأحيان – 717 مليون مستخدم نشط شهريًا على مستوى العالم اعتبارًا من شهر ديسمبر/كانون الأول، بما في ذلك مستخدمو الإصدار الصيني من التطبيق، ما يعني زيادةً قدرها 70% عن العام السابق، وذلك وفقًا للموقع المزوّد لتحليلات التطبيقات آب آني (App Annie). وتعتبر الهند أكبر سوق للتطبيق في الخارج، حيث يؤكد التطبيق أن لديه 120 مليون مستخدم نشط شهريًا، مقارنة بـ 26 مليون نشط في الولايات المتحدة.
وتمتد شعبية التطبيق إلى بلدان أخرى خارج أميركا. حيث تقول لوسي براون – وهي طالبة بريطانية في أوائل العشرينات من عمرها تعيش في تشيستر شمال غرب إنجلترا: “لقد سمعت عن تيك توك خلال العمل في معسكر صيفي في الولايات المتحدة. كان جميع الأطفال يتحدثون عنه”. وتقدّر براون أنها تقضي حوالي نصف ساعة من اليوم في مشاركة مقاطع فيديو مضحكة مع الأصدقاء والعائلة.
ويقول إريك يانغ، وهو صانع محتوى على تيك توك، يبلغ من العمر 24 عامًا، ويسكن بانكوك ويمارس التسويق عبر الإنترنت، إنه بدأ في استخدام التطبيق بعد رؤية نجاحه بين أوساط جيل زِد – أي الأشخاص الذين ولدوا بين عامي 1995 و2009. ويؤكد يانغ، الذي بدأ استخدام التطبيق في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن لديه الآن أكثر من 8.000 متابع على المنصة وهو معدل زيادة للمتابعين أكثر مقارنةً بإنستغرام.
وتعود أفضلية النمو هذه بشكل جزئي إلى أن المنافسة بين صنّاع المحتوى على اجتذاب المشاهدين على تيك توك ليست بمقدار الشراسة على إنستغرام حتى الآن، حيث يشير يانغ إلى أن حوالي 10% إلى 20% من مستخدمي إنستغرام يقومون أيضًا بصناعة المحتوى، بينما تبلغ هذه النسبة حوالي 1% إلى 2% بالنسبة لمستخدمي تيك توك.
بايت دانس ومؤسسها
ويُبرز صعود تيك توك تطورًا هامًا، وهو تأثير الصين المتزايد في تكنولوجيا المستهلك خارج حدودها. ففي داخل الصين لا يمكن تصور الحياة دون تطبيق التواصل الاجتماعي العملاق لشركة تينسينت (Tencent) ووي تشات (WeChat) أو عملاق التجارة الإلكترونية علي بابا (Alibaba)، لكن هذين التطبيقين لا يتم استخدامهما على نطاق واسع خارج الصين أو بين الجاليات الصينية. ويوضح المدى الذي بلغه تيك توك أنه وأخيرًا لم يعد بإمكان التطبيقات الصينية أن تبقى على قيد الحياة فحسب، بل بات بمقدورها أن تزدهر في الخارج، وأن تخلق منافسةً حقيقية لعمالقة وادي السيليكون التقليديين.
ومع ذلك، فقد جاء نجاح التطبيق أيضًا في الوقت الذي شرَعت فيه الولايات المتحدة والصين في حرب تجارية ركزت فيها الأعمال العدائية غالبًا على عمالقة التقنية في الصين، وبراعة التقنية المتقدمة في الصين، ومخاوف مجرّدة ولكن عميقة حول ما يمكن أن يفعله الحزب الشيوعي الصيني بالسلطة التي يتمتع بها على شركات التقنية من أمثال بايت دانس. ودق المشرعون الأميركيون ناقوس الخطر حيال البيانات الشخصية التي تسمح جميع مقاطع الفيديو القصيرة هذه لتيك توك بجمعها، وبدأ تحقيق أميركي في تداعيات الأمن القومي لاستحواذ بايت دانس على تطبيق مزامنة شفاه أميركي شهير بقيمة مليار دولار أميركي عام 2017، مما مهّد الطريق لتصبح تيك توك قصة نجاح أميركية.
لقد كانت السنة الماضية سنة عظيمة بالنسبة لتطبيق تيك توك –في هذه السنة نُزّل التطبيق 738 مليون مرة – وبدأ الآن استكشاف كيفية الاستفادة من هذه الشعبية. ولكن التطبيق ربما يواجه هذا العام أكبر تحد يواجه أي شركة تقنية صينية قط: وهو إثبات نفسها للحكومة الأميركية.
وقال فيرجوس ريان، وهو محلل في المعهد الأسترالي للسياسة الاستراتيجية الذي يُحلل عادة شركات التقنية الكبرى وأنشطة الدعاية الإعلامية: “أتوقع أن يكون هناك زيادة في المقاومة الرقابية على تطبيق تيك توك وشركة بايت دانس لهذا العام، ويبدو أن تطبيق تيك توك يتوقع ذلك ولهذا يتخذ الآن خطوات بغية التعامل مع هذا الأمر”.
تيك توك.. تطبيق صيني وجذور أميركية
إن قصة نشأة تطبيق تيك توك هي جزئيًا أميركية، حيث بدأت الحكاية على متن قطار مسافر إلى مدينة ماونتن فيو (كاليفورنيا) التي تضم شركة غوغل.
وألهم مشهد مجموعة من المراهقين يتسكّعون، البعض منهم يستمع إلى الموسيقى، والبعض الآخر يلتقط صور سيلفي أو يصوّر مقاطع فيديو قصيرة لبعضهم ويشاركونها مع أصدقائهم، رجل الأعمال الصيني أليكس تشو، الذي شغله الأمر، وصرفه عن العمل تطبيق فيديو تعليمي قصير كان يسعى إلى تطويره آنذاك.
وبدلًا من ذلك، تحول هو وشركاؤه التجاريون في شنغهاي وسان فرانسيسكو إلى تطوير تطبيق يمكنه جمع صور سيلفي ومقاطع فيديو ومقاطع موسيقية. وفي غضون ثلاثين يومًا، أطلق التطبيق بمسمى ميوزكلي (Musical.ly)، وذلك وفقًا لموقع بيزنيس إنسايدر. وجعلت هذه المجموعة من مقاطع الفيديو والمقاطع الموسيقية والصور السيلفي تطبيق ميوزكلي يحتل المرتبة الأولى في متجر آيتونز الخاص بشركة آبل بحلول شهر يوليو/تموز من عام 2015، أي بعد عام من انطلاق التطبيق. وفي ذروة نجاح التطبيق، حظي ميوزكلي بما يزيد عن مئة مليون مستخدم نشط شهريًا.
وفي الوقت ذاته تقريبًا، كانت شركة صينية ليست معروفة تُحقق نجاحًا أيضًا في بكين. إذ وُلِد مؤسس بايت دانس ورئيسها التنفيذي، تشانغ يمينغ، في عام 1983. وبعد نجاح تشانغ في تأسيس موقع يُدرج المنتجات العقارية، سرعان ما تحول إلى عالم الهواتف الذكية.
وأسس تشانغ، شركة بايت دانس في عام 2012 من داخل شقة صغيرة في بكين. وكان أحد منتجاته التي لاقت رواجًا المنصة الإخبارية توتياو (Toutiao).
وعلى عكس الجيل الأول من رواد الأعمال الصينيين، مثل “جاك ما” الذي أسس شركة علي بابا في عام 1999 واختار التركيز فقط على الأسواق المحلية حتى وقت لاحق، وضع تشانغ (36 عامًا) الأسواق الخارجية في مركز رؤيته لتطبيقات الفيديوهات القصيرة.
وقال تشانغ في خطاب ألقاه على موظفيه في عام 2019: “في ذلك الوقت، كان القليل من زملائي يستثمرون في الخارج، ولكننا آمنّا أن إنترنت الهواتف النقالة سيتيح لنا فرصًا هائلة على مستوى العالم”. وذكر أن الشركة كانت بحاجة إلى تحقيق ذلك من خلال طريقتين: سواء عبر أخذ منتجاتها إلى الخارج، أو من خلال عمليات الاستحواذ.
لقد أصبحت طموحات تشانغ العالمية واضحة بدءًا من عام 2016، وذلك عندما حاول شراء منصة ريديت (Reddit)- حسبما قيل- ولكنه فشل في ذلك بسبب خلاف حول العديد من القضايا بما في ذلك السعر.
فيسبوك
بعد ذلك، اشترى تطبيق مشاركة فيديو أميركيا متعثرا وغيّر من علامته التجارية إلى فليبغرام (Flipagram)، لكن لم يتمكّن من تحقيق نجاح كبير. ولهذا، كان تطبيق ميوزكلي الخطوة التالية المنطقية بالنسبة لتشانغ الذي كان قد شرع في تنفيذ تطبيق الفيديوهات القصيرة دوين (Douyin) في الصين، وأعقبه بنسخة دولية اسمها تيك توك في عام 2017. وعندما استحوذت شركة بايت دانس على تطبيق ميوزكلي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017 مقابل مليار دولار، كانت هذه الصفقة تمثّل بداية الرحلة العالمية الحقيقية بالنسبة لتطبيق تيك توك. وفي شهر أغسطس/آب من عام 2018، وجد مستخدمو تطبيق ميوزكلي أنفسهم قد رحلوا إلى هذا التطبيق الجديد.
ولكن الآن هذه العملية وغيرها من الجوانب الأخرى المتعلقة بعملية الاستحواذ قد تواجه فحصًا جديدًا. حيث إن تطبيق تيك توك آنذاك لم يسع إلى مراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة لهذه الصفقة، باعتبار أن اللجنة تنظر في عمليات الدمج والاستحواذ التي يشترك فيها مستثمرون أجانب لتتعرف على الآثار المترتبة على الأمن القومي، ولهذا الآن أضحت الفرصة متاحة للجنة في النظر إلى العملية.
وقد فحصت اللجنة في وقت سابق عمليات استحواذ صينية محتملة في مجال التقنية في السنوات الأخيرة، وعرقلت جهود الشركة العملاقة آنت فايننشال (Ant Financial) لشراء شركة مونيغرام (MoneyGram)، كما أمرت شركة صينية تقنية بسحب استثمارها من تطبيق مواعدة خاص بالمثليين اسمه جرندر (Grindr). وصحيح أنه من المبكر جدًا معرفة كيف سيحدث ذلك، إلا أنه في أسوأ الظروف، من المحتمل أن تطلب اللجنة من شركة بايت دانس إلغاء تلك الصفقة.
وتقول سارة كوك، وهي باحثة رفيعة في الشأن الصيني في معهد فريدم هاوس، المؤسسة البحثية التي تمولها الحكومة الأميركية: “ستكون أي قيود تُطبّق مكلفة في حد ذاتها، بيد أنها أيضًا ستكون عبرة محتملة لغيرهم من المستثمرين والبلدان”. وأضافت: “ومع ذلك، ما زال هناك الكثير من المستخدمين الحكومات في العديد من البلدان ممن لا يكترثون بالقضايا الأمنية التي تتعلق بالشركات الصينية، ولهذا أعتقد أن الشركة الصينية بايت دانس سيكون في مقدورها التوسع عالميًا”.
سر الشعبية الطاغية
في جوهر شعبية تيك توك تقع إمكانية التطبيق تقريبًا في توصية المحتويات، وهي الخاصية التي تقوم في بعض الأحيان بتوصية محتوى لا يعرف المتلقي أنه بالفعل كان يريده. وعلى غرار الإنستغرام وفيسبوك، من المحتمل أن يقوم التطبيق بدراسة وتحليل تفاعل المستخدمين لكي يحدد نوعية المحتوى الذي يقوم بتوصيته لهم. ومن خلال استخدام تقنيات مثل التعلم الآلي ومعالجة اللغات الطبيعية التي بدورها تقوم بدراسة النصوص، والصور ومقاطع الفيديو، يمكن لمنتجات بايت دانس (ByteDance) تخصيص محتوى لكل مستخدم من مستخدميها. وهذه العملية هي عبارة عن حلقة ردود فعلٍ إيجابية، كلما تفوقت التطبيقات في تحسين محتواها، زاد عدد مستخدميها. ومع زيادة بيانات المستخدمين، تتحسن التطبيقات في توصية المحتويات التي يرغب بها المستخدم، وهكذا دواليك.
لا يكشف تطبيق تيك توك عن كيفية استخدامه – أو عدد مرات الاستخدام – لتقنية بايت دانس بشكل مفصل. ولكن وفقًا لما ذكره تساو هوان هوان، كبير مهندسي الأبحاث في شركة بايت دانس، فإن العديد من التطبيقات المخصصة لمقاطع الفيديو القصيرة للشركة، من ضمنها دووين (Douyin)، تستخدم نفس النظام فيما يتعلق بتوصية المحتويات مثل توتياو (Toutiao)، المنصة الإخبارية. وقال تساو في خطاب بمؤتمر التكنولوجيا في الصين عام 2019: “كانت شركة بايت دانس أول شركة في العالم تحقق أتمتة كاملة لنظام توصيات المحتوى. النظام ذكي ويمكنه ضبط توصياته بناءً على كل من الإشارات الإيجابية والسلبية، مثل عدد مرات مشاهدة الفيديو”.
لذلك، قد يرى مراهق في الولايات المتحدة محتويات كثيرة في تطبيق تيك توك حول الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، أو قد يرى المغنية سيلينا غوميز ترقص مع أصدقائها على أغنيتها الجديدة “Rare”. وقد يشاهد مراهق آخر في ولاية ماهاراشترا غرب الهند مقاطع فيديو لصاحب متجر صغير يرتدي قميصًا زهريًا يرقص بفرح. وفي الوقت نفسه، يرى مستخدمو تطبيق دووين (Douyin) مواطنين يشعرون بالملل وهم يرقصون في غرفتهم لتمضية الوقت أثناء تفشي فيروس كورونا الذي منعهم من الخروج من منازلهم.
ويعلق ويليام باو بين، الشريك العام في شركة إس أو إس في (SOSV)- شركة عالمية في مجال رأس المال الاستثماري استثمرت في الصين على نطاق واسع: “يمكن لتلك التقنية أن تحلل بشكل سريع ما يحب المستخدمون من عدة دول مختلفة مشاهدته وتوصية المزيد من ذلك المحتوى الذي يرغبون بمشاهدته، وهي استراتيجية فعالة ومماثلة للاستراتيجيات الرامية إلى إضفاء طابع محلي في بعض التطبيقات”.
وكانت هذه الاستراتيجية أمرًا أساسيًا لنجاح تطبيق تيك توك في الهند. ويفسر الأمر ياشوانت كومار، الرئيس التنفيذي لشركة جينيني ميديوم الرقمية (GenY Medium)، ومقرها حيدر آباد: “لم تشتهر تطبيقات مثل فاين (Vine) وبيريسكوب (Periscope) في الهند لأنها ركزت على المستخدمين “المميزين” عوضًا عن عامة الشعب”.
هناك سمات أخرى تميز تطبيق تيك توك عن منافسيه. في اللحظة التي تفتح فيها التطبيق، حتى قبل إنشاء حساب، يبدأ على الفور في تشغيل مقطع فيديو رأسي بحجم شاشة هاتفك المحمول بالكامل. لا توجد صفحة تحميل أو قسم “محتوى قد ترغب فيه” يتطلب منك بدء المشاركة؛ بدلاً من ذلك، يتصرف التطبيق كصديق متسلط يقوم بوضع الأشياء في وجهك دون موافقتك. لا يُظهر التطبيق أيضًا الوقت في واجهته، ولا يُظهر أي عناصر أخرى مثل معلومات موفر خدمة الاتصال – تفاصيل صغيرة ولكنها تساعد في انغماس المستخدمين في التطبيق.
كتبت منصة في لي يون وانج (Lie Yun Wang)، وهي منصة لوسائل الإعلام التقنية الصينية، في تحليل لـتطبيق دووين (Douyin): “هذا التصميم يهدف إلى جعلك تركز على التطبيق بالكامل، تمامًا مثل الكازينوهات التي لا يوجد بها عادة نوافذ من أجل تقليل التشتيت”.
وتجلب شعبية التطبيق تدريجيًا المزيد من الفرص لتحقيق الدخل، حيث ربح تطبيق تيك توك 177 مليون دولار من العائدات على مستوى العالم العام الماضي، وذلك وفقًا لسينسور تاور (Tower Sensor)، كما حقق في الربع الأخير من عام 2019 أفضل ربع من ناحية الأرباح على الإطلاق بالنسبة للتطبيق.
ويجدر بالذكر أن هذه الأرقام قليلة مقارنة بمنصات التواصل الاجتماعي الرئيسية، فعلى سبيل المقارنة، حقق تطبيق سناب ثلاثة أضعاف هذا الدخل في ربعه الأخير فقط. وأتت معظم هذه الأرباح من الصين، في حين جاءت من الولايات المتحدة حوالي خُمس الأرباح.
كما يجني التطبيق أرباحه من خلال عمليات الشراء داخل التطبيق، مثل بيع العملات المعدنية التي يمكن استخدامها لشراء الهدايا الافتراضية من قبل المستخدمين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عامًا لمكافأة صانعي المحتوى على تيك توك.
وستحاول شركة بايت دانس تكرار نجاحها في تقديم الإعلانات عبر الإنترنت في الصين على تطبيق تيك توك. وبدأ التطبيق بتقديم الإعلانات منذ العام الماضي من خلال ثلاثة طرق: إعلان على شاشة البداية، ومقاطع فيديو مضمّنة، والهاشتاغات المخصصة للتحديات، والتي تتيح لمستخدمي تيك توك نشر مقاطع ذات صلة بها. ويمكن لهذه الإعلانات أن تكلف مئات الآلاف من الدولارات. على سبيل المثال، قد يكلف إنشاء هاشتاغ مخصص لتحدٍّ معين حوالي 150,000 دولار يوميًا، وفقًا لأد بيج (Ad Page).
المنافسة الشرسة
أدى استمرار شعبية تطبيق تيك توك في النمو بشكل مهول إلى دفع شركات مواقع التواصل الاجتماعي نحو إبداء اهتمام كبير بتطبيقات الفيديوهات القصيرة. وبعد إدراكها أن ملايين الشُبان والشابات يتفاعلون مع الفيديوهات القصيرة ويتبادلونها ويُعِدونها فيما بينهم، سارعت شركات مواقع التواصل الاجتماعي الحالية والناشئة إلى تقليد فكرة تطبيق تيك توك.
ومع ذلك، يصعب تحديد مدى المنافسة التي يواجهها تطبيق تيك توك. إذ إن الوقت الذي يقضيه مستخدمو التطبيق في المشاهدة لا يُنافس بقوة الوقت الذي يقضيه المستخدمون على تطبيق سناب شات أو إنستغرام فحسب، بل أيضًا يُواجه منافسة من موقع نتفلكس، والوقت المخصص للنوم، وكذلك يُنافس التركيز في الحصص المدرسية.
وفي الصين، يتنافس تطبيق تيك توك مع تطبيقات صينية أخرى في مجال الفيديوهات القصيرة. وفي الولايات المتحدة، يتعرض التطبيق لمنافسة مجموعة دولية من التطبيقات التي تُقلد فكرته. ومع ذلك، تثبت التجربة أن تطبيق تيك توك يُنافس الجميع، اعتمادًا على الموقع الجغرافي والجمهور المستهدف.
في الولايات المتحدة وحدها، جربت شركة فيسبوك فكرة تطبيقات الفيديوهات القصيرة من خلال إصدار تطبيق لاسو (Lasso) الذي حقق نجاحًا محدودًا، وكذلك من خلال خاصية ريلز (Reels) التي أدخلها تطبيق إنستغرام في البرازيل فحسب حتى الآن. كما انتهزت الشركات الناشئة مثل فايرورك وتريلر وبايت هذه الفرصة ودخلت هذا السباق، حيث وضعت كل منها لمستها الخاصة على تطبيقها المخصص للفيديوهات القصيرة. فعلى سبيل المثال، قامت شركة فايرورك بزيادة المدة المسموحة للفيديوهات القصيرة بحيث تُصبح 30 ثانية، كما استهدفت الشركة السوق الهندية المتنامية.
في حين تميزت شركة تريلر بخاصية اكتشاف الموسيقى المدعمة بالذكاء الاصطناعي، حيث وقعت الشركة على اتفاقية من كبرى الشركات الموسيقية للحصول على ترخيص لاستخدام الموسيقى. وقد تُشكل اتفاقيات ترخيص الموسيقى المتعثرة تهديدًا على هيمنة تطبيق تيك توك المستمرة، مما يُقدم فرصةً لشركة مثل تريلر.
وحتى هذه اللحظة، لم تستطع أي هذه التطبيقات – بدايةً من تطبيقات الشركات الكبرى ووصولًا إلى تطبيقات الشركات الناشئة – تحقيق النجاحات السريعة التي حققها تطبيق تيك توك. لم يستطع تطبيق لاسو التابع لشركة فيسبوك تجاوز 425 ألف عملية تنزيل اعتبارًا من شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي؛ ويُعد هذا رقمًا قليلًا ومفاجئًا، خصوصًا أن التطبيق طُرِحَ في السوق قبل عام تقريبًا. في حين تُعد خاصية ريلز جديدةً جدًا – وربما صغيرة جدًا كذلك – لدرجة أنها لا تستحق تقييمها.
كما يُعد تطبيق فايرورك متخلفًا كثيرًا عن تطبيق تيك توك، إذ إن عمليات تنزيل التطبيق لم تتجاوز 3 ملايين عملية بحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حسبما ذكرت مجلة ديجادي (Digiday). ومن جهته، فقد تحدث تطبيق تريلر في شهر يناير/كانون الثاني الماضي على 75 مليون عملية تنزيل للتطبيق. ورغم هذا، يصعب جدًا تحديد مدى استمرارية هذه التطبيقات، وكذلك قدرتها على جني الأرباح مقارنة بتطبيق تيك توك.
ومن جانبها، قالت كبيرة محللي قسم تسويق وسائل التواصل الاجتماعي لدى شركة إيماركتر (eMarketer)، ديبرا ويليامسون: “نشرت شركات تحليل البيانات أرقامًا كبيرةً لعدد عمليات تنزيل تطبيق تيك توك. هذه الأرقام تجذب الكثير من الأنظار، غير أنها لا توضح بالضرورة عدد مستخدمي التطبيق، إذ قد يقوم البعض بتنزيل وتجريب التطبيق دون تجربته، ولذا فإن هذه الأرقام توضح مدى الاهتمام بالتطبيق، وليس العدد الفعلي للمستخدمين”.
كما ترى ويليامسون أنه يُرجح جدًا أن تطبيق إنستغرام يُشكل أكبر تهديد لتطبيق تيك توك، ويعود سبب ذلك جزئيًا إلى الشركة الأم للتطبيق – فيسبوك – التي تستطيع أن تُقرر ببساطة أنها سوف تستثمر استثمارًا هائلًا في تطبيقات الفيديوهات القصيرة إذا ما رأت أن هذا المشروع يستحق العناء، مشيرة إلى نجاح تطبيق إنستغرام في سرقة خاصية “القصص” لدى تطبيق سناب شات.
وأضافت أن تطبيق إنستغرام يمتلك اسمًا طيبًا وجمهورًا كبيرًا يُمكنه من القيام بأمرٍ مشابه لما قام به تطبيق تيك توك. ورغم أن تطبيق إنستغرام ربما لن يتمكن من سحب البساط كاملا من تحت أقدام تطبيقي سناب شات أو تيك توك، إلا أن دعم فيسبوك قد يُمكنه من الاستمرار في تقديم خيارات بديلة، ما يُمكنه تدريجيًا من سحب المستخدمين الذين يفضلون مجموعة تطبيقات فيسبوك المدمجة.
كما لفتت ويليامسون الانتباه إلى المنافسين الهائلين في الصين، ومن بينهم كوايشو (Kuaishou)، وهو تطبيق فيديو قصير يرعاهُ التكتل الصيني تينسنت (Tencent)، وانطلق التطبيق في ديسمبر/كانون الأول 2019. وأفادت التقارير أن تينسنت قد استثمرت ملياري دولار في التطبيق، وتذكر كوايشو أن لديها 200 مليون مستخدم نشط يوميًا، معظمهم في الصين، ولكن إمكانية اقتحامها السوق الغربية لم تتضح بعد.
في الوقت الحالي، يتخلف تطبيق تيك توك بشكل ملحوظ في التجارة الإلكترونية، ويركز الجهود على منصته للإعلانات. ولكن بهذا الاختيار، يترك تيك توك مجالًا لإنستغرام لبناء ميزة المبيعات في التطبيق وجذب المستهلكين الغربيين. إضافة إلى ذلك، لدى تيك توك بعض ميزات الواقع المعزز، إلا أنه من الممكن لتطبيقات الواقع الافتراضي في نهاية المطاف أن تحُل محل هذا النوع من وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدر فيسبوك وأوكيولوس حاليا مجال الواقع الافتراضي.
وفي الولايات المتحدة، يُجدر على وجه الخصوص متابعة شركة بايت (Byte) (لا علاقة لها بشركة بايت دانس). أطلق دوم هوفمان، مؤسس تطبيق فاين (Vine)، تطبيق بايت في يناير/كانون الثاتي عام 2020، مجددًا بذلك تطبيق الفيديو الشهير ذو الست ثوان.
في عام 2012، استحوذت تويتر على فاين وأبقت التطبيق مستمرًا لنحو أربع سنوات، إلا أنها لم تنجح في تحقيق الدخل من التطبيق وأغلقته في النهاية عام 2017.
وتجاوز بايت (أو “فاين 2.0”) 1.3 مليون عملية تنزيل في أسبوعه الأول، وتلك علامة واعدة على وجود تطبيقٍ ينافس تيك توك، مقرُّه الولايات المتحدة، رغم أن هذا الحديث عن منافسة مبكر بعض الشيء.
إن كانت هناك ملاحظة واحدة، فهي أن سوق مقاطع الفيديو القصيرة ما زال ضعيفًا وقيد النمو. هناك العشرات من المنافسين الذين يتفاوتون حجمًا، ولكن لا يتضح وجود رابحين إلى جانب تيك توك. من المحتمل أن تؤدي الضغوط التنافسية إلى الإخفاقات والاندماجات، ولكن الشركات الآن تقوم بتجربة كل شيء لترى ما الذي قد ينجح.
من المؤكد أن لدى كثير من تطبيقاتِ هؤلاء المنافسين شيئا واحدا ليس لدى تيك توك، وهو اعتبارها تطبيقات أميركية وليست صينية.
الدور الخفي للحكومة الصينية
إن أُصول تيك توك سيفٌ ذو حدين، فعلى الرغم من أن التطبيق قد تمكن من الوصول إلى ما وصل إليه بفضل أموال بايت دانس الطائلة ووفرة بياناتها الصينية، إلا أنه ما زال يحتاج إلى إثبات النأي عن علاقته بشركته الأم، وكذلك الحكومة الصينية، بيد أن المنافسين حريصون على ربطهما ببعضهما بعضا قدر الإمكان. ففي خطاب ألقاه في العام الماضي، كرر مدير فيسبوك التنفيذي مارك زوكربيرغ ادعاءً بلا دليل وهو أن تيك توك حجبت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في هونغ كونغ، إذ انتشرت أنباء التظاهرات في تويتر وفيسبوك بينما غابت إلى حد كبير عن تطبيق تيك توك، وتساءَل مدير فيسبوك: “هل هذا هو الإنترنت الذي نريده؟”.
ويقول خبراء التكنولوجيا الصينية الناشئة إن علاقة بكين بتطبيق تيك توك يمكن أن تسمح للصين بتعزيز أجندتها السياسية على نحو غير ملحوظ في الخارج.
وكتبت إلسا كانيا، وهي زميل مساعد أول في مركز الأمن الأميركي الجديد، إلى موقع كوارتز الأميركي عبر البريد الإلكتروني: “الحكومة الصينية ترغب في تشكيل وممارسة النفوذ عبر وسائل التواصل الاجتماعية، وبروز شركات مثل بايت دانس وتوسعها العالمي قد تساعد في تحقيق تلك الأهداف”.
أخبر موظفو تيك توك السابقون، والذين عملوا في الشركة مؤخرًا منذ عام، صحيفةَ “واشنطن بوست” الأميركية بأنهم تعرضوا لضغوط من قبل مشرفي بايت دانس في الصين كي يفرضوا رقابة على المحتوى المراقب. إذ ذكرت صحيفة غارديان في سبتمبر/أيلول الماضي أن إرشادات المشرف أوصت بحجب المواد المتعلقة باحتجاج طلاب تيانانمين، الذي حدث عام 1989، والجماعة الدينية فالون جونج، وكلاهما من المحظورات في الصين، بالإضافة إلى إرشادات لحظر شخصيات أجنبية، من بينها الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وأخبرت الشركة صحيفة غارديان أنها اتخذت في وقت سابق “نهجا قويا لتقليل الصِّدام على المنصة، وأن تلك التوجيهات لم تعد قيد الاستخدام. كما قالت إنها تعمل على تمكين المشرفين المحليين، ووضع سياسات محلية للمحتوى، وأنها أنشأت مراكز إشراف في دبلن وسنغافورة وسان فرانسيسكو. وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، عينت الشركة مشرّعين أميركيين سابقين كجزء من لجنة خارجية لتقديم المشورة بشأن سياسات المحتوى.
ومع ذلك، وجدت منصة تيك توك نفسها بعد أشهر قليلة في خضم جدال لإزالتها مقطع فيديو نشرته مراهقة أميركية تنتقد فيه معاملة الصين لسكانها المسلمين عبر تصويرها جلسة ماكياج. وألقت الشركة باللوم على “خطأ بشري من المشرف” ثم أعادت الفيديو إلى المنصة. في هذه الأثناء، ادّعى أجاي بارمان، أحد صانعي محتوى تيك توك في الهند والذي كان يحظى بشعبية كبيرة على المنصة، أن التطبيق يقوم الآن بحجب محتواه الذي يقوم فيه بتعزيز الوحدة بين الهندوس والمسلمين، فمقاطعه التي كانت تحصد بشكل منتظم 30,000 إلى 40,000 إعجاب لكل واحد منها، تراجعت الآن إلى بضعة آلاف.
والدليل الأول للعديد من الأشخاص القلقين إزاء فكرة ما إذا كان التعبير حرا على تيك توك: هو مثيله الصيني، دوين، وغيرها من تطبيقات بايت دانس. إذ قال موظف سابق في بايت دانس، كان يعمل كمراجع للمحتوى، إن هناك أكثر من 10.000 مراجع محتوى يعملون لدى الشركة في جميع أنحاء الصين اعتبارًا من العام الماضي. وأضاف المراجع السابق، الذي لم يعمل لدى تيك توك أو دوين، أنه على الرغم من اختلاف القواعد المحددة لكل تطبيق، إلا أن اتجاه الإرشادات للمحتوى لكليهما يتشابه إلى حد كبير، حيث تجب مراقبة المحتوى المتعلق بالسياسة والعنف والمواد الإباحية، خاصة النقد تجاه الحزب الشيوعي الصيني الحاكم والحكومة.
وأضاف الموظف أن الشركة تتبع أيضًا أوامر من حين لآخر صادرة عن الإدارة العليا للفضاء السيبراني في الصين لمراقبة المحتوى.
وفي دوين، أدت عمليات البحث عن مصطلحات مثل شينغيانغ وهونغ كونغ إلى نشر محتوى يروج لسياسات بكين أو يعرض مناظر جميلة في المنطقتين على دوين، بينما أسفرت عمليات البحث عن نفس المصطلحات على تيك توك عن انتقاداتٍ تجاه الحكومة الصينية بشأن معاملتها للمجموعات مثل مسلمي الأيغور، مع تقارير تشير إلى أن ما يصل إلى مليون منهم تعرضوا “لإعادة تأهيل” في معسكرات الاعتقال في منطقة شينغيانغ الغربية.
وقد فشلت محاولة موقع “كوارتز” الأميركي لنشر فيديو يحتوي على مصطلحات مثل “حقوق الإنسان” و”شينغيانغ” باللغة الصينية على دوين، وظهرت رسالة تُفيد أن الفيديو كان “ينتهك إرشادات المجتمع”. وتم حذف الفيديو لاحقًا من التطبيق.
ويُعد اتباع مثل هذه القواعد – أو مواجهة العواقب – حقيقة من حقائق شركات الإنترنت في الصين، حيث يُدرج العديد منها تحت قسم المخاطرة في نشراتهم عندما يرغبون بإدراج أسهمهم في البورصة.
وشهدت بايت دانس إزالة توتياو مؤقتًا من متاجر التطبيقات في الصين في عام 2018 من قِبل المنظمين الصينيين كجزء من قبضة الرقابة المشددة على التعبير عبر الإنترنت. وأُغلق تطبيق الدعابات الشهير نيهان دوانزي، التابع للشركة بشكل دائم في ذلك العام بسبب مخاوف السلطات بشأن محتواه “المبتذل”.
وقال تشانغ، الرئيس التنفيذي لشركة بايت دانس، في اعتذارٍ مليء بعبارات الحزب الشيوعي الطنانة، إن الشركة ستوسع فريق تدقيقها إلى حوالي 10.000 شخص، وستحظر صانعي المحتوى ممن هم “ضد قيم المجتمع”.
وأوضح مشروع تشاينا ميديا، وهو مبادرة بحثية تدقق في المجال العام الصيني، أن تشانغ قام “باستيفاء المتطلبات الإيديولوجية اللازمة للإشارة إلى نيته في اتباع القوانين”.
وعلق تشانغ على وي تشات: “طوال الوقت، ركزنا بشكل مفرط على دور التقنية، ولم نعترف بأن التقنية يجب أن تقودها القيم الاشتراكية الأساسية”.
وأفاد كوك من منظمة فريدوم هاوس، أن الجهود العامة التي بذلتها بايت دانس في تهدئة الحكومة في الصين الآن تُمثل سجلاً يمكن أن يشير إليه المتخوفون من الشركة عند التشكيك في ضماناتها بشأن أي مخاوف أخرى، خاصة الشكوك حول خصوصية بيانات المستخدمين الأميركيين، وما إذا كانت الشركة تستطيع مقاومة الضغط “الكبير” من بكين لإتاحة هذه البيانات.
وبشكل أكثر تحديداً، يمكن أن يطلب تيك توك من المستخدمين تقديم بيانات مثل عمرهم، وهاتفهم، ومعارفهم على الشبكات الاجتماعية، ومعلومات الموقع والجهاز، بالإضافة إلى العنوان الإلكتروني الذي يدخل من خلاله الجهاز إلى شبكة الإنترنت، وفقًا لسياسة الخصوصية التي تم تحديثها في الأول من يناير/كانون الثاني. ولكي نكون منصفين، تَجمع تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى أيضًا معلومات مماثلة كتلك التي يحصل عليها تيك توك، ولكن هل يجب أن نكون متيقظين بشكل خاص لما يطلبه تيك توك منّا، بالنظر إلى روابطه الصينية؟ يعتقد ريان من معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي أن الإجابة هي نعم.
ويتابع: “يمكن استخدام تلك البيانات لتشكيل صورة عن حياة وعادات المستخدمين، وما يدعو للقلق بشكل خاص، هو أحد سطور اتفاقية سياسة الخصوصية الخاصة بتطبيق تيك توك الحالية والتي تقول إن التطبيق “من الممكن أن يقوم بمشاركة معلوماتك مع شركة أُم، أو شركة فرعية، أو أي شركة منتسبة لمجموعة شركاتنا”.
ويضيف رايان: “يبدو لي أن اتفاقية سياسة الخصوصية الخاصة بتطبيق تيك توك لا تزال تمنحهم فرصة للتملص وإرسال معلومات إلى بكين”.
كما تمثل الشريحة اليافعة من المستخدمين للشركة تحديًا فيما يتعلّق بحماية البيانات. حيث دفع تيك توك مبلغ 5.7 مليون دولار أميركي لتسوية اتهامات تتعلق بخروقات لقانون حماية خصوصية الطفل مع هيئة التجارة الفيدرالية والتي تشرف على حماية المستهلك في فبراير/شباط من عام 2019. واتهمت الهيئة التطبيق بالجمع غير المصرّح للمعلومات الشخصية من عناوين البريد الإلكترونية والأسماء من أطفال لم يتجاوزوا سن 13 سنة، من دون موافقة أولياء أمورهم، وهو مطلب أساسي لأغلب تطبيقات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة. وتعتبر هذه أكبر مخالفة مدنية في قضية تتعلق بخصوصية الأطفال.
مخاوف على الخصوصية
وردًا على سؤال من مجلة “كوارتز”، أشار تيك توك إلى تصريحات سابقة على سياساته، بالإضافة إلى تحديث جديد على المبادئ التوجيهية للتطبيق تم إصدارها في شهر يناير/كانون الثاني. وقالت الشركة في تصريح لها في شهر أكتوبر/تشرين الأول إنها لا تزيل المحتويات ذات العلاقة بالمواضيع الحساسة في الصين: “لم يردنا أي طلب من قبل من الحكومة الصينية لإزالة أي محتوى ولن نقوم بفعل ذلك حتى إذا طلب منا القيام به”.
وذكرت الشركة أيضًا أنها تقوم بتخزين بيانات مستخدمي تيك توك الأميركيين في أميركا، بالإضافة إلى خادم احتياطي في سنغافورة، وأن أيًا من البيانات غير معرضة للقوانين الصينية.
وبينما يصرّ تيك توك على أنه خالٍ من التأثير السياسي الصيني، لم يقتنع الكثير من المراقبين بذلك.
وتقول كانيا من مركز الأمن الأميركي الجديد: “هناك أسباب تدعو للبقاء متشككًا من استقلالية تيك توك عن سلطات الحزب الحاكم في الصين، وعلى وجه الخصوص، عندما يتعلق الأمر بالرقابة على الموضوعات الحساسة”.
وبالطبع، فإن المخاوف السياسية تعتبر سيفًا ذا حدّين. حيث سخر ماثيو برينان، وهو مستشار تقني للصين لقائمة الشركات الـ 500 الأكثر ربحًا، من المحتوى الاجتماعي والسياسي لتيك توك.
إن سعي تيك توك لتعيين رئيس تنفيذي في الولايات المتحدة قد يؤدي لإزالة بعض المخاوف، ولكن تأثير التطبيق على تشكيل الآراء السياسية لجمهوره اليافع قد يؤدي لإثارة مخاوف جديدة. ونظرًا لنطاقه الكبير، قد يلعب تيك توك دورًا مهمًا في نشر المعلومات إلى الناخبين في أنحاء العالم، وخاص حول الانتخابات الأميركية القادمة.
وأعلن تيك توك في بيان في أكتوبر/تشرين الأول أنه لن يسمح بالإعلانات السياسية، بالإضافة إلى الإعلانات المتعلقة بالانتخابات، والإعلانات الدعائية، أو الإعلانات المناصرة للقضايا التي تعمل على “الترويج أو معارضة مرشح انتخابي، القادة الحاليون، الأحزاب السياسية أو مجموعة أو قضية على الصعيد الفيدرالي أو على صعيد الولاية أو على الصعيد المحلي”. وأعلن التطبيق في وقت مبكر من هذا العام عن تنبيهات جديدة تتمحور حول الأوسمة المتعلقة بالانتخابات معنية بمحاربة التظليل الإعلامي.
إن أكبر حيرةٍ تواجه تيك توك في عام 2020 هي مراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة.
وتشمل المعوقات الأخرى احتمالية التدقيق المتزايد في دول أخرى. الهند على سبيل المثال حظرت تنزيل التطبيق على متاجر التطبيقات لفترة وجيزة في شهر أبريل/نيسان الماضي، إذ إنها كانت قلقة من أن التطبيق يعرض الأطفال للمعتدين جنسيًا والمحتوى الإباحي والتنمر على الإنترنت، وذلك وفقًا لقرار صادرٍ عن محكمة هندية.
إضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاتجاه العام للحكومات والأفراد الذين يبذلون مزيدًا من الجهود لحماية خصوصية البيانات إلى تعريض التطبيق للخطر مرة أخرى. حيث قال أناند براسانا، الشريك الإداري في شركة آيرون بيلر (Iron Pillar) وهي شركة استثمارية في مومباي: “هناك قوانين ولوائح لحماية البيانات عالميًا قد تؤدي إلى إيجاد تحديات لتيك توك، وغيره من تطبيقات التواصل الاجتماعي”.
وعلى صعيد الأعمال، حقق التطبيق أفضل شهر له من حيث نمو عدد المستخدمين في آخر ربع من العام المنصرم، مع وجود أكثر من 200 مليون عملية تنزيل جديدة، وفقًا لما نشرته شركة سينسور تاور (Sensor Tower). كما ذكرت الشركة المالكة للتطبيق أنها تعمل على تطوير مجموعة مختارة من المحتوى “الآمن”، وهي مقاطع فيديو مختارة ومنتجة بعناية من قبل مبدعين يملكون الجودة أو ناشرين محترفين. وقد توفر هذه المجموعة المختارة منصةً للعلامات التجارية المتميزة من أجل نشر إعلاناتها، مما يساعد التطبيق في تحصيل مقابل أعلى جراء تلك الإعلانات. وقد يتسارع اكتشاف التطبيق “للتجارة الاجتماعية” (social commerce)، وهو مصطلح يشير إلى توجه العلامات التجارية لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي من أجل الترويج لمنتجاتهم وخدماتهم. وقد سمح التطبيق بالفعل للمستخدمين بإضافة روابط لمواقع تجارة إلكترونية في معرفاتهم الشخصية. وذكر بليك تشانديل، نائب رئيس حلول الأعمال العالمية لتطبيق تيك توك في الولايات المتحدة، أن الخطوة القادمة قد تكون تقديم أداة تسوق تسمح للمستخدمين بشراء حاجات مباشرة من العلامات التجارية.
وفيما يتعلق بمراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، فهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة: ضجة كبيرة ولكن دون قيام اللجنة بفعل شيء، أو شكلٍ من أشكال الإدراج في قائمة سوداء أو فرض قيود، أو حظر صريح للتطبيق. ويُعد الخيار الأخير وهو الحظر الكامل أقل سيناريو محتمل من قبل المراقبين نظرًا لأن ردود الفعل السلبية من المستخدمين قد تكون كبيرة. وفي الوقت نفسه، حتى إذا خضع التطبيق لتدقيق أكبر من الولايات المتحدة، فمن المحتمل ألا يؤدي ذلك إلى الإضرار بنموه عالميًا. وربما يسير تطبيق تيك توك على خطى شركة تقنية صينية عملاقة أخرى، مثل شركة هواوي المصنعة لمعدات الاتصالات، ليصبح ضخمًا في كل مكان ما عدا الولايات المتحدة، والتي أغلقت شركة هواوي بشكل أساسي في الولايات المتحدة منذ 2012 بسبب مخاوف التجسس.
ويقول سام ساكس، الزميل المتخصص في الاقتصاد الرقمي الصيني في مركز نيو أميركا في واشنطن: “حتى السيناريو الأسوأ الذي قد ينتج عنه نوعً ما من الإدراج في لائحة سوداء في الولايات المتحدة لن يكون مهمًا عندما يتعلق الأمر بهيمنة تيك توك حول العالم. المستخدمون في دولٍ مثل الهند أو أوروبا لن يلقوا بالًا لذلك”.
ولكن من الواضح أن شركة بايت دانس ترغب في أن تكون الولايات المتحدة جزءا من نجاح تيك توك عالميًا، وسوف تستخدم الإنصات ومهاراتها من أجل تهدئة الحكومة الأميركية، كما فعلت مع الحكومة الصينية سابقًا.
العربية.نت