مذكراتي في الإعلام السوري : التفجيرات والاغتيالات في الثمانينات !
كانت الفترة الأولى من عملي في الإعلام السوري صاخبة ودامية، ففي تلك الفترة كان الصراع مع الإخوان المسلمين في سورية على أشده، وقد بلغ ذروته في أحداث حماه في شباط 1982، لكن المآسي كانت تتوالى، فبعد مجزرة المدفعية حدث تفجير شعبة تجنيد الأزبكية الكبير، ثم وقع الهجوم على الآمرية الجوية بسيارة مفخخة وتساقط كثيرون في حوادث اغتيالات من بينهما زميلنا محمد الحوراني المذيع ومدير الأخبار، ثم وقع حريق مجلس الوزراء الذي جرى فيه إنقاذ العاملين هناك بالحوامات ..
كانت حساسية العمل الإعلامي في تلك الظروف الصعبة عبئاً على الصحفي السوري، فأصبح تلقائياً في دائرة النار والمسؤولية ً، وعملياً كان الطاقم الإعلامي على تواصل دائم، فالوزير أحمد اسكندر أحمد يتصل مباشرة بمديرية الأخبار، ويقوم بتقديم تعليماته على الهاتف، وكانت تنقل تلك التعليمات الإعلامية جيهان العلبي، (التي اغتيل زوجها الدكتور إبراهيم نعامة في تلك الأيام) وقد تولت إدارة الأخبار من الإعلامي طالب أبو عابد ، وكان الوزير يغادر المكان الذي كان يلقي فيه الرئيس الراحل حافظ الأسد خطابه فور انتهاء الخطاب مباشرة، ومن مكتبه يتصل ويعطي تعليماته ، وتقوم السيدة جهان بكتابتها على مفكرة رئيس التحرير :
أولا بعد انتهاء الخطاب على الهواء تلخيص الخطاب بتقرير لمدة ثلث ساعة، وبعدها إعادة تسجيله ، ثم عرضه بتقرير أوسع ، ثم إعادة تسجيله، وهكذا ..
كانت الإذاعة يومها في صدارة الأخبار، كانت الأخبار المصورة في التلفزيون التي توالى على إدارتها الزملاء عبد السلام حجاب ومحمد الخطيب ومحمد عادل مشخص تأخذ نسخة من نشرة الأخبار الإذاعية لتكون إمامها، وقد جاءتنا أخبار أن الرئيس كان يسمع أخبار الإذاعة وهو عائد بسيارته بعد إلقاء الخطاب، وقد نشأت حساسية أدائنا من هذه المعلومة .
تم تفجير سيارة مفخخة قرب مكتب وزير الإعلام الراحل أحمد اسكندر أحمد ، ونجا منها بأعجوبة، وكانت هذه التفجيرات تثير الفزع في نفوسنا، وتجعل مهماتنا الإعلامية صعبة، وعندما جرى تفجير مبنى رئاسة مجلس الوزراء في السبع بحرات تعرضتُ للتساؤل لأني كنت رئيساً للتحرير في فترة انتقالية بين النشرة الرئيسة في الثانية والربع بعد الظهر، وموجز الثالثة والربع حيث تصل رئيسة التحرير التالية السيدة فيكتوريا خوري.
فقد ورد خبر تفجير مجلس الوزراء على أنه حريق حصل نتيجة تماس كهربائي ، فنشرته كما ورد من وكالة الأنباء، وبعد نحو ساعة تم تصحيح الخبر على أن الحريق وقع نتيجة تفجير سيارة مفخخة، فتناقل الإعلام الآخر خبراً مفاده أن الإعلام السوري وقع في تناقض، ولذلك وجدت من جديد الوزير وهو يتصل ويسألني ما الذي حصل ، فأجبته أن مصدر الخبرين (وكالة سانا) وهذا ماحصل، ولا أعلم إذا كان ذلك هو السبب بعدم تكليفي برئاسة تحرير النشرة بعدها.
توقفت عن عملي في الأخبار في 5 نيسان 1982، وكانت مديرية أخبار الإذاعة تعج بالصحفيين المميزين وكان الإعلامي الصديق يوسف مقدسي مديرا للأخبار، الذي يأتي في السادسة صباحاً ليواكب العمل، فننجز الأخبار الأولى ونتناول إفطاراً دسماً يعده زميلنا أبو عماد المظلوم .
أذكر من زملاء تلك الأيام المدير العام فؤاد بلاط ، وفي التحرير أسد الجرمقاني، ومصطفى عبيد ومحمود عبد الكريم ويونس أيوب وأحمد غصن وعلي عبد الكريم (سفير سورية الآن في بيروت)، وأذكر مدير الإذاعة خضر عمران، كما أذكر محمد جومر وسعيد العبد الله في البرامج المنوعة، ومن المذيعين مهران يوسف ورجا فرزلي وعواطف الحفار إسماعيل وفردوس حيدر وعبد القادر اليوسفي وطالب يعقوب ونجاة الجم ودعد الدجاني وعلاء الدين الأيوبي ومحمد العبد الله وعادل عبد الوهاب..
وكان آخر عمل قمت به في تلك الأيام هو مشاركة يوسف مقدسي في كتابة (SLOGANS) ، وهي عبارات حماسية تبث في إذاعة دمشق بمناسبة يوم الأرض في الثلاثين من آذار عام 1982، وكان المذيع القدير طالب يعقوب يقوم بقراءتها على الهواء مباشرة .
(يتبع.. )
بوابة الشرق الأوسط الجديدة