مذكرة سرية تكشف العجز الدولي عن تطبيق اي اتفاق سلام لسوريا
في خضم المخاض الذي يعانيه انطلاق المحادثات السورية-السورية في جنيف والتي يفترض أن تضع على السكة القرار الدولي الرقم 2254 لتحقيق عملية الانتقال السياسي في سوريا، كشفت مجلة “الفورين بوليسي” مذكرة سرية تقر فيها الامم المتحدة بأنها عاجزة عن تطبيق اتفاق سلام محتمل في سوريا، وتلقي الضوء على القيود التي تعترض مهمة مفترضة كهذه.
ففي ما سمي “مسودة ورقة مفهوم آليات وقف النار”، يحذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة الى سوريا ستيفان دوميستورا من أن المنظمة الدولية قد لا تكون قادرة على تنفيذ أو مراقبة اي اتفاق سلام يمكن أن ينبثق من المحادثات السياسية التاريخية في جنيف. وتثير الورقة مخاوف من أن تكون توقعات العالم غير واقعية في شأن قدرة الامم المتحدة على الاشراف والتحقق من وقف للنار في حرب أهلية تشارك فيها مجموعة هائلة من المجموعات المسلحة.
وجاء في المسودة التي وضعها فريق دوميستورا أن “السياق السياسي الوطني والدولي والمناخ العملاني الراهن يفترض بقوة أن مهمة دولية لحفظ السلام تعتمد على قوات دولية أو مراقبين عسكريين لن تكون آلية مناسبة لمراقبة وقف للنار”. وهذا يعني أن سوريا ستكون لبعض الوقت خطيرة جدا بالنسبة الى قوات حفظ سلام دولية تقليدية.وتقول المجلة أن ثمة اشارات قليلة الى أن القوى العالمية الرئيسية مستعدة أو غير منحازة بما يكفي للتدخل والقيام بالمهمة على نحو فاعل.اضافة الى خطر الجماعات المسلحة المتشددة التي ستستثنى من المحادثات السياسية والتي ستحاول عرقلة العملية السياسية بالقوة.
على المدى القصير، يعتقد دوميستورا أن على الجيش السوري والمعارضة المسلحة مراقبة أي وقف للنار .وإذا تحسن الوضع الامني، يمكن مكتب المبعوث الدولي توسيع دوره في سوريا وتوفير تدريب وموارد للسكان والعمل كوسيط بين المتقاتلين الرئسيين في سوريا واللاعبين الدوليين.لكن الاعباء الكبيرة يجب أن يتحملها المقاتلون وداعميهم الاجانب المعروفين باسم “المجموعة الدولية لدعم لسوريا ” والتي تعد 17 دولة.
وتقول الوثيقة:”يجب أن يكون هناك تحول في عمل المجموعة الدولية لدعم سوريا من الراعي (للعملية السياسية) الى الضامن للاتفاقات…المجموعة الدولية ستحتاج الى تنسيق جهود الدول الاعضاء فيها وتوفير الارتباط العملاني مع الحكومة والمعارضة المسلحة من أجل دفع وقف النار ودعمه وتحقيق الاتفاقات المحلية وصيانتها”.
الواضح أن دوميستورا ليس واهماً بأن اي اتفاق ينبثق من محادثات جنيف سيؤدي الى سلام فوري في سوريا. وتوضح الوثيقة أن على جميع الافرقاء التفاوض بجهد على سلسلة من اتفاقات وقف النار، بلدة بعد بلدة، لتخفيف معاناة السوريين المحاصرين.وهذا بدوره قد يؤدي الى وقف للنار شامل وفي نهاية المطاف الى تحقيق السلام.
كذلك، تسعى المسودة الى خفض التوقعات في شأن ما يمكن الامم المتحدة أو مراقبين دوليين آخرين أن ينجزوا في سوريا، إذ انها لن تعمل مثلا على توثيق الانتهاكات لحقوق الانسان واعداد دعاوى قانونية لملاحقة مجرمي الحرب أو مراقبة وضع المعتقلين أو اطلاقهم. وتلفت الى أن اتفاق وقف النار الذي أمكن التوصل اليه في الزبداني في كانون الاول الماضي يمكن أن يكون نموذجا للمضي قدما، موضحة أنه “في ما يتعلق بمراقبة مبادرات وقف النار، من المتوقع ان يقوم بذلك في البداية شركاء محليون،بناء على نماذج سبق اعتمادها (كما هو الحال في الزبداني)”.
وتضيف المسودة أن زيادة الجهود من المجموعة الدولية لدعم لسوريا ومكتب دوميستورا ستكون ضرورية لتعزيز المراقبة، الا أنها تحذر من أنه “ستكون هناك مقايضة مباشرة بين رغبة في المستوى الاعلى للصدقية لعملية وقف النار…والتسامح بسبب الخطر الجسدي”. وسبق لاستراتيجية الامم المتحدة أن واجهت انتقادا حادا من محللين ومعارضين يعتقدون أن الاتفاقات السابقة لوقف النار شكلت بمثابة مكافأة لسياسة النظام لتجويع المدنيين في بلدات تخضع لسيطرة المعارضة.
المحلل في مجموعة الازمات الدولية نواه بونسيه قال:“من المريب اعتبار اي من اتفاقات وقف النار المعقودة حتى الان على أنها نموذج…انها تكافئ العقاب الجماعي وقصف المدنيين وتجويعهم حتى اخضاعهم… حتى وقف النار في الزبداني هو مريب” ما دام يظهر كيف يستغل كل جانب العقاب الجماعي لارغام الاخر على الاستسلام”.
وتورد مسودة دوميستورا ثلاثة خيارات لمراقبة وقف النار،وهي نشر مهمة مراقبة دولية مستقلة تماما، أو الاعتماد على مراقبين محليين مع دعم تقني من المجتمع الدولي أو نشر فريق تقليدي مع مراقبين محليين ودوليين. ومن شأن “هذا الخيار الاخير أن يوفر المستوى الاعلى من الصدقية”، الا أنه “ينطوي على اخطار جسدية عالية” ويفترض الحصول على ضمانات أمنية من المجموعات المسلحة وداعميهم الدوليين لحماية العملية من اي تخريب. ونظرا الى المخاوف الامنية لدوميستورا، من المستبعد أن يعتمد هذه المقاربة.
وتنقل “الفورين بوليسي” عن دوميستورا قوله أمام مجلس الامن في جلسة مغلقة في وقت سابق هذا الشهر أن سوريا “تبقى مجزأة ومتقلبة ومنطقة عسكرية” في المستقبل المنظور “وفي وضع كهذا، سيكون خطرا جدا نشر مراقبين دوليين في مهمات مراقبة على الارض”. وأضاف:”مع الوقت يتعين على المجتمع الدولي العمل لتعميق دوره في دعم جهود السلام على الارض…هذا يعني أن علينا ان نفهم ونقبل الاخطار الكامنة.نحن على أهبة الاستعداد لتطوير مقاربة واقعية”.
صحيفة النهار اللبنانية