هل أرسلت تركيا طائراتها التجسّسيّة إلى اليمن لمُساعدة السعوديين وهل يتخلّى أردوغان عن إشارة “رابعة” لتطبيع عُلاقاته مع مِصر والإمارات؟
لا يزال مشهد عودة العلاقات السعوديّة- التركيّة، غير واضح المعالم، على الأقل حتى الآن، لم يخرج موقف واضح عن المملكة بخُصوص تطبيع علاقاتها كما قبل جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، لكن أنقرة تبدو جادّةً في ذلك الأمر، وحتى تُريد كسب ود الإمارات، فأحزاب المُعارضة التركيّة لا تكف عن الحديث اليوم، بأن الرئيس رجب طيب أردوغان، سيتخلّى بالنهاية عن شارة “رابعة” إرضاءً لكُل أعداء جماعة الإخوان المُسلمين، ومنهم مصر، والإمارات.
مُؤشّر بارز، قد يُوحي بأن حملة المُقاطعة للبضائع التركيّة في السعوديّة، والتي نجحت بوقف الواردات التركيّة إلى المملكة تماماً، بأنها قد لا تجد مكانها على المنصّات، فحركة “أنصار الله” الحوثيّة باليمن، قد تكون أعلنت ثمن التقارب التركي- السعودي، بإعلانها إسقاط طائرة تركيّة الصنع “تجسّسيّة” في الأجواء اليمنيّة، وهو الإعلان الذي جاء على لسان العميد يحيى سريع، المُتحدّث باسم الحوثيين في “تويتر”، وهذه الطائرة التركيّة تُمثّل دعماً للسعوديين في حرب اليمن، إلى جانب ما يتردّد عن إرسال تركيا مُقاتلين سوريين مُرتزقة، للقتال ضد الحوثيين، وتحديدًا في مأرب.
يحدث بالتزامن، أن يُعلن وزير الخارجيّة التركي مولود جاويش أوغلو، بدء الاتصالات الدبلوماسيّة مع مصر، وذلك من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، واللافت في تصريحات أوغلو، قوله بأنه لا يوجد شُروط مُسبقة من أجل ذلك من قبل البلدين، قطر أيضاً ذهبت بعد المُصالحة الخليجيّة في قمّة العُلا، إلى تحسين علاقاتها مع القاهرة، لكن تطبيع العلاقات المصريّة- التركيّة يظل محفوفاً بالعقبات، فالوزير أوغلو قال أيضاً بأنه ليس من السهل التحرّك وكأن شيئاً لم يكن بين ليلة وضُحاها، كما أشار إلى وجود نقص في الثقة، بطبيعة الحال قد يكون دعم أنقرة لحركة الإخوان المُسلمين، والكف عنه، أكبر العقبات التي قد تدفع بمصر إلى الانفتاح على تركيا، من عدمه، فتنظيم الإخوان بالمنظور المصري الرسمي، إرهابي، ويجري ترسيخ هذا حتى في الدراما المحليّة.
وزير الخارجيّة أوغلو، أيضاً يُحاول رفع منسوب الإيجابيّة مع السعوديّة، والإمارات، حين صرّح بأنّ بلاده لا ترى أي سبب يمنع تحسين العلاقات مع السعوديّة، كما أن بلاده تشهد رسائل إيجابيّة من جانب أبو ظبي، التي أكّد أوغلو أن تطبيع العلاقات معها مُمكن.
يبدو أنّ الانفتاح السعودي، والإماراتي، يحتاج إلى التجاوب من قبل البلدين، فالوزير التركي طالبهم بخطوات إيجابيّة، ليجري مُقابلتهم بالمِثل.
لعلّ تركيا تُعوّل أيضاً على موقفها اللافت من التقرير الأمريكي الذي كشف عن مُوافقة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والذي رفضت استخدامه في مُحاكمة قتلته، وملف القضيّة، بل إن رئيس المحكمة التركيّة رفض طلب خطيبة الصحافي المغدور خديجة جنكيز بضم التقرير إلى القضيّة بقوله إنّه لن يُفيد المحكمة بشيء، وبالتالي فإن تركيا تنأى بنفسها عن توجيه الاتهام المُباشر للأمير بن سلمان، وترغب في المُقابل بتقدير الرياض ذلك الموقف.
الرياض من جهتها، وبالرّغم من الإيجابيّة التي تُبديها أنقرة تُجاهها، أعادت حاويات تحمل بضائع تركيّة إلى أنقرة، بعد انتظارها 3 أشهر بالميناء السعودي، ورفضت السماح بالدخول إلى أراضيها، ووفق تصريحات لرجال أعمال أتراك، فقد أعادت السعوديّة 120 حاوية تركيّة، لكن في المُقابل صادرات المملكة إلى تركيا لا تزال مُستمرّة، وبواقع ارتفاع 3 بالمئة خلال الأربعة أشهر الأخيرة، وهو ما يعني فرض الرياض مُقاطعة أحاديّة الجانب على أنقرة.
بكُل الأحوال لا يُمكن الجزم تماماً، بتحسّن العلاقات التركيّة على الجبهات المِصريّة، السعوديّة، والإماراتيّة، فلكل منها شروطها، لكن لا بُد من النظر إلى العلاقات السعوديّة- المصريّة بالأثناء، والتي قد تكون دخلت بمرحلة خلاف صامت، بعد تصريحات للسفير السعودي السابق أحمد قطان، كان قد اتّهم فيه الجيش المصري بتزوير الانتخابات لصالح فوز مرسي، وأن الفائز الحقيقي هو أحمد شفيق في حينها، وهو اتّهام أغضب المُؤسّسة العسكريّة المصريّة، وتصريح لافت في التوقيت، ويطرح تساؤلات حول أسبابه.
من غير المعلوم إذا كان تطوّر العلاقات المصريّة- القطريّة، سيكون بوّابة تغيير البوّابة التي تعبر منها القاهرة للخليج، لتحل الدوحة مكان الرياض، فصحيفة “الأهرام” الحكوميّة تحدّثت مُنذ أربعة أيّام عن وصول وفد قطري للقاهرة، بهدف “تسريع استئناف العلاقات”، بل إنّ قناة “الجزيرة” باتت أكثر لطفاً حين تناولها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأخباره، فهو كان نظاماً انقلابيّاً على حد توصيفات القناة القطريّة.
وتبدو العلاقات المصريّة- القطريّة من وجهة نظر البعض مُؤهّلة للتطوّر سريعاً، أكثر منها مع تركيا، فالأخيرة لم يصلها موقف مصري واضح “إيجابي” من تطبيع العلاقات كما كانت مُنذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، واعتبار أنقرة إطاحته “انقلاباً”، في حين لا يزال يطلب وزير الخارجيّة التركي “خطوات إيجابيّة” من السعوديّة والإمارات لتطبيع العلاقات، لكن قد يكون توقيت تلك الدول، لا يتناسب مع رغبة أنقرة الحاليّة إلى سياسة “صفر مشاكل”، بعد تدخّلاتها في المنطقة، وسورية تحديدًا التي تسعى الرياض وأبو ظبي إلى تسوية أزمتها بالتعاون مع الروس، وإعادتها بالتالي للحضن العربي، وبما يخدم مصالح الدول المذكورة.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية