هل اخترقت أربع طائِرات حربيّة بحرينيّة الأجواء القطريّة فِعلًا؟ وما هي الرّسالة إذا صحّت؟ ولماذا اشتكت الدوحة لمجلس الأمن؟ وهل انقشعت سُحب التّفاؤل بشأن المُصالحة مُؤخّرًا؟ وماذا تقول “الجزيرة” وأخَواتها؟

 

من يُتابع وسائل الإعلام القطريّة في اليومين الماضيين، وقناة “الجزيرة” على وجه الخُصوص، يَجِد اهتمامًا غير عادي بالشّكوى التي قدّمتها دولة قطر، عبر مندوبتها في الأمم المتحدة الشيخة علياء أحمد بن سيف آل ثاني إلى مجلس الأمن، اتّهمت فيها الحُكومة القطريّة أربع طائرات حربيّة بحرينيّة باختِراق الأجواء فوق المِياه الإقليميّة القطريّة في التّاسع من الشّهر الحالي.

اختراق الأجواء، أو المِياه الإقليميّة في منطقة الخليج، من الأمور الروتينيّة العاديّة، بسبب القُرب الجُغرافي، وتداخل الحُدود البحريّة والبريّة والجويّة، فجُزر حوار التي حكمت محكمة العدل الدوليّة للبحرين بحُقوق ملكيّتها لا تَبعُد عن اليابسة القطريّة إلا بضعة كيلومترات، ولهذا فإنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو عن أسباب اختراق هذه الطّائرات الأربع للأجواء القطريّة أوّلًا، ولماذا تقدّمت قطر بهذه الشّكوى التي ربّما هي الأولى من نوعها، إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها الدولي ثانيًا احتجاجًا على هذا الاختِراق “الخطير” لسِيادتها وسَلامتها الأمنيّة.

توقيت هذا التّصعيد، وما يعكسه من توتّر ليس بريئًا، وينطوي على أهميّةٍ كبيرةٍ أخطر من قِياس حجم ردّ الفِعل القطري إعلاميًّا وسِياسيًّا، ممّا يُوحي بأنّ “وراء الأكمّة ما وراءها”، خاصّةً أنّ التوتّر يأتي قبل أقل من أسبوعين من انعِقاد قمّة لقادة مجلس التّعاون الخليجي في المملكة العربيّة السعوديّة، من المُفترض أن يُشارك فيها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر، ويتم خِلالها توقيع وثيقة مُصالحة تُنهِي الخِلاف بين قطر والدول الخليجيّة الثّلاث المُقاطِعة لها.

البحرين لا يُمكن أن تُقدم على خطوةٍ تصعيديّةٍ ضدّ جارتها القطريّة بِما في ذلك إرسال طائراتها الحربيّة، دُون التّشاور والتّنسيق مع السعوديّة “الشّقيقة الكُبرى” التي يتواجد لها أكثر من ألفيّ جُندي إلى جانب قوّات إماراتيّة أُخرى بعَددٍ أقلّ بعض الشّيء (حواليّ ألف جندي) على الأراضي البحرينيّة.

سُؤالٌ آخَر لا نستطيع تجنّب طرحه، وهو عمّا إذا كان هذا الاختِراق رسالة تحذير أو تهديد لدولة قطر، من الثّالوث السّعودي الإماراتي البحريني، لأنّ الأولى، أيّ دولة قطر، لم تلتزم بشُروط المُصالحة أو بعضها، ممّا أدّى إلى تبديد سُحُب التّفاؤل التي سادت الأجواء السياسيّة في الأسبوعين الماضيين، بعد زيارة جاريد كوشنر صِهر الرئيس الأمريكي ومُستشاره الأوّل لكُل من الرياض والدوحة، وقيل إنّ الهدف الأبرز لها، تحقيق المُصالحة الخليجيّة قبل “انتِهاء” الفترة الرئاسيّة للرئيس الأمريكي في العِشرين من شهر كانون أوّل (يناير) المُقبل، الأمر الذي دفع الكويت الدولة التي تقوم بالوِساطة إلى نقلِ مقرّ انعِقاد القمّة الخليجيّة من المنامة إلى الرياض.

قبل أسبوعين اتّهمت الدوحة زورقين عسكريين تابعين لخفر السّواحل البحريني باختِراق مياهها الإقليميّة، وردّت البحرين بأنّ جارتها، أيّ قطر، تحتجز 47 قارب صيد تابعة لمُواطنيها بحُجّة اختِراقها للمياه البحريّة القطريّة، ولكنّ احتِجاز قوارب صيد شيء، وإرسال أربع طائرات حربيّة شيءٌ آخَر إذا صحّت الرواية القطريّة في هذا المِضمار.

هُناك “أمرٌ ما” مُحيّر، وقد يَستَعصِي على الفهم، أو فهمنا على الأقل، تُجاه هذه الأزمة التي تَطُل برأسها ووصلت إلى الأمم المتحدة، فمِن مُتابعة الإعلام القطري، وبعض أذرعه، يُمكن رصد تجدّد التّصعيد الإعلامي وبطريقةٍ لا تَقِل شراسةً للانتِقادات ضدّ الدول الخليجيّة الثّلاث المُقاطِعة لدولة قطر، ودولة الإمارات رأس الحِربَة تحديدًا، كما لُوحِظ أيضًا عودة الانتِقادات، والهجَمات بشَكلٍ أصح للمملكة العربيّة السعوديّة بعد فترة هُدوء لم تُعمّر طويلًا، وإنّ كُنّا نعترف بأنّ لهجة الانتِقادات للسعوديّة أخفّ كثيرًا من نظيراتها، قبل الكشف عن جُهود المُصالحة.

لا نُريد أن نُبالغ كثيرًا، ونقول إنّ هذه الشّكوى القطريّة ربّما تَعكِس قلقًا، أو مخاوف، من تدخّلٍ عسكريٍّ بضُوء أخضر أمريكي، بسبب عُلاقات قطر القويّة مع إيران وتركيا، أو لرفضها شُروط المُصالحة الأمريكيّة التي تُريد التّمهيد لناتو عربي في حال شنّ أيّ هُجوم أمريكي ضدّ إيران، مع تسليمنا المُسبَق بأنّ قطر التي تُوجَد فيها أكبر قاعدة أمريكيّة في الشّرق الأوسط، “العديد” الجويّة وتَضُم 13 ألف جُندي أمريكي، وعشَرات الطّائرات، لا تستطيع رفض أيّ من الشّروط الأمريكيّة، واعترف الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السّابق أنّ بلاده لا تَعرِف ماذا يجري داخِل هذه القاعدة، ولا تملك القوّة، للاعتِراض على أيّ استِخدام أمريكي لها، وجاء هذا الاعتِراف الصّريح في مُقابلة مع قناة “الجزيرة” قبل انسِحابه من الحُكم.

أيًّا كانت الأسباب التي دفعت مملكة البحرين لإرسال هذه الطّائرات، واختِراق الأجواء القطريّة، أو كيف ستتطوّر حالة التوتّر هذه، والرّسائل الخفيّة من جرّائها، فما يُمكن قوله إنّ المُصالحة الخليجيّة تُواجِه أزمة، وقد تعود الخِلافات إلى المُربّع الأوّل، وما يَخشاه الكثيرون أنّ تتطوّر إلى ما هُو أسوَأ، ونكتفي بهذا القدر في الوقتِ الرّاهن، ونأمل أن يكون تشاؤمنا في غير محلّه.. واللُه أعلم.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى