أسطورة المد الإسلامي: هل يشكل المهاجرون تهديدا للغرب؟ (دوج ساندرز)
دوج ساندرز*
عرض: د. مروة نظير**
Doug Saunders,The Myth of the Muslim Tide:Do Immigrants Threaten the West? (New York: Vintage, 2012)
يرى البعض أن الاهتمام الغربي بمسألة الوجود الإسلامي في الغرب قد بدأ يفرض نفسه عقب انتهاء الحرب الباردة، وسقوط العدو الشيوعي، ومن ثم سعى الغرب لإيجاد "آخر" للالتفاف في مواجهته ومجابهته. وبغض النظر عن وجاهة هذه التفسيرات، فإن الواقع يشير إلى أن القلق من وجود المسلمين في الغرب يشكل الأساس النظري لعدة حركات سياسية، بل وكان سببا لوقوع عدد من الأعمال الإرهابية. كما أن الحديث حول المهاجرين المسلمين في الغرب أصبح موضوعا انتخابيا مهما في دولا عدة كالولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وفرنسا، وهولندا، وغيرها، وهو ما دفع البعض للحديث عن "أسطورة المد الإسلامي إلى الغرب". في معرض مناقشة هذه الأسطورة، يأتي هذا الكتاب الذي يمثل إسهاما ثمينا في الجدل الدائر حول هجرة المسلمين إلى المجتمعات الغربية، وحدود اندماجهم فيها.
ماهية أسطورة المد الإسلامي
يستعرض الكتاب التحذيرات التي تهيمن على العالم الغربي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، والتي تحذر من "استحواذ المسلمين على الغرب"، انطلاقا من أن المهاجرين المسلمين يختلفون عن المواطنين الغربيين. كما أن الزيادة المطردة في أعداد المهاجرين المسلمين ستجعلهم يشكلون الأغلبية في بعض البلدان الغربية، وهو ما يعد مشكلة، لأن ولاءهم الأساسي للإسلام، وليس للدول التي يعيشون فيها، فضلا عن صعوبة اندماج المسلمين في المجتمعات الغربية بسبب رؤاهم المختلفة للدين والسياسة، إلى جانب ميلهم للعنف، وعدم وجود خط فاصل بين ما يؤمن به المسلم المعتدل والإسلامي المتشدد.
يشير المؤلف إلى أن هذه الأفكار راجت بين عدد من المفكرين اليمينيين مثل باميلا جيلر، ومارك سين، وبروس بور وغيرهم، وهي الأفكار ذاتها التي روج لها نيويت جنجريش في 2010، عندما حذر من سعى "الجهاديين عبر وسائل ثقافية، ودينية، واجتماعية، وحضارية، وسياسية، إلى استبدال الشريعة المتشددة بالحضارة الغربية". وتشكل تلك الأفكار أيضا الأساس النظري للبيان الذي أرسله النرويجي اليميني المتطرف أندراس بريفيك، قبل أن يطلق النار على عدد من الأعضاء الشباب في حزب العمال النرويجي بالقرب من أوسلو.
إلا أن الكاتب يشير صراحة إلى عدم اتفاقه مع هذه الأفكار، موضحا أنها إما خاطئة تماما، أو يمكن اعتبارها – على أحسن تقدير – نصف حقائق، مؤكدا أن دعاة هذه الأفكار لا يبذلون مجهودا يذكر للتثبت من صحتها. وهو ما يسعى الكاتب إلى فعله، من خلال كتابه الذي يؤكد أنه لا يهدف إلى مناقشة "الإسلام"، وإنما يركز بالأحري على السلوك السياسي والاجتماعي للمهاجرين المسلمين في الغرب. إذ ينطلق من افتراض أن الحقائق المرتبطة بالمهاجرين المسلمين لا توجد في القرآن الكريم، وإنما توجد في سلوكيات هؤلاء المهاجرين على أرض الواقع. ومن ثم، فهناك مجموعة من الأسئلة التي لابد من الإجابة عليها، مثل: إلى أي مدي يعد هؤلاء المهاجرون من الملتزمين دينيا؟ ما الدور الذي يعتقدون أن الدين يجب أن يلعبه في السياسة؟ إلى أي مدي تترسخ معتقدات المهاجرين الآباء في أطفالهم وأحفادهم؟ إلى أين يتجه ولاء هذه الجاليات؟ وما مصادر تكوين هوياتهم الذاتية؟
المسلمون لا يهددون جنة الديمقراطية الغربية
في هذا العمل الملئ بالتفاصيل، يحاول الكاتب دحض المخاوف المرتبطة بالمهاجرين المسلمين للغرب، مستخدما الحقائق والإحصاءات لتأكيد وجهة نظره. ففيما يتعلق مثلا بالتخوفات من تزيد أعداد المسلمين في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، يستعرض ساندرز بعض التقديرات التي تشير إلى أن نسبة المسلمين لن تتعدي 10% من إجمالي السكان بحلول عام .2050 كما يلفت الانتباه إلى أن معدلات المواليد بين المهاجرين المسلمين عالية. فعندما يصل الجيل الثاني إلى سن الرشد، تنخفض نسبة الخصوبة إلى نحو 2.1 لكل أنثي. أما فيما يتعلق بزيادة معدلات الهجرة بين المسلمين إلى الغرب، فيؤكد الكاتب أن ذلك يعتمد على مدي النجاح أو الفشل الذي تحققه البلدان الغربية، حيث يميل المهاجرون إلى البحث عن الفرص.
وفيما يخص ترتيب أولويات الانتماء لدي مسلمي الغرب، يؤكد ساندرز أن غالبية المسلمين يضعون انتماءهم لدولهم قبل انتمائهم الديني، وهو لا يختلفون في ذلك عن غيرهم من الطوائف. كما يشير إلى أن الحالات التي يواجه فيها بعض المسلمين صعوبة في الاندماج في المجتمعات الغربية، لم يكن السبب وراء ذلك كونهم مسلمين، وإنما نتيجة لبعض المشكلات التي تسبب انعزال بعض فئات المجتمع. ويؤكد الكاتب كذلك أن المسلمين لم يبدوا أي رغبة في تكوين مجتمع مواز ثقافيا أو اقتصاديا للمجتمعات التي يعيشون بها، وإن كانت هناك بعض الظروف التي قد تؤدي إلى تكوين هذه المجتمعات الموازية.
وأخيرا، يحاول الكتاب الإجابة على سؤال: هل يعد الإرهاب امتدادا طبيعيا للإسلام؟، ويجيب عليه بالنفي، مستخدما بعض الإحصاءات التي تشير إلى أن غالبية الأشخاص المدانين بأعمال إرهابية في كل من بريطانيا وكندا كانوا أبعد ما يكون عن المتشددين الإسلاميين. في الإطار ذاته، يؤكد ساندرز أن أبناء المهاجرين الذين يتجهون إلى الجهاد العنيف ينطلقون من وجهة نظر مماثلة لتلك المحذرة من المد الإسلامي، فكلتاهما تري أن هناك حضارتين متناقضتين، تسعى إحداهما للسيطرة على الأخري والاعتداء عليها. يستتبع ذلك ضرورة العمل على حماية التقاليد والقيم من الآخر، وتلك رؤية خاطئة وخطيرة من الجانبين تجب محاربتها.
أساطير تاريخية سابقة
يماثل الكتاب بين تلك المخاوف والادعاءات التي وجهت قبل قرن من الزمان إلى القادمين الجدد من أهل البلقان، واليهود، والأيرلنديين إلى الدول الغربية. ففي مطلع القرن العشرين، اجتاحت العالم الغربي رؤي معادية للكاثوليكية واليهودية، مع زيادة هجرة تلك الجاليات للغرب. فلا أحد يتذكر اليوم كتاب بول بلانشارد الصادر في 1949 بعنوان "الحرية الأمريكية والنفوذ الكاثوليكي"، والذي لاقي رواجا شعبيا هائلا آنذاك. حيث حذر فيه الكاتب من الكاثوليك باستخدام مفردات مثل تلك التي تستخدم اليوم للتحذير من المهاجرين المسلمين. فنجد في الكتاب مصطلحات من قبيل "الزيادة المطردة في أعداد المهاجرين الكاثوليك، والسعى الكاثوليكي للسيطرة على مؤسسة الرئاسة الأمريكية، و"الخطة الكاثوليكية لأمريكا" .. وغيرها.
ويختتم ساندرز كتابه بتقديم النقد لأولئك الذين سمحوا للخوف والغضب بالسيطرة على العقل والمنطق، مؤكدا أن التهديد الأكبر للغرب لا يأتي من هؤلاء المهاجرين، ولكن من ردود فعل المجتمعات الغربية إزاءهم. ويدفع بأن الأولوية التي يجب أن يركز عليها الغرب تتمثل في خلق المزيد من الفرص الاقتصادية والسياسية للقادمين الجدد من المسلمين. وهي مسئولية تتقاسمها حكومات الدول الغربية والمهاجرون على نحو متساو. كما أن أخطار التطرف الديني تمثل تحديا للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء.