اردوغان يشن هجوما كاسحا على ماكرون في تصعيد للحرب الكلامية بينهما.. لماذا هذا التصعيد؟ وهل يأتي كضربة استباقية لإجهاض العقوبات الأوروبية
صب الرئيس رجب طيب اردوغان المزيد من الزيت على “حرب الملاسنة” المشتعلة حاليا بينه وبين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عندما قال في لقاء مع الصحافيين بعد أدائه لصلاة الجمعة في مسجد أيا صوفيا في إسطنبول “آمل ان تتخلص فرنسا من رئيسها ماكرون في اسرع وقت ممكن، والا فان السترات الصفراء ستتحول الى حمراء”.
هذه الغضبة الاردوغانية ضد الرئيس الفرنسي مفهومة، فالزعيمان يخوضان معركة “كسر عظم” بسبب تفاقم الخلافات بينهما في العديد من الملفات الساخنة مثل ليبيا وسورية وشرق المتوسط، وأخيرا حول الحرب الاذربيجانية الأرمنية التي حُسمت لصالح الهام علييف رئيس أذربيجان بدعم من القوات التركية.
الرئيس ماكرون سارع بدوره بالرد على هذا الهجوم وطالب نظيره التركي بالالتزام بالاحترام، واتهمه بالتوقف عن الحد من الحريات العامة المتاحة للشعب للتركي.
هذه الملاسنة، وعلى هذا المستوى من الهجوم الشخصي المتبادل، تأتي في ظرف حرج بالنسبة الى الرئيسين، والزعيم التركي اردوغان بدرجة اكبر، لانه أي الرئيس التركي يخوض حاليا حربا على عدة جبهات داخلية وخارجية في الوقت نفسه، داخلية حيث تتوحد احزاب المعارضة ضده، وتشن عليه حملة شرسة تتهمه بالتفريط “بقيمة وطنية لا يمكن خصخصتها” بالسماح ببيع 10 بالمئة من اسهم البورصة التركية لدولة قطر بقيمة 200 مليون دولار، وتوحد حزب الاستقلال الذي يتزعمه احمد داوود اوغلو، رئيس الوزراء حليف اردوغان الأسبق، مع حزب الشعب الجمهوري المعارض والاكبر في البلاد، في انتقاد هذه الصفقة بشدة وتأليب الرأي العام، وجاءت هذه الهجمة في وقت يواجه فيها الاقتصاد التركي ضغوطا متعددة أدت الى تراجع قيمة الليرة التركية، وارتفاع نسبة التضخم.
اما في الخارج، فان فرنسا، والرئيس ماكرون بالذات، يتزعم حملة شرسة ضد الرئيس التركي في الاتحاد الأوروبي، ويطالب بفرض عقوبات اقتصادية أوروبية ضد تركيا بسبب تنقيبها على النفط والغاز في مناطق بحرية متنازع عليها مع اليونان وقبرص الدولتين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وارسل قوات وسفن حربية وطائرات الى اليونان مؤازرة لموقفها ضد تركيا.
لا شك ان الرئيس اردوغان، بهجومه الشرس على خصمه الرئيس ماكرون، يكسب قطاعا عريضا من الرأي العام الإسلامي والعربي، بسبب تطاول الرئيس الفرنسي على الرسول صلى الله عليه وسلم، بدعمه لإعادة نشر رسوم مسيئة ومعيبة تحت عنوان حرية التعبير، ولكن يظل تأثير هذا “المكسب” محدودا في ظل اخطار أي عقوبات أوروبية محتملة على الاقتصاد التركي، مضافا الى ذلك تصعيد الحرب في ليبيا وسورية ضد اردوغان في وقت بات جو بايدن الرئيس الأمريكي الجديد، الذي لا يكن أي ود للرئيس التركي، ويدعم الاكراد، على بعد خمسين يوما من دخول البيت الأبيض خلفا للرئيس ترامب الذي يوصف بأنه حليف قوي للرئيس اردوغان.
الرئيس اردوغان قد يواجه ظروفا صعبة في الأسابيع والاشهر المقبلة، قد تبدأ ارهاصاتها السيئة على اكثر من جبهة، وليبيا وأرمينيا وشرق المتوسط تحديدا، حيث يشمر الرئيس لفرنسي اكمامه، ويحاول تعبئة معظم القادة الاوروبيين خلف حملته لفرض عقوبات على تركيا، وابرزها وقف الاستثمار والواردات التركية التي تصل قيمتها 100 مليار يورو سنويا.
أصدقاء الرئيس اردوغان في منطقة الشرق الأوسط من الحكومات، وهم قلة، يطالبونه بإجراء مراجعات لسياساته الإقليمية في العديد من الملفات، وبما تؤدي الى تقليص قائمة الأعداء، لمواجهة الضغوط الأوروبية، ولكنه، وحسب قول مصدر إسلامي عالي المستوى التقاه في انقرة مؤخرا يرفض التجاوب مع هذه المطالب، ويؤكد انه سيخرج منتصرا في نهاية المطاف مثلما حدث في اذربيجان.
مشكلة اردوغان، وحسب المصدر الإسلامي نفسه، يتمسك برأيه، ويرفض الاستماع الى نصائح الآخرين، وآخرها محاولة وساطة بينه وبين حلفائه السابقين، داوود اوغلو وعلي باباجان، وحزب السعادة، ولهذا تتفاقم مشكلاته الداخلية والخارجية، ويواجه انكسارات متواصلة في ليبيا وسورية، وربما قريبا في منطقة الخليج اذا نجحت الوساطة الامريكية في تحقيق المصالحة بين قطر وخصومها.. والله اعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية