«سقوط القمر» لمارسيل خليفة.. إنتاج منجمي (عناية جابر)

عناية جابر

لا يستطيع مارسيل خليفة أن يهدأ ما دام عوده بين يديه. هذا رجل يلحّن على عوده ولا يكتفي بذلك، فالسمة البارزة في الـ«سي دي» الجديد له، هي التوزيع الموسيقي الأوركسترالي الذي جدد في حضور القطع الغنائية والمقطوعات الموسيقية، لكون غالبية ما هو موجود في «سقوط القمر» ليس إلا منتجا قديما دعا إلى الدهشة في لحظة إصداره، بحيث بدا المنتج القديم كيانات جديدة تتمتع بالشروط اللازمة لحياة جديدة، تمارس نشاطها في أكناف نفسها، بمميزات موسيقية، نستطيع اعتبارها مميزات وافرة، حيث هي مفقودة تماماً، إلا في تجربة خليفة.
«سرير الغريبة» على سبيل المثال تتمتع بقوة ظاهرة وبكيان له حقوقه الخاصة به، والتزاماته، وحساباته وأختامه، ما يمثل موضع دربة خليفة ومفهوم اشتغاله على الموسيقى على وجه التحديد.
هنا الأصالة التي لا علاقة لها بالفلسفة، وهنا الفلسفة المحمولة على مفاهيم النهضة. لا يطلق الرجل في جديده، المحتوي على ثماني عشرة قطعة موسيقية وأغنية، على نظريات سياسية. نظرياته موجودة في مفاهيم العامة لديه، أو في كونه الموسيقي ذات الروح الفردية المضمخة بتجارب جماعية سابقة قامت في تجربة «الميادين». هنا تُدرك علاقة الجزء بالكل والكل بالجزء، انطلاقاً من حال نهائية منظمة بعيداً عن مظاهر الفوضى الراهنة، كما في «سرير الغريبة» و«محمد» ذات النفس الاحتفالي المغلوب، حيث يتحـول الاحتفال إلى بطانة وتتحول الميلوديا إلى حالة نهائية منظمة لكون الأغنية. أما «يطير الحمام» فشيء يشبه سماء الأغنية وأرضها في آن، بحكم الوحدة وجوهـرها، لما يجـمع خلـيفة فيها أكثر من منظومة في كيان أعلى تتجسد فيه الوحدة، هـنا تـبدو «سـقوط القـمر» و«في البال أغنية» بزمنهما الماضي نشاطين مختلفين عن أنشطة زمنهما. من يصدّق أن للأغنية لحما وأنسجة؟ من يصدق أن للقطع الموسيقية مصالح فنية تقوم على أسس مهنية؟ هذا تجسيد آخر لشغل خليفة الذي يحترم سلطة القديم على الجديد من دون أن يترك هذه السلطة تسيطر تماماً على عملـيات «الهرمنة» من (هارمونيا)، وهي هنا ليست جملة موازية، بل جملة أخرى على الجملة الأساسية. هذا جزء من التقدم الاجتماعي لموسيقى وأغنية خليفة السياسي. إنها سياسة القرض بالحقوق المهمة التي لا تلبث ان تتحول إلى ضمانات موسيقية. هل نستطيع ان نقول إننا أمام إنتاج منجمي من دون مبالغة؟ نعم بما أن التجربة لا تزال تُنتج بلا تنـازلات وبسيادة النـظافة على فـضائها، ما ملّكها مكانة سياسية واجتماعية مدنية.
الـ«سي. دي» الجديد مقسّم إلى جزأين اثنين تتوزعهما الموسيقى الصافية في أولهما، وفي الثاني هناك الأغنيات المعادة والجديدة. «سرير الغريبة» لعبها خليفة موسيقى وأضاف من روحه إلى القصيدة الدرويشية التي نعرف، كذلك «محمد» (محمد الدرة). لاعب النرد (جهاركاه) موسيقى قامت على احتمالات اللعب، ما يوازي الشراكة الأساسية بين الشعر والموسيقى. كذلك أحببنا «غيتاران» و«فالس لشتاء ريتا». نحن نحب الحياة (كما تقول القصيدة) إذا ما استطعنا إليها سبيلا!! كما أحببنا «سقوط القمر» الذي مكننا خليفة من حبه، لما مهد إليه سبيلاً موسيقيا حساسا وراقيا، وأغنيات ما زالت بطعم الحب.. الذي كان.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى