أحمد رشاد حسنين يبحر في عوالم قاسم مسعد عليوه السردية
القصص عند قاسم مسعد عليوة تنتهي إلى عالم البحر، حيث مدينة بورسعيد، بما لها من تاريخ عريق يجعلها رمزاً لتجسيد الإنسان المصري في النضال والوطنية، والبحر يشكل الركيزة الأساسية التي يستند إليها إبداعه، مثل طائر النورس حين ينقض على صفحة المياه صوب هدف لا يخطئه، ويبدو غير مرئي بالنسبة للمشاهد العادي، يلتقط برؤية ثاقبة جزئيات الواقع التي تبدو مألوفة ومعتادة، فيغزلها بشاعرية ويكشف فيها عن أعماق وأبعاد جديدة.
في البداية، يقدم المؤلف أحمد رشاد حسانين في كتابه “قاسم مسعد عليوة وعوالمه السردية” الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، تعريفاً بالكاتب وأعماله القصصية، قائلاً: قاسم مسعد عليوة، من مواليد مدينة بورسعيد في يونيو من عام 1945. بدأ مسيرته الأدبية بكتابة المسرحية منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، ثم كتب القصة القصيرة، ومنذ أوائل السبعينيات جعل ينشر قصصه فرادى عبر الدوريات الأدبية وبرامج الإذاعة الثقافية، ومع مطلع الثمانينيات توالت مجموعاته القصصية الكاملة، نذكر منها: الضحك 1981، تنويعات بحرة 1982.
لاشك أن بصمات البيئة وطبائعها الجغرافية والتاريخية وإفرازاتها الحضارية بصفة عامة، لها تأثيرها القوي وخطها الوفير في التأسيس الوجداني والتكوين الثقافي لأي كاتب، ومعروف عن قاسم عليوة عشقه لبورسعيد ولإقامته الدائمة بها، والتي لم تتحول عنها بالرغم من سطوع نجمه الأدبي وإمكانية أن يستقر بالعاصمة، حيث المزيد من الشهرة والفرص والأضواء، ولكن مثل ذلك لم يحدث حتى بعد أن أنهى الكاتب خدمته الوطيفية بها، ذلك لأن انتماءه وارتباطه الأساسي وإحساسه بوجوده الجوهري إنما يتحقق وسط مدينته بشراً ومكاناً.
ويشير المؤلف إلى عوالم قاسم عليوة السردية، فيذكر: صدرت المجموعة الأولى عن “مواقف أدبية” وكانت سلسلة “كتاب أدبي” غير دوري، والمجموعة هي الكتاب الأول في السلسلة، وصدر بالتحديد في يوليو/تموز عام 1981.
في قصة “الضحك”، وهي قصة ذات مشاهد في حياة راوٍ واحد، ويلاحظ القارئ في هذه القصة ذات النقلات أنها تعتمد القطع بناء والمفارقة روحاً ودلالة، وتبدأ المفارقة مع العنوان وبعض المواقف الحادثة للراوي، مواقف قد يكون ظاهرها مثيراً للضحك ولكنها مفعمة بالمرارة والحنق المكظوم، فالشخصية في انتقالاتها بين مشاهد من حياتها اليومية، تبدو مأزومة ومحاصرة سواء في المقهى أو العمل أو الشارع أو الأتوبيس أو البيت… إلخ، وحين يقول الراوي أو جليسه إننا مع كل هذا الحصار الخانق مازال بإمكاننا أن نضحك، فهو الضحك الأشبه بالبكاء.
ويقول المؤلف: تُعتبر مجموعة “غير المألوف” الصادرة عام 1995، محاولة منه لتجديد طرائق السرد وارتياد آفاق جديدة لعوالمه السردية، بالجمع بين تقنيات كتابة تيار الوعي وسرد الواقعية السحرية، ويبرز هذا في العديد من قصص المجموعة.
في قصة “معها”، يلتقي بطلها الطالب الجامعي بزميلته خارج المدرج، يتجاذبان أطراف الحديث، يشير كل منهما إلى زميله للآخر، يتمنيان، يعبران إلى بورسعيد مستقلين معدية بورفؤاد، تمسك بيديه، يقول الراوي: “ورأيتها أمامي بأم عيني تحلق في الهواء، فحاولت مجاراتها لدهشتي، وجدتني أعلو عن الأرض وأحلق أنا الآخر، كانت قد التحقت بسرب من النوارس فلحقت بها، رفت ذراعاها ومادت، فقمت معها، سألتني وأجنحة النوارس تكاد تتلاحم من خلفها: ما رأيك؟ أتريد العودة إلى الشاطئ”.
لا تبحثوا عن عنوان.. إنها الحرب.. إنها الحرب: الرد محتجاً صارخاً، يذكر المؤلف: تربو قصص هذه المجموعة على العشرين، كتبها المؤلف في الفترة ما بين 1970- 1974، ونشر قصصها، ثم صدرت بعد ذلك بين دفتي كتاب واحد عن سلسلة “أدب الحرب”، يهدي الكاتب المجموعة إلى كل من طالته الحرب بطرف، والحرب طالت بصفة خاصة الأغلبية المغلوبة على أمرها التي تدفع دائماً ضريبة الوطن، سواء سلماً أم حرباً، وهي التي طالما خرجت من هزائم الوطن وانتكاساته بالخسران والجراح، وأما في أمجاده وانتصاراته فهي تخرج خالية الوفاض.
ويذكر المؤلف: “حكايات عن البحر والولد الفقير”، هي آخر مجموعة صدرت لكاتبنا قاسم مسعد، وتتألف هذه المجموعة من سبع حكايات، وهي وفق ترتيبها: مركب بساجيريه، صديق العمر، حكايات عن البحر والولد الفقير، خبطة رأس، فوق اللسان الصخري، بالقرب من السقرية الساحلية، وأخيراً بط البحيرة.
أما عن “حكايات عن البحر والولد الفقير” التي ضمنتها الحكاية عنوان المجموعة، فهي تتناول مشاهد من حياة أسرة فقيرة كأغلب الأسر التي تقطن أطراف حي العرب، وأيضاً حي المناخ بأكمله، حيث تعيش تلك الأسر على الكفاف، وعلى ما تجلبه من رزق يكاد يقيم أودها تحصله يوم بيوم، ومعظمهم من الصيادين أو صغار الباعة وأرباب المهن، ومع هذا يحكي الراوي عن ذكريات المدرسة؛ مما يدل على أن هذه الأسر رغم عوزها فقد كانت حريصة على تعليم أولادها.
وتطوف حكايات الراوي وذكرياته حول تنافس أولاد الحارة على حب عفاف زميلتهم في المدرسة وللهوهم على شاطئ البحر، إلا أن الذكريات المتدفقة بالحكايات تركز على صراع تلك الأسر في الحياة ضد الحب والحرمان، ومدى معاناة أربابها في جلب الطعام لأولادهم.
في هذا الجزء من الكتاب يخصص المؤلف بعض أقوال عن قاسم عليوة منها:
“هو الذي ظل قابضاً على جمر الإبداع الملتزم الجميل طوال مسيرته الإبداعية، وظل ملتزماً بثوابت الوطن وقضاياه الكبرى، وواحد ممن أسهموا في تأسيس الحركة المناهضة للتطبيع”. (أسامة عفيفي – يناير 2014).
“قاسم مسعد عليوة رحل يوم الغطاس، جدير بذكراك أن تغسل في كل عام بماء المطر أيها المناضل الشريف”. (د. أحمد مجاهد).
“يا رب اسكن عبدك قاسم مسعد عليوة جناتك الواسعة، فقد كان محباً لعبادك الفقراء، نافعاً للناس مطيعاً لك، يارب ألهمنا الصبر على فراقه”. (الكاتب جابر سركيس). خدمة وكالة الصحافة العربية)
ميدل ايست أونلاين