في الحارة الشرقية يا أبي ..
في الجنوب الشرقي لقرية عسال الورد ، قريتنا التي أحبّها ، تحولت البيادرٌ القديمة إلى مقبرة، واتسعت المقبرة لتصبحَ بيدراً كبيرأ للأجساد اليابسة في لعبة الحياة والموت..
ماتت أمي التي كنتَ تحبها، تركتْ حكاية حزنها على أغصان شجرة الكولونيا التي زرعتَها أنت ذات يوم في حديقة منزلنا في مساكن برزة.
يمكنك أن تزورها، فقبرها لايبعد عنك سوى أمتار قليلة، قل لها أن الحياة لا تعني لنا شيئا لأنها لحقت بك، فأمي يا أبي قديسة الحكايات، وبطلة البؤس الذي عشناه..
مات أعمامي، أخوتٌك وأولادٌ عمك، مات أولئك الذين كانوا يقدمون النصيحة لنا بعد موتك. مات أخي محمد الذي كان شغلك الشاغل قبل أن تموت، قطفه المرضٌ اللعين كما قطفَ أمي من قبل!
مات أخي أسامة، ولا نعرف قبره، وكل الحكايات تقول أنه ضاع، وكل القصص تقول إنه لايمكن أن يعود..
أخي طارق الصغير، صار لاجئا، في زحمة الحروب التي أحرقتنا وشردتنا ورمتنا في متاهة الخوف ..
أختاي : غادة وابتسام ، أنجبتا أولاداً وأحفاداً بحجم قبيلة في الأردن ..
مات كثيرون ممن تحبهم ، وثمة من وجد قبراً، وثمة من تبحث الغربان عنه .
لم تعد البيادرُ ، التي تحولت إلى قبور، لم تعد قادرة على استيعاب الموتى..
ليس ثمة فسحة للموتى..
وأنا أبحث عن قبر لي، فقد تعبت الروح من جسدها ..
فاقبلني ضيفاً على قبرك ، عندما تطير فراشة الروح بعيدا نحو السماء ، وعندما يصيح المؤذن :إنا لله وإنا إليه راجعون..
وعندما يجد رأسي وسادة على عظامك ، سأحكي لك كلَ ماحصل، سأحكي لك عن القصص التي كتبتٌها ، وكنتَ تفرح وأنت تقرأ بواكيرها على دفاتري أيام المدرسة، وتسألني عن المعنى..
سأحكي لك عن الروايات التي نشرتُها ، وأتمنى أن تبحث عن شخصيتك بينها ..
سأحكي لك عما حصل ، فسوف لن تصدق أن شهرزاد لم تمت بعد ..
سأخبرك أيضا ، أنني اشتريت أرضاً على تلة، وبنيت فيها بيتا يطل على السهول والوديان، لكن الحرب أوقفت رغبتي ، وظل حطاما من بقايا الحرب..
سأخبرك أنني اشتريت أرضا أخرى، وسأقدمها لتكون مساحة جديدة لقبور الموتى القادمين..
آه يا أبي ..
أرجو أن تقبل رحيلي إليك ، وتفسح لي مساحة في القبر الضيق إلى جانبك، وستفرح كثيراً لأنني سأكسر السأم الذي تعاني فيه، وأنت تسمع مني حكايات الزمن الذي لم تعشه !
بوابة الشرق الأوسط الجديدة