أردوغان والسراج يحتَفِلان في أنقرة باستِعادة السيطرة الكاملة على طرابلس..
نجاح قوّات حُكومة الوفاق الليبيّة المُعتَرف بها من قبل الأمم المتحدة في إكمال سيطرتها على العاصمة طرابلس، وإنهاء الحِصار الذي كانت تفرضه عليها قوّات الجِنرال خليفة حفتر يُعتَبر انتصارًا كبيرًا للرئيس التركي رجب طيّب أردوغان الذي وضع كُل ثقله العسكريّ خلفها دون تردّد، وأرسل أسرابًا من طائرات “بيروقدار” المُسيّرة سيطرت على الأجواء وغيّرت مُعادلات القوّة في الجو والأرض، بالإضافة إلى إرسال أكثر من 10 آلاف مُقاتل إسلامي مُتشدِّد اكتسبوا خبرةً قتاليّةً كبيرةً أثناء مُشاركتهم في الحرب السوريّة طِوال السّنوات التّسع الماضية.
لقاء القمّة الذي انعقد في القصر الرئاسيّ في أنقرة بين الرئيس أردوغان والسيّد فايز السراج رئيس حكومة الوفاق اليوم الخميس جاء احتِفالًا بهذا الانتِصار، ووضع الخطط العسكريّة للمرحلة المُقبلة، بما في ذلك استعادة السيطرة على مدينة ترهونة المُحاصرة حاليًّا، وربّما التقدّم نحو آبار النّفط في الجنوب والشّرق، وإخراج قوّات الجيش التّابع لحفتر المُسيطرةِ عليها.
سُقوط مدينة ترهونة التي تَبعُد حواليّ 90 كم من طرابلس شرقًا، يعني إنهاء وجود الجِنرال حفتر في مُعظم الغرب اللّيبي، إن لم يَكُن كلّه، والاستِعداد للمرحلة الأكثر أهميّةً وهي التقدّم نحو الهِلال النّفطي شرقًا، إلا إذا أعادت قوّات الجِنرال حفتر تجميع صُفوفها بدَعمٍ من حُلفائها في مِصر، وفرنسا، والإمارات، وروسيا، وهذا الأمر ما زال مَوضِع الكثير من علامات الاستِفهام.
اللّافت أنّه بينما يزور الجنرال حفتر القاهرة بحثًا عن الدّعم، يتواجد حاليًّا السيّد أحمد معيتيق، نائب رئيس حُكومة الوفاق في موسكو وبصُحبته السيّد محمد طاهر سيالة وزير الخارجيّة، وتُشير تقاريّر مُسرّبة إلى أنّ الرّجلين يحملان عرضًا مُغريًا للرّوس يحفظ مصالحهم في روسيا ومُشاركة شركاتهم في مشاريع البُنى التحتيّة، والتّنقيب عن النّفط، علاوةً على الإفراج عن أكاديميّين روسيين اثنين جرى اعتِقالهما قبل عامٍ من قبل قوّات الوفاق في العاصمة وجرى توجيه تُهمَة التجسّس لهما.
في ختام لقاء القمّة الذي انعقد في أنقرة بين الرئيس التركي وضيفه الليبي، كشف الرئيس أردوغان عن نواياه في “إنهاء تجارة النّفط التي تُمارسها القوّات المُوالية للجنرال حفتر”، وأكّد أنّه لن يتم أيّ مُفاوضات مع الأخير الذي وصفه بـ”الانقلابي”، بينما شدّد السيّد السراج بأنّ معركته مُستمرّةٌ “حتّى السّيطرة على كافّة أراضي الوطن”، في تلميحٍ واضحٍ عن وجود خطّة جرى الاتّفاق عليها مع داعمه التركي، باستغلال الانهِيارات العسكريّة في صُفوف قوّات حفتر والتقدّم نحو برقة في الشّرق، وفزّان في الجنوب.
التّسريبات الإخباريّة التي تتحدّث عن “صفقة” أو “تفاهم” تركي روسي في المِلف اللّيبي على أرضيّة اقتِسام “الكعكة” وحفظ المصالح للطّرفين واحتِرامها، تتأكّد يومًا بعد يوم، ومن غير المُستَبعد أن تكون زيارة نائب رئيس حُكومة الوفاق للعاصمة الروسيّة تأتي في هذا الإطار، وتأكيدًا على ما يتردّد عن وصول الروس إلى قناعةٍ بعدم قُدرة الجِنرال حفتر على حسم الأُمور على الأرض عسكريًّا لصالحه، وتوحيد الأرض الليبيّة تحت قِيادته، ممّا دفعهم إلى التوجّه إلى أنقرة للحِفاظ على مصالحهم في إطار الصّفقة المذكورة آنفًا.
الرئيس أردوغان، وبعد هذا الانتِصار لحُلفائه في طرابلس، وقبلها استِعادة قاعدة عقبة بن نافع الجويّة جنوب غرب طرابلس (الوطية)، والسّاحل الغربي أيضًا بات يملك عدّة أوراق استراتيجيّة قويّة في شرق المتوسّط، أبرزها الامتِيازات بالتّنقيب عن النّفط والغاز في المِياه، واستِحواذ الشّركات التركيّة على مُعظم عُقود بِناء البُنى التحتيّة الليبيّة، وإقامة قاعدة عسكريّة في “الوطية” على غِرار نظيراتها في قطر والصّومال وربّما “سواكن” في السّودان.
القلق الفِرنسي من جرّاء هذه الانتِصارات لمحور حُكومة الوفاق وحليفها التركيّ يبدو مشروعًا لأنّ حواليّ ألف كيلومِتر من السّواحل الليبيّة باتت تحت سيطرة الرئيس أردوغان وحُلفائه حتّى الآن، ويُمكن أن تكون ورقة تهديد قويّة لأوروبا لأنّها تَبعُد حواليّ 500 كيلومتر عن السّواحل الفرنسيّة والإسبانيّة، و200 كيلومتر عن الإيطاليّة من حيث تحوّلها إلى نُقطَة انطِلاق مُستَقبلي لمِئات الآلاف من اللّاجئين غير الشّرعيين، ومن ضِمنهم المُقاتلين الإسلاميين الذين جرى نقلهم من سورية، ويزيد تِعدادهم عن 12 ألفًا ينتمي مُعظمهم لفصائل مُدرجة على قوائم الإرهاب مِثل جبهة النصرة والدولة الإسلاميّة “داعش”.
السّؤال الأهم المطروح حاليًّا هو عن ردّة فِعل حُلفاء الجِنرال حفتر في مِصر الإمارات وفرنسا وروسيا على هذا الانتِصار الكبير للرئيس التركيّ وحُكومة الوفاق التي راهَن عليها وأرسل عشَرات الطّائرات ومِئات الدبّابات وآلاف الجُنود لمنع سُقوطها؟
حتى كِتابة هذه السّطور لم يصدر أيّ بيان أو تصريحات للجِنرال حفتر أو عن السّلطات المِصريّة التي تستضيفه حاليًّا، بينما التزمت دولة الإمارات الصّمت، واكتَفَتْ فرنسا بالتّعبير عن القلق مِن المُستَبعد أن تُرسِل الحُكومة المِصريّة قوّات إلى ليبيا، والصّدام مع القوّات التركيّة وحُلفائها الإسلاميين المُتشدِّدين، خاصّةً في هذا الوقتِ الذي تَقِف على بُعد أسابيع من بَدء إثيوبيا من ملء خزّانات سد النهضة وبُدون اتّفاق مع مِصر والسودان يحترم مصالحهما المائيّة، فالأولويّة القُصوى لمِصر حاليًّا هو أمنها المائيّ الاستراتيجيّ، واحتِمالات الدّخول في مُواجهةٍ عسكريّةٍ مع إثيوبيا لحِمايته ما زالت قائمةً.
تجارب السّنوات التّسع الماضية للحرب في ليبيا تدفع المُراقب للتحلّي بالحذر الشّديد وعدم إعطاء أحكام قاطعة، فالمُنتصر اليوم قد يكون المَهزوم غدًا والعكس صحيح، ويبدو أنّ لا نهاية قريبة للأزَمَة الليبيّة، وكُل الاحتِمالات واردة، والأمر المُؤكّد أنّ الرئيس التركيّ وحُلفاءه في حُكومة الوفاق كسِبوا معركة طرابلس والسّاحل الغربي، ونحنُ في انتِظار ردّة فِعل الطّرف الآخر، فإمّا قُبول الأمر الواقع والتّعايش معه، وإمّا النّزول إلى الميدان بالقوّة نفسها التي استَخدمها الخصم التركيّ، وهذا يعني توسيع دائرة الحرب وانتِقالها من خانة الحرب بالإنابة إلى الحرب بالأصالة.. وما علينا إلا الانتظار.. فالمُفاجآت واردةٌ.. إنّها ليبيا.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية