أسواق اللوحات النادرة في مصر (حازم خالد)
حازم خالد
سوق اللوحات النادرة في مصر يحكمها عدد من المعايير غير حجم العرض، منها ما يتعلق بقيمة الفنان وفنه وقدم العمل الفني أو اللوحة، إضافة إلى أنه آلية يتنافس فيها الهواة ومحبو الفن على اقتناء هذه اللوحات، وفي هذه المنافسة ترتفع الأسعار بلا سقف، فقد يصل سعر اللوحة إلى عشرات الملايين من الدولارات. يلهث وراء اقتناء هذه اللوحة بعض من راغبي الاستثمار في ندرة هذه الأعمال، وعاشقي هذه الفنون، ممن يجدون متعة كبيرة في امتلاك لوحة لأحد كبار فناني العالم.
الناقد التشكيلي د. صبحي الشاروني يقول: إن ندرة اللوحة يحددها القانون، فاللوحة التي يمر عليها مائة عام يتم منع خروجها من مصر، والواضح أن اللوحات التي مرت عليها هذه المدة من لوحات المستشرقين، فالفنانون المصريون بدأوا أعمالهم بعد العشرينيات، ويعد معرض عام 1911 هو أقدم معرض للوحات المصرية، ونظرًا لأن اللوحات الأجنبية مؤرخة يمكن حصرها في حين أن عددًا كبيرًا من المصريين لا يضع تاريخًا على اللوحة، وبالتالي يصعب حصرها.
ويشير إلى أن أسعار اللوحات يحددها الفنان، فإذا توفى الفنان ترتفع أسعار أعماله، وإذا كان الفنان على قيد الحياة والسوق فيها طلب عليه ترتفع أسعار أعماله كلها، فاللوحات التي عليها طلب يرتفع سعرها كما هي الحال في أعمال عبد الهادي الجزار، وحامد ندا، ومحمود سعيد، حيث وصلت أسعار عبد الهادي الجزار إلى مليون جنيه وهو أعلى سعر.
ويضيف الشاروني: إن اللوحة قد تكون نادرة ولكن ليست ممتعة فنيًّا وليست مرتفعة في السعر؛ لأنها ليست جيدة، وبالتالي يصعب تصنيف اللوحات بأنها نادرة ولكن يمكن تصنيفها بأنها لوحات جيدة وأخرى رديئة، أو فنان يوجد طلب على أعماله وآخر لا يوجد طلب عليه، إن جمهور هذه اللوحات ممن يحرصون على تكوين مجموعات فنية ويتنافسون من أجل الحصول عليها، ويتزايد هذا الجمهور خاصة من أغنياء الإسكندرية، فمعظمهم الجمهور من المتذوقين، ويختارون أعمالًا جيدة.
• معايير الندرة
ويؤكد الناقد التشكيلي عادل ثابت: إن القيمة والقدم من أهم معايير ندرة اللوحات، وتاريخ اللوحة عامل مهم في تحديد ندرتها مثل أعمال بيكاسو، وهنري ماتيس، وعلى المستوى المحلي يوجد أعمال محمود سعيد، ومحمد ناجي، وحامد ندا، وراغب عياد، وصالح طاهر، فأغلبهم رحلوا ولكن أعمالهم باقية، وبالتالي تزيد قيمتهم بعد الوفاة، فمثلًا لوحة للفنان حامد ندا “7050″ مطلوب فيها 150 ألف جنيه، في حين أنها قبل وفاته كانت تباع بمبلغ 5 آلاف جنيه، فالقدم مطلوب ووفاة الفنان تضيف قيمة أكبر للوحة، أيضًا أعمال الفنان مصطفى أحمد ارتفعت أسعارها، خاصة بعد أن صُدر كتاب مطبوع فيه كل لوحاته.
من الفنانين الحاليين – كما يقول ثابت – وجورج بهجوري، وعبد العال حسن، وعمر النجدي، وجاذبية سري، فاروق حسني… وغيرهم ممن ارتفعت أسعار أعمالهم إلى 40 ألف جنيه، وأن جمهور اللوحات النادرة يكون من الهواة، وجزء كبير من الجمهور أيضًا يكون مدركًا للقيمة الفنية للوحة ويعتبرها أكبر استثمار، أي أن الشخص يكون مقتنعًا بأن الفكرة استثمار واستمتاع، ويعتبر رجال الأعمال من جمهور هذه اللوحات باعتبارهم قادرين على دفع هذه المبالغ، ولأنهم متذوقون وبعضهم ازدادت الهواية لديه بحيث أصبح من "جامعي اللوحات النادرة"، ويؤثر في أسعار اللوحات النادرة عوامل شرائية مثل العرض والطلب، وجامعو اللوحات لهم دور في تحريك أسعارها.
وفي رأي الفنان التشكيلي طلعت عبد العزيز أن اللوحة النادرة لا بد أن تتمتع بمواصفات وشروط يتحكم فيها اسم الفنان وتاريخه، وسابقة أعماله على مدار سنوات عمره، وأهم الأعمال التي أنجزها ومواقع أعماله في متاحف لها أهمية على المستوى المحلي أو الدولي، وكذلك يمثل الكيان العام للعمل الفني إضافة حقيقية للمجتمع التشكيلي استفاد بها قطاع كبير من العاملين في المجال من الفنانين والأكاديميين، وهل الفنان كان جادًا خلال سيرته الفنية ساعيًا إلى التجديد الواعي الإيجابي الذي يمثل في مجمله إضافة إلى رصيد الحركة التشكيلية؟ وأن تكون هذه الإضافة قد امتدت إلى مجتمعات أخرى وحظيت بشهرة وصيت في الدول التي لا ينتمي إليها الفنان جغرافيًّا، كما تكون للوحة صفة التفرد والأهمية إذا ما واكبت أحداثًا تاريخية أو سياسية سجلها المجتمع كنقط تحول أو تأثير في تاريخ المجتمع.
ويضيف: من أبرز الأمثلة للوحات النادرة أعمال الفنان محمود سعيد في مجملها وعلى الإطلاق قيمة عالية؛ لارتباط الفنان الوثيق ببيئته السكندرية، ومحاكاة ملامح الحياة في الإسكندرية، ومن لوحاته: بنات بحري"، و"لوحة المدينة"، التي قد يصل سعرها في تقديري إلى 50 مليون جنيه.
ويؤكد عبد العزيز أن الفنان محمود سعيد يظل وحده منفردًا وصاحب الرقم القياسي في تقدير أعماله الفنية ماديًّا، علاوة على أن وجود متحف باسمه كان من الأسباب الرئيسة في ارتفاع ثمن لوحاته ليصل ثمن اللوحة إلى مليون جنيه أو يزيد لوحات أخرى، والملاحظ أن محمود سعيد في المناظر الخلوية أقل سعرًا منه في لوحات أشخاص السيدات، وتراوحت أسعار الصور الشخصية لسيدات شعبيات بين نصف مليون ومليوني جنيه في بعض الحالات المتميزة.
ويشير إلى أنه فيما يتعلق بندرة اللوحة من حيث ارتباطها بأحداث معينة، نجد أن أعمال عبد الهادي الجزار ومنها لوحة حفر قناة السويس، ولوحة الميثاق، ولوحة إنسان السد العالي، فكلها لوحات نادرة؛ لارتباطها بأحداث قومية تمس المجتمع، فهذا يكسبها قيمة خاصة إلى جانب القيمة الإبداعية في أعمال الجزار مثل لوحة "المجنون الأخضر" التي بيعت منذ أربع سنوات تقريبًا لرجال الأعمال نجيب ساويرس بمبلغ مليون جنيه، وهي الآن يصل سعرها أضعاف ذلك، ويميز هذا العمل بالتحديد أنه ينتمي إلى حد كبير إلى عالم عبد الهادي الجزار المستوحى من السحر، والمفاهيم الشعبية والسريالية في قالب تفرد به الفنان تمامًا وخرجت منه مدارس عديدة، فأعماله مصدر إلهام لأجيال متتالية مما يعد سببًا في ارتفاع قيمتها المادية.
ويقول: وعلى مستوى العالم تعد لوحة "الجورنيكا" لبابلو بيكاسو من اللوحات النادرة ؛ رغم أنها تتناول الحرب الأهلية في إسبانيا بشكل وحشي إلا أنها على مستوى الانتشار العالمي لم تعد تخص إسبانيا صاحبة هذا الحدث، ولكن متذوقي الفن والنقاد والمؤرخين، كأهم عمل فني عن الحرب على الإطلاق.
ويضيف أيضًا: إذا كان الفنان يتمتع بكل هذه المواصفات وإلى جانب كونه مقلًا في إنتاجه وفي إقامة المعارض، ففي بعض الأحيان يكون تكرار وكثافة إقامة الفنان للمعارض سببًا في عدم تقدير أعماله تقديرًا ماديًّا يتوازى مع أهمية هذه الأعمال أو اسم الفنان، فعلى سبيل المثال سيف وأدهم وانلي؛ لأن أعمالهما كانت توجد بغزارة في قاعات العرض الخاصة، ولأنهما قدما إنتاجًا واسعًا أدى ذلك إلى تقليل التقدير المادي لهذه الأعمال، وهي ما زالت مطروحة في الأسواق بأسعار عادية إذا ما قارناها بأهمية الفنانين، في حين أعمال حامد ندا ارتفع سعرها بعد وفاته؛ نظرًا للظروف التي صاحبت ظهور أعماله بشكل ضئيل وغير مكثف، فارتفعت أسعارها إلى مبالغ قاربت المليون جنيه.
وعن جمهور اللوحات النادرة يشير إلى أنه من الممكن تقسيمه إلى عدة أنواع، فمنهم من يشتري بهدف الاستثمار، فمنذ منتصف السبعينيات حدثت طفرة في ساحة الفن التشكيلي وظهرت موضة اقتناء أعمال الفنانين، وبالأخص الراحلين؛ لأنها تعتبر مضمونة الارتفاع مع الوقت لانحسار عملية الانتاج الفني لهؤلاء، وعلى الرغم من أن هذا الجمهور لا يتعدى 500 شخص إلا أن جزءًا ضئيلًا منهم يقوم بالاقتناء بهدف الاهتمام الفعلي بالفن التشكيلي والولع به، وهذه الفئة ترفض بيع الأعمال التي لديهم ويعتبرونها ميراثًا للأجيال القادمة، أيضًا هناك جزء من الجمهور يقتني هذه اللوحات بهدف التفاخر بأنه يمتلك لوحة ثمنها باهظ، ومعظمهم لا يشترطون رؤية العمل قبل الموافقة على شرائه بقدر أنهم يبحثون عن أسماء من الفنانين ذوي الشهر، أو لارتفاع ثمن هذه اللوحات.
ويؤكد الفنان طلعت أن قيمة اللوحة النادرة تزداد بمعرفة خط سير اقتنائها منذ إنتاجها وحتى وصولها إلى من استقر عنده العمل الفني، وغالبًا يحرص بعض الأشخاص على معرفة مصدر اللوحة، وبعضهم يطالب بشهادة أو إيصال أو وثيقة من المشتري تؤكد سلامتها وصحة نسبها إلى الفنان؛ حتى لا تكون عملية الشراء مغامرة، خاصة في ظل صعوبة الفصل في الأعمال الفنية في الدوائر القضائية وإجراءات التحقيقات، ويظل للمؤسسة الرسمية المتمثلة في قطاع الفنون التشكيلية المرجع الآمن الوحيد للفصل النهائي في مثل هذه الأمور، حيث تقوم لجنة متخصصة بفحص العمل وهو ما حدث في القضية الشهيرة لبيع أعمال فنية مزورة بلغت مليونًا و200 ألف جنيه.
ويضيف: تمتلك مصر في متاحفها لوحات نادرة لا تقدر بثمن وتصل إلى المليارات، على سبيل المثال يحتوي متحف محمود خليل على 260 قطعة فنية معظمها لكبار فناني العالم، خاصة من المدرسة التأثيرية، وتعتبر أغلى لوحة للفنان جوجان بعنوان "الحياة والموت"، وتم تقديرها بحوالي 85 مليون دولار، أيضًا ووجد لوحات للفنان جوخ، والتي بيعت أعماله في مزادات لأحد البنوك الكبرى بحوالي 50 مليون دولار، ومصر تمتلك لوحات لهؤلاء الفنانين بما يضيف لبعدها الحضاري بعدًا آخر يلفت انتباه العالم إلى وجود هذه الثروات العالمية. وفي الغالب نجد أن ميزانية اقتناء اللوحات النادرة داخل المتاحف والمؤسسات الرسمية لا تفي بملاحقة كل ما يباع بصالات المزادات أو لدى الأفراد، وهذا على مستوى العالم، وهذه مشكلة بالفعل؛ لأنه يتسرب من تحت أيدينا بعض الأعمال التي قد تكمل منظومة عرض متحفي جيد يعبر عن فنان بعينه، مثل لوحة المجنون الأخضر.
إن ما يدعو إلى الاهتمام أن تفتح صالة كريستي للمزادات فرعًا لها في دبي بما يعكس وجود سوق فعلية للفن العربي، واحتلت مصر الصدارة في الأعمال المعروضة من الشرق الأوسط؛ حيث عرضت أعمالًا للفنان محمود سعيد، وعبد الهادي الجزار، وحامد ندا، وراغب عياد، ومحمد عبلة، وأحمد مصطفى الذي سجل أعلى سعر في البيع في آخر مزاد، حيث وصلت لوحته إلى 700 ألف دولار تقريبًا، وهو فنان مصري مهاجر يعيش في لندن.
• سرقة اللوحات
ويرى التشكيلي الشاب محمد زاهر، أن قيمة اللوحة النادرة ترجع إلى عوامل كثيرة من أهمها قيمة هذه اللوحة تاريخيًّا، بحيث تكون أصيلة ومصادرها حقيقية، ولا شك أن كل لوحة تحمل تاريخها، وأين كانت اللوحة في البداية، واسم المتحف، والبلد الذي ظلت فيه، وكيف تم تداولها من مكان إلى آخر.ولكن كل ما نخشاه هو عمليات السرقة التي تتم بحرفية كبيرة ومهارة سواء في استبدالها بلوحة مزيفة أو سرقتها وإخفائها تمامًا حتى تظهر مرة أخرى في بلد آخر، وقد شهدت الثلاث سنوات الاخيرة العديد من السرقات الكبرى لأعمال فنية لا تقدر بثمن. والعجيب، في تلك الظاهرة التي انتشرت مؤخرًا بصورة لافتة، هو أن المتاحف أو منازل الأثرياء، والتي تسرق منها تلك الأعمال، هي ذات نظام أمني صارم ومتطور. ورغم ذلك فإن الكثير من السرقات تحدث في وضح النهار، وبطرق احترافية.
ومن أشهر السرقات الفنية التي وقعت منذ عامين في باريس، حيث سرق من متحف الفن المعاصر خمس لوحات لكل من: بيكاسو، وفرناند ليجر، وهنري ماتيس، وجورج براك، وأماديو موديلياني، وتتجاوز قيمة اللوحات نصف مليار دولار أميركي، بالإضافة إلى أنها تؤرخ لظهور اتجاهات فنية جديدة، ومنها: تكعيبية بيكاسو، وانطباعية ماتيس. كما شهدت مدينة مرسيليا سرقة لوحة لإإدجار ديجا، وسرق من قصر أحد الأثرياء، بجنوب فرنسا لوحتان لكل من: بيكاسو، وهنري روسو. وكان متحف زيورخ السويسري شهد سرقة ثلاثة أعمال لكل من: فان غوغ، وسيزان، ومونييه، وسرقت في أحد متاحف سيدني لوحات لديفيد بويد، وجون بيرسيفال. وغير ذلك من أعمال السرقة.
وكان هناك عدد من اللوحات الفنية المتميزة التي تعرضت للسرقة في خلال السنوات الماضية بينها سبع لوحات سرقت من قصر محمد علي باشا في شبرا الخيمة؛ وعثر عليها بعد بضع ساعات ملقية بالقرب من أسوار القصر. كما سرقت لوحة للفنان حامد ندا من ضمن اللوحات المعروضة على جدار البهو المحيط بالمسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، وتم ضبطها في مطار القاهرة وأشير في حينها إلى أن أحد كبار رجال الأعمال اشتراها. (خدمة وكالة الصحافة العربية)
ميدل ايست أونلاين