أصولية أم سلفية أم حزبية إسلامية جديدة!

 

الحزبية الإسلامية هل تستطيع استيعاب مفهوم المواطنة، وشرطها: الدولة المدنية؟ هل قادرة أن تتكيّف معها أو أن تقيمها أو تساهم في إقامتها؟

إن المصطلحات المستمدة من التراث الإسلامي، لا تعبر فعلاً عن حقيقة ايديولوجيا تلك الممانعات ومضمون خطابها، وإن تشابهت في اللفظ والشكل مع أصوله وصيغه القديمة، فهذه المصطلحات هي استعارات من الماضي لنعت ظواهر اجتماعية وسياسية وثقافية جديدة من ثمرات الحاضر.
وعليه، فإننا نرجح على استخدام التسميات التراثية (أصولية، سلفية، الخ…) استخدام مصطلح الحزبية الإسلامية الجديدة أو العمل الإسلامي السياسي الحديث، ونطرح بالتالي إشكالية للبحث القائم في قسمه الثاني انطلاقاً من المساءلة التالية: ما موقف الحزبية الإسلامية من مسألة المواطنية أو من مفهوم المواطن؟ ما موقفها من مسألة الديمقراطية ومفهوم السياسة التي هي شرطها، ومن مسألة الدولة المدنية التي هي حضن السياسة؟
نتحفظ على مصطلح الأُصولية لأن "الأصولية" تحمل معنى الاستخدام المنهجي والطرائقي لعلم الأصول في العلوم الإسلامية أيام ازدهارها (علم أصول الدين – العقائد – وعلم أُصول الفقه، اي قواعد الإجتهاد لاستخراج الأحكام)، فالأصولي في الفقه هو المجتهد والمجدد، والأصوليون عموماً هم أهل الرأي مقابل أهل النقل عند السنّة، وهم المجتهدون مقابل الإخباريين عند الشيعة، فالصفة، إذن، كانت صفة لمنهج في التفكير، وكانت – قديماً – مؤشراً لجدلٍ عقلي أغنى الثقافة الإسلامية الكلاسيكية.
ونتحفظ ثانياً، لأن استخدامها اليوم، يثير التباساً بين معناها الأصيل (الإيجابي والمستحسن) وبين معناها الرائج اليوم والمنظور له، وبشكل عام، بشيء من السلبية باعتباره يعني العودة الى الماضي كما يرى البعض. لذلك، وتجنباً لكلي المحذورين (الإيجابي والسلبي)، نرجح/ كما ألمحنا، استخدام مصطلح "الحزبية الإسلامية" الجديدة، ويمكن أن نقتبس أمثلتنا من حالتين:
– حالة الإخوان المسلمين، عندما يعلن "الإخوان أنهم يطالبون "بدولة مدنية" في حين أنهم يؤمنون "بالحاكمية الإلهية"، وفقاً للتعبير الذي استخدمه أبو الأعلى المودودي، ولا زالوا أسيري هذه الإيديولوجية، فهل تستقيم العلاقة أو تتوازن بين الحاكمية الإلهية والدولة المدنية، ولا سيما في موضوعة"المواطنية".
– وحالة حزب الله اللبناني، عندما تعلن قيادته اللبنانية أنها مع الدولة المدنية، ومع أولوية المواطنة اللبنانية، وفي الوقت نفسه تؤمن "بولاية الفقيه العامة" كما بشّر بها الإمام الخمينيي، وأرسيت قاعدة للحكم في الدستور الإيراني وفي الثقافة والمعتقد عند أنصار الحزب ومحازبيه، فهل يتوافق القول بالدولة المدنية والمواطنية مع الاعتقاد بولاية الفقيه العامة؟
هذا وفي الحالتين – النموذجين نختصر السؤال بالصيغة التالية:
هل تستطيع الحزبية الإسلامية الجديدة أن تستوعب مفهوم المواطنية، وإطارها وشرطها الأعم: الدولة المدنية؟ هل هي قادرة أن تتكيّف معها أو أن تقيمها أو تساهم في إقامتها؟ وبتعبير أدق: هي يستطيع العمل الإسلامي ، وخاصة العربي أن يكون سياسياً وحاملاً لمشروع ديمقراطي ودولة مدنية؟ ما هي أهم الإشكالات التي تثيرها الحزبية الإسلامية عموماً؟
وأما صفة الاسلامي، فهي الأكثر التباساً، والأكثر إثارةً للإشكالات وخاصةً عندما يوصف العمل السياسي بالاسلامي، فهو بهذه الصفة يحمل مخزوناً من معاني الدين الاسلامي بما هو ايمان وعقيدة، وبما يتفرّع عن كل هذا من علم أصول وأحكام فقه وفرق ومذاهب فتاوى واجتهاد. على أنه ما يهمنا في هذا البحث هو طرح بعض الإشكالات التي تستدعيها الملاحظات السابقة حول شروط العمل الاسلامي حتى يكون سياسياً بالفعل، أي مؤمناً بالمساواة بين المواطنين وبتداول السلطة بمعزلٍ عن أي تمييز ديني أو إثني أو طبقي .
وعليه فإن العمل السياسي الاسلامي يتمثل- أو يفترض أن يتمثل مبدئياً بالأحزاب والحركات الاسلامية التي ترى في السياسة، وثقافة السياسة، وقواعد السياسة أسلوب عمل وطريقة تفكير من أجل الوصول الى السلطة، وعلى قاعدة مبدأ التدوال، ومثال تلك الأحزاب التي تعلن نفسها أنها كذلك: جماعة الاخوان المسلمين في مصر، والأردن. وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وحزب الله والجماعة الاسلامية في لبنان.
أما عن الجماعات الجهادية التكفيرية فإنها تختلف بمنطلقاتها المعلنة وأسلوب عملها العنفي الذي تمارسه، وأهدافها الصريحة، عن منظمات العمل الاسلامي السياسي، فالجماعات التكفيرية تقوم على يقينيات مؤداها تكفير الدولة والمجتمع والعالم، والدعوة الى شن حرب جهادية ضد كل هؤلاء، فهي لا تؤمن بمواطنة ولا بمواطنين. في حين أن الجماعات الأولى (والتي ننسب اليها صفة السياسي) تقدّم نفسها- سلميةً مؤمنة بالتغيير السلمي، وتداول السلطة، ومن خلال مشروعية دولة/ وطن تعيش فيها هذه الجماعات ويمارس أفرادها حقوقهم كمواطنين…
فما هي الاشكالات التي تثيرها وضعيات جماعات الاسلام السياسي؟
يتبادر الى الذهن أربع ملاحظات على اشكالات أربعة:
أولا: يلاحظ أولاً أن ثمة التباساً بل تناقضاً بين برامج الأحزاب الإسلامية وممارستها من جهة، وبين دعوتها للديمقراطية والاجتماع المدني من جهة أخرى، الأمر الذي يثير إشكالاً حول فهم هذه الأحزاب لمبدأ المواطنية ومبدأ المجتمع المدني.
ثانيا: يلاحظ ثانياً أن اللجوء الى الدين في العمل السياسي هو رافعة سياسية شعبوية، إذاً هو أسلوب استقواء بغير أدوات السياسة، الأمر الذي من شأنه أن يحوّل جمع المواطنين إلى جمع "عصباني" وإلى استعادة صيغة "استقواء العصبية بالدعوة" وكما تحدَّث عنها ابن خلدون في "الدولة السلطانية" ، أي الدولة-العصبية.
ثالثا: يلاحظ أيضاً أنه في كل أزمة يمر بها حزب اسلامي في الصراع على السلطة، تبرز علاقة ملتبسة واشكالية بين العمل السياسي الاسلامي من جهة، وبين العمل الاسلامي العنفي أو الإرهابي أو العسكري من جهة أخرى فهل هناك حالة قطيعة بين الجانبين- أم أن العلاقة لا تزال علاقة التباس؟
رابعا: يلاحظ أيضاً أن الحزب الإسلامي، سواء أعلن عن نفسه أنه حزب سياسي أم حركة جهادية تؤمن بالتغيير عن طريق العنف، يلجأ إلى استخدام مصطلحاتٍ منقاة من نصوصٍ كلامية وفقهية قديمة، كالإكثار من الاستشهاد بالسلفيين من الفقهاء كابن تيمية عند السلفية الجهادية اليوم حيث يستشهد به كثيراً في مواضع الجهاد، أو كالاستشهاد بالإمام الحسين عند الأحزاب الشيعية، كقدوة أو كنموذج استشهادي، فهل يعني أن هذه الأحزاب تدعو إلى العودة إلى الماضي ، أو هي "ماضوية" كما يردد البعض ؟ إشكال للنقاش والمراجعة تحت عنوان الحزبية الإسلامية والحداثة.

خلاصة من بحث وجيه كوثراني في العقل الأُصولي’، ضمن الكتاب 21 (سبتمبر 2008) ‘الجماعة الإسلامية في مصر’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى