أعطونا تعويضاً عينياً : لن أنتقد الحكومة ، صدقوني!
أمامك خياران، الخيار الأول : أن تنق وتشتكي، وتسب وتلعن الحكومة ووزارة الإعلام والحظ النحس الذي تعيش فيه، وربما تخرج في مظاهرة احتجاج فتلاحقك الشرطة بخراطيم الماء (!!) . وقد كره الشعب السوري كل المظاهرات والثورات حتى لو كان اسمها (ثورة القرنفل البرتغالية) التي لم تطلق فيها ولا رصاصة عام 1974.
والثاني، أن تلجأ لهذا الحل السحري الذي فكرت فيه، وأنا أضحك كالمجنون في غرفتي بلا ماء ولا كهرباء ولا طعام ولا هواء !
الحل السحري جاءني عندما أحال لي اتحاد الكتاب العرب مخطوطة رواية لقراءتها وبيان الرأي فيها مقابل تعويض قدره (1500) ، تدفعه وزارة الإعلام مقابل أخذ موافقة الاتحاد كجهة مختصة بالنشر الأدبي.
رفضت التكليف، وسجلّت رفضي مكتوباً بأن إعطاء ألف وخمسمئة ليرة تعويضاً على هذه المهمة هو إهانة للكاتب، لكن الفكرة تنامت في رأسي. فماذا سيفعل الكاتب بهذا المبلغ؟ فهو لا يكفي ثمنا لعلبة محارم أو لسندويشة فلافل، ولا حتى ثمنا لفنجان شاي في مقهى الروضة. ولا يكفي حتى أجرة تكسي لأنني غير قادر على حمل الرواية المخطوطة سيراً على الأقدام ، فهي ثقيلة كما يتضح من عنوانها (الزمن الثقيل) !
عندما يعقد اتحاد الكتاب العرب مؤتمره السنوي سأقدم اقتراحاً مكتوباً ليصوت عليه الكتاب ، وهو أن يكون التعويض عينياً، ونعود إلى اقتصاد المقايضة، وبدأت أبحث في تفاصيل الفكرة:
أثارت التفاصيل التي وردت في خاطري ضحكي، فلكي أقرأ هذه الرواية، يفترض أن أمضي أسبوعاً أدقق فيها في المبنى والمعنى والأسلوب والشخصيات والزمن والدلالات وغير ذلك. فربما أراد كاتبها تشويه أفكار الناس، أو إثارة النعرات في المجتمع، أو ربما أراد الإساءة للمهام القومية التي نقوم بها بلا كلل ولا ملل وندفع ثمنا باهظا لها، كما قال لي أحد المسؤولين عند باب سيارته السوداء!
ماهي ضرورات القراءة في المدة اللازمة لإنجازها ؟!
أنا أشرب المتة ، وأدخن ، وأحيانا أشرب القهوة، وبين ساعة وأخرى تجتاحني نوبة جوع فآكل نص رغيف مسخنا لأن البراد فارغ من الحواضر . وهذا يعني أن تكلفة قراءة الرواية ستكون من جيبي ، وتكون مهمتي مجانية !
إذا، أنا أوافق على قراءة الرواية، وسوف أبذل قصارى جهدي أن تكون متوافقة مع التوجهات الثقافية العامة . التي حفظتها بصماً ، ولكن أعطوني مقابل ذلك :
علبة متة صغيرة وزنها 150 غرام .
100غرام قهوة .
ثلاث علب سجائر سيئة .
300 غرام سكر.
ثمن ربطتي خبز .
ثمن قداحة صينية تعمل لمدة يومين فقط.
ستجدونني على الفور أقرأ المخطوطة، وأقوم بمهمتي على أكمل وجه. دون مقابل، وسوف لن أتوانى عن حملها على كتفي وإيصالها إلى المكتب المختص بعد أسبوع. ولكن قبل ذلك سأحسب لكم كم هي تكلفة هذه التفاصيل الصغيرة :
2000 ليرة متة .
2000 ليرة قهوة.
600 ليرة سكر.
400 ليرة خبز حاف بالبطاقة الذكية .
5000 ليرة ثمن دخان سيء .
أي أكثر من عشرة آلاف ليرة سورية.
قلبت على قفاي من الضحك، فكيف يعطونا ألف وخمسمئة ليرة والتكلفة أكثر من عشرة آلاف. وكنت سمعت أن المطرب فارس كرم الذي غنى (بتقصر تنورة) مقابل 100 ألف دولار عن ليلة واحدة. أي 280 مليون ليرة حسب سعر الصرف الرسمي، بما يكفي لحل المشكلة كلها لمدة خمسة أعوام !