أغنية الراي بين العالمية وإحياء التراث
“عبد القادر يا بو علم ضاق الحال علي
داوي حالي يا بو علم سيدي ارؤف علي”
بحماسة بالغة وروح جميلة وتوزيع مبهج أدى الشموس الثلاثة (شاب خالد، رشيد طه وفضيل) أغنية عبدالقادر على مسرح أومنيسبور الفرنسي في خريف عام 1998 وحضر الحفل أكثر من 16 ألف ولم يتمكن 10 من الحضور فظلوا بالخارج.
لم تكن هي البداية لأغنية الراي أو لأغنية عبدالقادر للشابة نورية، لكنها ثورة زجت بأغنية الراي نحو العالمية.
ظهرت أغنية الراي أو “الرأي” في القرن الثامن عشر مع دخول الأسبان المغرب العربي، فقامت بدورها السياسي والذي تطور مع الوقت لمناقشة قضايا تخص البلاد وقضايا مجتمعية.
إن كانت الموسيقى في المجتمع الشرقي تخدم الأغنية بدرجة كبيرة /مكرسة للغناء فإننا يمكن أن نطلق على أغنية الراي أنها مدخل حقيقي للأغنية العربية للغرب وتأثره بالموسيقى والتراث العربي.
ربما كانت النكسات المتكررة التي شهدها القطاع الوهراني والجزائي هو ما زج بالأغنية نحو العالمية، فبعد مقتل شاب حسني على يد العناصر الإرهابية في سبتمبر/أيلول 1994 انتقل الشاب خالد لفرنسا، ومن هنا حدث مزج لأغنية الراي مع المجتمع الفرنسي في أغنية “عيشة” المغناة باللغتين العربية والفرنسية عام 1996 والتي حققت نجاحا عالميا بالغا وحازت على أفضل أغنية للعام.
لم تكن فقط أغنية “عيشة” هي السبب في عالمية أغنية “الراي” بل التعاون المشترك مع رشيد طه وفضيل، وهما من أصول جزائرية وتم هجرتهم لفرنسا وغنوا أغاني بالفرنسية وذاع سيطهم في المجتمع الفرنسي.
• محطات في حياة الشموس الثلاثة
1991 قدم الشاب خالد كليب “دي دي” والذي حقق نجاحا عالميا غير متوقع وأدى لثورة في عالم الفيديو كليب آنذالك.
وفي عام 1993 قدم رشيد طه أغنية “يا رايح” بتوزيع مختلف عن التوزيع الذي قدمه دحمان الحراشي في سبعينيات القرن الماضي، وهي أغنية فلكورية جزائرية، وقد نالت شهرة واسعة أيضا.
لم يكن التعاون المشترك (تريو) هو العامل الوحيد في نجاح الشموس الثلاثة، لكن وعيهم بالتغيير وتقديمهم للأغاني بتوزيع يتماشى مع العصر وكذلك الروح العالية فيما بينهم والتي ظهرت بتقديم بعضهم البعض وغنائهم المشترك في أغاني خاصة لكل واحد فيهم سواء باللغة الفرنسية أو العربية والتي تم دمجها عام 1999 في أسطوانتي تحمل اسمهم 123 soleil.
نالت الأسطوانات مبيعات عالمية واسعة، وكذلك حصلت على جوائز عالمية من شتي البلدان وتمت المبيعات في أميركا وكندا واستراليا. حقق أكثر من 5 ملايين نسخة في فرنسا وأميركا والوطن العربي، كما حصل الثلاثي على جائزة مهرجان موسيقى العالم في العام نفسه.
ربما هي المرة الأولى التي تصل وتحقق فيها أغنية عربية ذلك النجاح والسيط الواسع.
* تمهيدات وتعاون سابق في رحلة الراي للعالمية
ربما كان تعاون الشيخة الريميتي مع محمد ولد النمس الذي لحن لها أغنية “هاك السيرة هاك” هو بداية حقيقة لها مما جعلها أهم وأشهر مغنيات الراي وأكثرهن جرأة في عرض وطرح الموضوعات النسائية ونجد ذلك واضحا في أغنية “شرك قطع” التي سجلتها عام 1954 لكن تم منع أغانيها ومنعها من الغناء عام 1962 وصارت أغنية الراي من الأغاني “الممنوعة” في المجتمع الجزائري. إلا أنه في السبعينيات القرن الماضي قام بعض المغنيين الشباب بغناء أغانيها دون إذنها، وهو ما يؤكد أنها أشهر المغنيات للراي على غرار فضيلة الدزيرية ومريم فكاي ورحمة العباسية. وقدم رشيد طه أغنية باسمها كنوع من التكريم لها.
* مصاحبة الشيخ عيسى للشيخة الجنية للغناء في الأعراس هو ما أدى لذياع سيطها قبل زواجها من البراح المداح الحاج الزواوي، وقد انطلقا معا نحو نجومية وشهرة عالية في المغرب العربي.
فالبراح في الغناء الراي البدوي يكون مصاحب للمغني حيث تنقسم أغنية الراي البدوي لثلاث أقسام: الأول هو تقديم البراح للمغني، والثاني هو أداء الأغنية، والقسم الأخير أو “التبريح” هنا يتوقف المغني عن الغناء ويأتي صوت البراح مع القلوز والقصبتين.
• الشاب طاهر والشابة زهرة شكلا (دويتو) في سبعينيات القرن الماضي
فقد ظهر لقب ( شاب/شابة) بدلا من ( شيخ/ شيخة) على مغنيين الراي كنوع من التجديد.
محمد بالخياطي أهم وأشهر مغنيي الراي في ستينيات وسبعينيات وثمنينيات القرن الماضي، وهو أول من ربط الايقاع الشرقي بالإيقاع البدوي في أغنية الراي. وتعد أغنيته “بختة” والتي عُرفت في البداية بـ “صفية” غير أنه غيرها لأكثر من عامل أهمهم والذي ساهم في شهرته هو منافستها مع أغنية “بختة” للشيخ الخالدي والتي كانت تحقق نجاحا واسعا من قبل.
إلا أن خلافاته الكثيرة مع أبناء فنه وكذلك مشاكله العائلية والسياسية قد أثرت في شهرته.
الشاب حسني أو “ملك الراي العاطفي” أو “الأسطورة” حيث باعت أسطواناته مبيعات هائلة في المغرب العربي وأوروبا ويعتبر هو أول مغني راي وصل للعالمية حيث لم يتمكن الشاب خالد أو الشاب مامي من منافسته في ذلك الوقت.
وبذلك تعد محطة (الشموس الثلاثة) 123 soleil بطاقة تعريف حقيقية لأجيال كثيرة على أغنية الراي والتأثر بها ودمجها مع أغاني وثقافات متعددة سواء لهجات عربية كثيرة أو لغات أجنبية عديدة.
بالطبع لا نستطيع حصر كل مغنيي الراي أو فحص وتحليل طابع غنائي ممتد بقوة لأكثر من ثلاثة قرون في نحو سردي، لكنها ومضات بسيطة في رحلة الراي بين العالمية وإحياء التراث.
ميدل ايست أونلاين