أفواه المدافع… حوار

 

” الحروب الطويلة.. مصالح طويلة”

أبدأ بهذه الجملة: ” ثقافة الحوار اخترعتها أفواه المدافع قبل أفواه المتكلمين”

ولأفواه المدافع عدد لا يُحصى من اللغات. كما ان المدافع تطوّر نفسَها وخطابَها ونمرةَ أفواهها، ونوع القتلى الذين تحصدهم، وذلك يحدث كما لو انه لا جدوى من أية ثقافة تؤسس لبنيةٍعالمية للحوار.

وإسرائيل إحدى الدول النموذجية في تطوير الاستخدام للمدفع، ليس كسلاح وحسب، وإنما كفكرة تتعلق بسباق التسلح وفروق الكفاءات وازدراء قوة العرب ومدافعهم وراء التلال: بالمدافع فقط تمتحن إسرائيل فرص السلام.

لقد بنت إسرائيل نفسها بالقوة المتدرّجة، وأنجزت بالقوة المتدرجة برنامج احتلال مربح على مدى 50 سنة ونيف، وجميع قادتها  آمنوا أن السلام لا تبنيه الاالمدافع. وسمّاه المتطرفون” سلام الراكع”. ولكن، مع تطور كل شيء في عالمنا، نحو الأحسن ونحو الأسوأ، في حيّز واحد، لم يحسب الإسرائيليون أن تحت جمجمة العصور ثمة من يستيقظ من السبات وقد يتمطى. وقد يتكشّف عن  عملاق. وبعيداً عن هذا الهاجس بنى الإسرائيليون الأوائل مربعات الضعف الجغرافي. فوضعوا ثقل بنيتهم التحتية في شمال فلسطين على أساس لبنان الضعيف الصغير المسالم، والانتهازي… وكل هذا يشكّل سياجاً طبيعياَ في الشمال الإسرائيلي. إلى ان أنبت الجيش الإسرائيلي بنفسه، ليس الرغبة في المقاومة، وإنما حتمية استمرارهاايضا.

ثم تطورت فوهات المدافع… تطورت فصاحة مقاومتها الصامتة، إلى خطابات الصواريخ الناطقة، متدرجة الفصاحة، والإعلان عن شكل النص الذي يتداوله كلاهما، في مسرح واحد: البطل والمجرم.

الإسرائيلي، مثل كل أقوياء التاريخ، كان يظن أيضاً أن بقعة البؤس الجغرافية ، في الجنوب ، هي مجرد ساحة خلفية لتدريب الجنود على قتل الفلسطيني، ولكن ، مثل قصة الشمال في لبنان، تبين أن القطاع الهش الضعيف انتقل من بندقية غيفارا غزة عام 1968 إلى صاروخ براق عام 2019، ووصل إلى العاصمتين الإسرائيليتين : القدس وتل أبيب.

تطوير المدافع يحدث على جانبي الخندق، في هذا العصر. وكمية الأذى اللاحق بالعدو، وليس عدد القذائف الساقطة عليه، هي ما يعول عليه في دولة ثدييه كإسرائيل.

في الأسبوعين الأخيرين ظهرت حقائق جديدة:

إن عدد الصواريخ المتساقطة على إسرائيل لا يمكن ردها نظراً لغزارتها. ولأول مرة يفوق العدد (300) صاروخ. و3 أيام في الملاجىء.

والحقيقة الأهم أن الخيال العسكري الإسرائيلي لم يصل،بالتوقع، إلى الواقع… وكل ذلك في غضون عشر سنوات.

أن إعادة النظر في المسألة الفلسطينية من وجهة نظر يهودية معاصرة… مروراً بإعادة النظر في نوع مسرح العمليات على الأرض الصغيرة (فلسطين) وصولاً إلى تأسيس قلق وجودي ملموس ومشروع ، لدى الجمهور الإسرائيلي ، بسبب نمو وسائط القوة الفقيرة والفعالة…

إن كل ذلك يفرض أن تخترع أفواه المدافع خطابا مختلفا، أكثر عقلانية وأقل صخباً !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى