أمل عرفة: نجاحي صناعة سوريّة غير مزوّرة
على مدى 25 عاماً من العمل في مجال الفنّ، راكمت الممثلة السوريّة أمل عرفة إنجازاتٍ في الدراما والكوميديا، أداءً ونصّاً وحضوراً. هي من الفنانات المُقِلّات في إجراء حوارات صحافيّة، لكنّها خصّت «السفير» بحوار مطوّل، تحكي فيه عن جوانب سيرتها الخاصّة والمهنيّة كافّة. بين «دنيا»، و «خان الحرير»، و «غزلان في غابة الذئاب»، و «عيلة خمس نجوم»، و «الجوارح»، و «تخت شرقي»، و «ذكريات الزمن القادم»، صنعت عرفة اسمها بجهد. تقابل من يسألها عن مهنتها بفرحِ من لم ينل النجاح مصادفةً. تقول: «يفرحني أن أكون حقيقة غير مزوّرة لأنّ المزوّرين كثر. هناك مَن صنع نجومية في عالم الفن ولكن التاريخ لن يحكي عنهم. ولا يهمّني إذا اعتبرني الآخرون نجمة، لأنني أعتبرها حقيقة حصلت، وأحبّها ولا أنكرها ولكنّها لا تهمني. يهمّني التاريخ، ولا أعرف ولا أقرّر ماذا سيقول التاريخ عنّي، ولكنّي أعرف أنّي بالتأكيد، أضفت شيئاً ما إلى فنّ الممثل».
أمومتي نجاح
في طفولتها، تأرجحت عرفة بين شخصيّتين ومزاجَيْن. حيناً تكون طفلة هادئة جداً، وأحياناً طفلة متعبة بالأسئلة والاعتراض. «في سنوات المراهقة، كنت شديدة الهدوء والالتزام والانتماء إلى الدراسة والبيت، كنت تقليديّة حتى السماء، ومتفوّقة في دراستي، وأسأل نفسي اليوم، كيف كنت متفوّقة، مع أنّي لم أكن أمضي وقتاً طويلاً في الدرس؟». تدين لوالدها الملحّن سهيل عرفة بالكثير. ترى أنّها لم تخرج من تحت عباءته إلى اللحظة، وأنّ حواراتها معه كان لها الفضل في صناعة شخصيّتها. عن أمّها، ورثت الصوت الجميل، وحسّ الفراسة، وصفات أخرى كثيرة، إذ إنّها كانت إمرأة عظيمة وعصبيّة وكريمة في آن.
تستعيد الممثلة أيّام الدراسة الجامعيّة وبداية الخوض في المعترك المهني، كأجمل أيّام حياتها، من حيث الاكتشاف، والفضول، والتمرّد، وكسر التابوهات. كان مسلسل «أسعد الورّاق» لعلاء الدين كوكش، أول عمل درامي تابعته وعلق في ذاكرتها. في العام 2010، أعادت تقديمه وأدّت دور منيرة. «لم أكن أعرف حين كنت أشاهد الكبيرة منى واصف في طفولتي، أنّي سأقدّم شخصيتها حين أكبر، وسأطلق صرختها».
في حياتها المهنيّة، تعطي عرفة بكرم، وتتبع مبدأً يشبهها كما تقول، «فأيّ عمل أشارك فيه لا أبخل عليه بكلّ طاقتي ومحبّتي». تضيف: «إذا حصد عمل ما جزءاً من روحي أشعر أنّه العمل الأول والأخير في حياتي. هناك محطات معيّنة في مسيرتي أعتبرها مفترق طرق. نحن البشر دوماً موجودون على مفترق طرق، وهناك طرقات لا ترسم انحرافاً قوياً في الحياة، وأخرى تكون مفترقات خطيرة».
ينطبق المبدأ ذاته على حياتها الخاصّة، إذ تقول إنّها الآن على مفترق طرق «نحو حياة أخرى حيث أنا وحدي مع ابنتين، وأعرف أنني ذاهبة باتجاه المجهول، كما قال الشاعر محمود درويش «أعرف أنني أمضي إلى ما لستُ أعرف». لكن، أشعر أنني قويّة، وأعرف أنني وطليقي الممثل عبد المنعم عمايري ما زلنا نربّي ابنتينا سوياً وعلاقتنا جيدة، وهذا مفصل مهمّ في حياتي». تلفت في هذا الإطار إلى أنّ أعظم إنجاز في حياتها يتجسّد بابنتيها سلمى ومريم. «أمومتي هي أكبر نجاح».
دنيا صوت الناس
ترى عرفة أنّ نجوميّتها ونجوميّة زملائها من الممثلين السوريين، صناعة سوريّة في الأساس. «الدراما السوريّة أمر واقع لا يمكن لأي كبوة لها علاقة بالتسويق أو الظرف السياسي أن توقفها أو تشلّها أو تجمّدها. بسبب الظروف السياسية في سوريا والأحداث والحرب، انقسم الشعب السوري، وانقسمت المحطات. القنوات الثلاث أو الأربع المهيمنة على سوق العرض، تتجنّب وجع الرأس، وبالتالي لا تريد سياسة في الأعمال الدرامية. والمستغرب أنّ تلك المحطات ما زالت تعرض أعمالاً سورية صافية، وتحكي عن الحرب السورية والوجع السوري في المرحلة الحالية. من بين هذه الأعمال على سبيل المثال «دنيا 2015» المسلسل السوري من حيث الكتابة والإنتاج والممثلين، والذي كنت حريصة على تصويره في سوريا. سُوِّق العمل عربياً، وحصد مراكز أولى على مدى أشهر في نسب المشاهدة، مع العلم أنّه يحكي عن الحرب والوضع الراهن».
برأي عرفة، فإنّ «جودة العمل أو طريقة الطرح تغري المحطة بشرائه». تصمت قليلاً وتضحك، ثمّ تتابع: «أجد هذا الكلام أفلاطونيًا وغير دقيق، لأنّ المحطات تهمّها قصة حب بين سوري ومصري ولبناني. في الواقع، هناك جودة عالية في بعض الأعمال، إلى حدّ يثير الدهشة. ولكننا كمتلقّين نقول: «لماذا تضحكون علينا من خلال ما تقدّمونه؟». وآمل ألّا أضحك على أحد في يوم من الأيام، بما يسمّى أعمالا عربية مشتركة».
وفي الحديث عن عودة دنيا إلى الشاشة بعد غياب استمر 15 سنة، تقول عرفة: «شعرت أنّها يجب أن تعود لتحكي بلسان الأغلبية الساحقة من الشعب السوري الموجودة داخل أو خارج سوريا، لنسأل جميعنا لماذا حصل لنا ما حصل؟ ولماذا يضيع المعتدلون بين الأرجل؟ لماذا يضيع مَن يريد أن يعيش في سلام بين معارض ومؤيّد؟ هي لعبة كبيرة جداً لست بحجمها، ولا دنيا بحجمها، ولا الشعب أيضاً».
في إطار متصل، تجد عرفة أنّ مسلسل «غداً نلتقي» هو من أفضل الأعمال التي تناولت موضوع الأزمة السورية درامياً. «إنّه عمل عظيم وتمنيت لو شاركت فيه، ولكنني تابعته بدهشة كمشاهدة سورية حصراً، أشعرني باحترام كبير للكاتب إياد أبو الشامات والمخرج رامي حنا وأبطال العمل جميعهم من دون استثناء. هذا العمل هو التغريبة السورية وهو من أذكى الأعمال التي قدّمت».
كاتبة مغنيّة مذيعة
ترفض عرفة صفة الكاتبة مع أنّ لديها أربعة أعمال من كتابتها وهي «دنيا»، و«عشتار»، و «رفة عين»، و «دنيا 2015». تنكبّ حاليّاً على كتابة عمل جديد ترفض الخوض في تفاصيله. «تذكّرت لقائي بالشاعر الراحل محمد الماغوط مرتين في الشام وكنت في بداياتي، وقال لي أنت فنانة وتشبهين الصياد، تذهبين إلى الغابة لتصطادي نمراً فتصطادين بطة، والعكس صحيح، والآن أنا في مرحلة صيد».
أمّا على صعيد الغناء، فقد ابتعدت أمل عرفة عن الساحة منذ زمن، بالرغم من تميّزها في هذا المجال، ونيلها جوائز عدّة. «الغناء مثل أي مشروع آخر، لن يعطيك إذا لم تعطه، ولم أعد أعطي الغناء أي شيء. أجواء الغناء لا تشبه شخصيتي. يحتاج الأمر سفراً وعلاقات ودفع مبالغ طائلة لتذاع أغنية على سبيل المثال، ولا أمتلك كل ما ذكرته، فضلاً عن أنني أملّ من المجاملات ولا أعرف كيف أجامل، المهم أن أكون «ظابطة» في التمثيل. الوسط التمثيلي يعرفني، ويعرف طبيعتي ولا أملك القدرة على الدخول في وسط جديد انقطعت عنه منذ مدّة طويلة».
وعن تقديم البرامج، تقول إنّ الموضوع يعنيها كثيراً، ولا ترفض أيّ فكرة جميلة تعرض عليها. «هناك فكرة متداولة حاليّاً لأخوض تجربة جديدة في التقديم، ما يملأني بالسعادة. لست في معرض منافسة الإعلاميين لأنّ التقديم هو جانب آخر من شخصيتي أمتلكه وأحبّه، لا سيما البرامج الحوارية لأنني شخص فضولي ولديّ أسئلة وأجوبة، كُتب أنّني من القلّة في عالم التمثيل الذين استطاعوا خوض مجال التقديم من دون أن ينسى المشاهد أنّني ممثّلة. لست إعلاميّة بل ممثّلة أولاً وأخيراً».
«روحي مشرّدة»
تشعر أمل عرفة بالألم عند كلّ زيارة إلى الشام، مع تغيّر المعالم، وارتفاع منسوب الدم والحقد. «أرى كلّ شيء في زياراتي، وأحاول تفهم كل ما أصادفه. الحرب حقيرة ولا أبرّر الإجرام من كل الجهات».
وحول رأيها بلوائح العار للفنانين السوريين من الجهات كافّة، تقول عرفة: «أنا ضدّ التخوين والإقصاء بالمطلق، واشتغلت على نفسي في هذا الإطار، لأنّ سوريا للجميع وأدافع عن الجميع. أي ممثل معارض أو موال، فذلك من حقّه لأنّه يندرج في خانة إبداء الرأي. وحين ألتقي أيّ ممثل أبادله التحية، هناك ذاكرة وتاريخ يجمعاننا. وهناك فرق كبير بين معارض في الرأي مثلاً، وبين مَن أدخل السلاح. مَن سمح بتفعيل الإرهاب في سوريا، أنا ضدّه، وضدّ الإرهاب بالمطلق. إذا آمنّا بمفهوم الإقصاء فكيف سيكبر الأطفال على هذه الثقافة؟ حتى لو خوّنني الطرف الآخر لن أبادله بالمثل، أشعر أنني أكبر من هذا، لأنّني أشبه سوريا الحقيقيّة».
تجزم عرفة أن السوري الذي يعيش داخل سوريا غير مرتاح، وكذلك الذي يعيش خارجها. «لا أريد أن أصدّق أن السوري الذي يعيش هنا أو هناك سعيد. لماذا يريدونني أن أصدّق أن السوري في الخارج خائن وأنّ مَن في الداخل شريف ومنتمٍ إلى سوريا، من قال؟ لماذا بعثرت الأوراق بهذه الطريقة؟». وتعليقاً على قرارات نقابة الفنانين بفصل بعض أعضائها تقول: «المطلوب اليوم مواقف تهدئ النفوس لا العكس، وأي قرار يمكن أن يصلح فلنعلنه، وأي شخص لديه قرار يمكن أن يشعل المشاكل فليصمت، لأنّ النار المشتعلة في سوريا لا ينقصها مزيدًا من الاشتعال».
عرفة المقيمة في لبنان في المرحلة الحالية، تقول إنّ العودة للإقامة في سوريا بشكل كامل، واردة في كلّ لحظة. «أقبل أن يكون الخطر عليّ ولكنني لا أقبله على ابنتيّ بكلّ صراحة. لبنان يشبه سوريا من حيث الجغرافيا، وطريقة الحياة، وطبيعة الناس. وحين نزور الشام تعتبر ابنتاي الزيارة مكافأة، والتهديد الوحيد لهما حين تشاغبان، هو بعدم زيارة الشام، وما زال بيتي موجوداً في الشام، ونزور الأقارب والأصدقاء».
نسألها ماذا تخبر ابنتيها حول ما يجري في سوريا، تقول: «هي الحرب، وهناك من لا تهمّه مصلحة سوريا في الداخل والخارج. لا أسمح لهما بمتابعة الأخبار، لأنني توقفت عن متابعة الأخبار حفاظاً على صحّتي النفسيّة، ولأنّه منذ بدء الحرب في سوريا شعرت بالدوران والتعب بسبب متابعة كل البرامج الحوارية. أتمنى أن تنتهي الحرب في الأفق القريب، ولكنني لا أرى أنها ستنتهي، مع ذلك أراهن على شرط الحياة في سوريا أي شرط الاستمرار».
نسألها إن طالتها اتهامات الخيانة لأنّها تركت سوريا، فتقول: «لم أترك سوريا فعملي مستمرّ فيها منذ ثلاث سنوات، كأيّ موظّف، ولا أخشى الموت، ووصيتي الوحيدة قلتها لابنتي حين زرنا قبر والدتي أخيراً، إذا مت عليكما بدفني مع أمي، هذه وصيتي الوحيدة إلى جانب أن تحبا بعضكما البعض». تضيف: «قبل الحرب في سوريا كنت «أتفذلك» قائلة إنّ الوطن ليس جغرافيا بل هو أينما نشعر بالأمان ولكنني كنت في وطن، وعندما غادرت ـ لم أغادر فعلاً لأنني أزور سوريا دوماً ــ شعرت أنّ الوطن جغرافيا، ورصيف، والزفت الذي نسير عليه، والجار الذي نلتقي به مصادفةً، والوجوه التي نلتقي بها عند بائع الخبز أو اللحام، الوطن أم وأب، وقبر أمي». تنهمر دموع عرفة لتتابع حديثها رداً على سؤال إذا شعرت بالتشرّد، فتجيب: «روحي تشرّدت».
«جريمة شغف»
تخوض أمل عرفة هذا العام تجربتها الأولى في الدراما العربيّة المشتركة من خلال مسلسل «جريمة شغف». تقول: «بتّ اليوم موجودة في الدراما العربية المشتركة، ولديّ العديد من الملاحظات حولها بشكل عام، من حيث عدم وجود الزمن وعدم تحديد الهوية. حاولنا تجاوز هذه الملاحظات في «جريمة شغف» لأسباب يحكي عنها المنتج مفيد الرفاعي والكاتبة نور الشيشكلي أفضل مني». تضيف: «يحكي المسلسل عن شابة سورية تعيش في العام 2016 في لبنان، لا وجود لخلفيات سياسية ولكن يُذكر في لحظات أنّ سوريا تمر بمراحل صعبة. «العمل تجربة كبيرة وإنتاج ضخم، أشارك فيه بجانب قصي الخولي، ونادين الراسي، ونجلاء بدر. على صعيد التمثيل، التجربة جديدة بالنسبة لي، والمسؤولية لا تختلف عن أيّ دور قدّمته سابقاً».
تلقّت عرفة عرضين للمشاركة في مسلسلات عربية مشتركة في الماضي، ورفضتهما. «لا أحبّ أن أكون في ظلّ أحد أو أن يكون أحد في ظلّي. ودور هيفا في «جريمة شغف» خارج الظل، لديه خطه الدرامي وخصوصيته، وعزّزت هذه الخصوصية مع الكاتبة نور الشيشكلي وبالاتفاق مع المخرج وليد ناصيف».
بجانب «جريمة شغف» تطلّ عرفة أيضاً في ثلاثيات «مدرسة الحبّ» التي صوّرت ثلاثا منها بجانب ممثلين سوريين ولبنانيين. في ثلاثيّة «بعد الفراق» تتشارك البطولة مع عبد المنعم عمايري، وفي ثلاثية «كلمات» تتقاسم البطولة مع عابد فهد وباميلا الكيك، وفي ثلاثيّة «موطني» تتشارك البطولة مع ديمة الجندي وسعد مينا، وتتوقّع أن تحدث هذه الثلاثيّة صدى كبيرًا لدى المشاهدين.
صحيفة السفير اللبنانية