لأول مرة تذهب الانتخابات الرئاسية في تركيا إلى جولة ثانية حيث لم يستطع أي من المرشحين وبينهم أردوغان من تخطي عتبة الـ 50% المطلوبة لتحقيق الفوز. ولا بد أن أردوغان مجروح لأنه ما كان ينقصه لتجاوز هذه العتبة أقل من نصف بالمئة. وكان واضحاُ حدة الصراع بين المرشحين المتنافسين، كما كان جلياً الإقبال الشعبي الذي اقترب من 88% وهي نسبة كبيرة جدا في الإقبال على الانتخابات في المجتمعات الحديثة. كل ذلك جعل من هذه الانتخابات بالفعل انتخابات القرن ..
بعد 100 عام على تركيا الخارجة من الخلافة العثمانية والمؤسسة كجمهورية علمانية على يد أتاتورك، تستعد للدخول فيما بعد هذه المئوية إلى تركيا أخرى. كان واضحا أن أردوغان قد أسس لإسلامية من نوع جديد تمزج العلمانية بالصوفية الدينية ستعيده لمركزية السلطة العثمانية في يدي رئيس كلي الهيمنة. وعلى هذه الأسس وعد أردوغان محازبيه و مؤيدينه والشعب التركي بأنه سيقود سياسة (متعددة التحالفات) أي غير أطلسية كلياً، وسيحقق لتركيا ما أراده الأجداد العثمانيون العظماء. كما وعد بنهضة اقتصادية و فرص عمل وسعي للرفاه العام. مع كل ذلك لم يستطيع أردوغان أن يتجاوز عتبة الـ 50% وهذا مؤشر لمدى شعبيته ودليل على نوعية شرعية سياسته.
المعارضة ممثلة بزعيم حزب الشعب الجمهوري كليتشدار اوغلو أحد أعضاء مجموعة الستة المعارضة وعد بنسف نهج ونظام أردوغان واستعادة الديمقراطية و ترميم وتجديد التحالفات الأساسية لتركيا (الناتو والغرب)، و رفع كليتشدار أوغلو شعارات العلمانية والقوميه التركية ممزوجة بالديمقراطية الليبرالية الغربية. واعتمدت هذه المعارضة في محاربة أردوغان على التنديد بالتدهور الاقتصادي وفشل سياساته في السنتين الأخيرتين. ورغم التقدم الملحوظ والنسبي لـكليتشدار اوغلو إلى أنه وجميع الأحزاب المتحالفة معه لم يستطع الوصول إلى مستوى أردوغان وظل مقصرا عنه في النتائج و الأصوات ..
ما يهم العالم و يهمنا في المنطقة العربية هو نوعية تركيا التي ستنتجها الانتخابات. فهل صحيح أن أمريكا وأوروبا يريدون إبعاد أردوغان وأن روسيا تعمل لإبقائه؟؟ ثم أي نظام إقليمي سيسود منطقتنا إذا فاز أردوغان؟؟ وما الذي سيتغير في تعامل أنقرة مع شعوبنا ودولنا إذا فازت المعارضة؟؟
المشكلة أننا مع أردوغان تجاه تركيا مناورة متلاعبة إسلاموية أطلسية غير مأمونة الجانب وذات أطماع عثمانية، ومع المعارضة ستكون المنطقة أمام تركيا غربية أطلسية منضوية في سياسات الناتو.
فهل فعلا يفكر العرب بإيجاد سياسة تستجيب لمخاطر فوز أي من الطرفين في تركيا للمحافظة على المصالح العربية و أمن العرب القومي؟؟!!