‘إخضاع الكلب’ تنبش في خوف وعزلة الإنسان المعاصر
بين الإنسان والكلب حكايات كثيرة قوامها الوفاء والمحبة والأمان.. لكن الكاتب المصري أحمد الفخراني ينسج بينهما علاقة جديدة في روايته “إخضاع الكلب” تتدرج من الخوف إلى الندية وصولا إلى الرغبة في القتل.
الرواية الصادرة في 154 صفحة هي التعاون الأول بين الفخراني (40عاما) ودار الشروق، والخامسة في رصيده الروائي بعد “ماندورلا” و”سيرة سيد الباشا” و”عائلة جادو” و”بياصة الشوام” إضافة إلى مؤلفات أخرى.
تدور أحداث الرواية في مدينة دهب المصرية المطلة على البحر الأحمر والتي لجأ إليها المصور الفوتوغرافي هارون عبدالرحيم الذي قرر الانعزال وهجر حياته السابقة بعد اكتشافه خيانة زوجته وتشككه في نسب طفله الوحيد.
عن اختياره لهذه المدينة البعيدة عن العاصمة يقول “عندما اخترت دهب للإقامة لم أكن أبحث عن الهدوء وجمال الطبيعة، بل الضجر ورتابة الألوان، ظننت فيهما علاجي من تلاحق الصور وغواية الانتحار.”
يعاني هارون من خوف شديد من الكلاب، وفي إحدى الليالي يجد نفسه محاصرا بقطيع مسعور لا ينقذه منه سوى ظهور أسما، تلك الفتاة الساحرة التي بزغت من العدم وشغلت فكره.
كانت تشغلني فكرة رؤية الإنسان للعالم المحيط من خلال ما يدور في ذهنه هو وليس وفقا للواقع، وأرى أن هذه أصبحت سمة أساسية للفرد المعاصر
وقبل أن تتطور علاقته مع السمراء الجميلة ويعرف تفاصيل قصتها تفاجئه هي بالرحيل عن دهب تاركة له هدية غير مرغوب فيها على الإطلاق… كلب جيرمان مُهجنا مربوطا في حديقة منزله اسمه ونيس ومعه رسالة من أسما تطلب فيها رعايته لأيام حتى تعود من سفر طارئ.
ينقلب عالم هارون رأسا على عقب أمام هذه المشكلة المضاعفة، فهو لم يعتد رعاية الحيوانات بشكل عام ولم يدرج هذا في خطته للانعزال إضافة إلى أن الضيف الثقيل هو أكثر حيوان يخافه.
يتجاهل هارون وجود الكلب تاركا إياه مربوطا في الحديقة ثم يبدأ في محاولة التخلص منه بشتى الطرق إلى أن يستقر الحال بهما لمحاولة التعايش معا وهي الرحلة التي تأخذ الشق الأكبر من الرواية.
يوغل المؤلف في تفاصيل العلاقة بين هارون وونيس حتى تظنهما انعكاسا لبعضهما بعضا، فهي تتأرجح بين العناد المشترك بين الاثنين والحب الذي يفتقده كل منهما خاصة هارون الذي يحاول تعويض غياب ابنه، وإن ظلت المعضلة الأساسية سعي كل طرف ترويض الوحش الذي بداخل الآخر.
هذه العلاقة غير المستقرة طوال الوقت تعكس نواقص ومتناقضات شخصية هارون وملامح اضطرابه النفسي الذي يتضح من خلال السرد أنه طوال الوقت يخلط بين الواقع والمتخيل وبين ما تراه عينه وما يدور في خياله بما في ذلك خيانة زوجته الأجنبية له مع أقرب أصدقائه.
كأني أمام كلب آخر لا أعرفه، كل حركة يصدرها تجاهها تنغرس في روحي كخنجر مسموم، كحكم قاس على وجودي أني لا أستحق الحب
ويتبلور مغزى اختيار التصوير الفوتوغرافي مهنة للبطل إذ دائما ما ينظر المصور للأشياء من خلف العدسة، وهي إحالة متعمدة تجعل القارئ يشعر على امتداد الرواية بوجود حاجز بين هارون ومحيطه لدرجة تثير الشك في صدقية ما يسرده برمته.
ومع عودة أسما في نهاية الرواية ينهار العالم الذي اعتقد هارون أنه بناه على مدى شهور مع ونيس “فتحت لها الباب، فوثب ونيس فوقها، احتضنها، تمرغا على الأرض، لم تهَب أسنانه التي عضتها برفق، كان حيا كما لم أره من قبل، لا يضع مسافة أو حاجزا بينه وبينها، لا أثر في عينيه لشيخوخة العجائز أو فظاظة الوحوش، بل أكثر الكلاب لطفا وودا على الإطلاق، كأني أمام كلب آخر لا أعرفه، كل حركة يصدرها تجاهها تنغرس في روحي كخنجر مسموم، كحكم قاس على وجودي أني لا أستحق الحب”.
وفي توصيفه للرواية يقول الكاتب أحمد الفخراني إن روايته تتناول الإنسان المعاصر وحياته المتسمة بالعزلة والمليئة بالشكوك والخوف وعدم القدرة على التواصل مع الآخر كما تطرح أسئلة عن معاني الصداقة والحب والأبوة.
وفي مناقشة للعمل عبر تطبيق زوم على الإنترنت قال “على امتداد مشروعي الروائي الذي شمل خمس روايات حتى الآن، كانت تشغلني فكرة رؤية الإنسان للعالم المحيط من خلال ما يدور في ذهنه هو وليس وفقا للواقع، وأرى أن هذه أصبحت سمة أساسية للفرد المعاصر”.
وأضاف “اتباع أسلوب الراوي الذي لا يعوّل عليه يبرز هذه الفكرة، وهو أسلوب يلازمني منذ أول رواية أصدرتها لكن أعتقد أن هذه أول مرة يأتي بهذا الإحكام”.
يعتمد هذا الأسلوب على طمر بعض الوقائع أو المعلومات بين السطور التي يتضح عند اكتمال الرواية تناقضها مع كلام الراوي ليكتشف القارئ كذبه أو عدم اتزانه النفسي وحينئذ يبدأ إعادة قراءة العمل بشكل مختلف.
وعن علاقته بالحيوانات وخاصة الكلاب قبل كتابة الرواية قال “كانت لي تجربة قصيرة مع تربية الكلاب والقطط لكني قرأت كثيرا عن الحيوانات، قرأت كتبا مترجمة وشاهدت فيديوهات ودرست الموضوع بشكل كبير”.
وأضاف “تواصلت أيضا مع أصحاب كلاب وتابعت كيف يعاملونها، أخذ الأمر مني جهدا كبيرا لكني استمتعت بالتجربة”.