إزاحة العسكر (محمد صلاح)

 

محمد صلاح

 

 
لا جدوى من الوقوف طويلاً أمام القصص والروايات والأفلام والحكايات التي تروج، ويدعي أصحابها علمهم بخفايا ما جرى ودرايتهم بتفاصيل قرارات الرئيس المصري بإزاحة رئيس المجلس العسكري وزير الدفاع السابق المشير حسين طنطاوي ونائبه رئيس أركانه الفريق سامي عنان. فكلها «توزع» بواسطة أطراف في اللعبة السياسية المصرية، ولا تحوي من المعلومات بقدر ما تمتلئ بالأكاذيب والادعاءات، وغالباً الهدف منها استخدام لمصلحة هذا الفصيل أو ذاك الشخص. فمحبو المجلس العسكري مصرون على أن رحيل المشير كان بعلمه بل إنه هو الذي طالب «بعدما أدى الأمانة» حتى أنه هو الذي اختار وزير الدفاع الجديد! أما محبو مرسي و»الإخوان» فاعتبروا ما أقدم عليه مرسي أقوى من قرار حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، أو على الأقل فإن قراره فاق في خطورته إجراءات الرئيس الراحل أنور السادات في أيار (مايو) 1971 التي أطلق عليها «ثورة التصحيح». أما المعارضون للمشير والمجلس العسكري و»الإخوان» فإنهم روجوا لنظرية المؤامرة، وتحدثوا عن الصفقة التي تقوم على الخروج الآمن لطنطاوي وعنان وبعض أعضاء المجلس من دون محاسبة في مقابل تسليم الدولة لـ»الإخوان». ولكي يكتمل المشهد فإن «الطبخة» جرت برعاية أميركية. الأهم من كل ذلك هو أن خروج المشير وعنان وتواريهما إلى خلفية الصورة لم يفرز أي ردود فعل سلبية، غير شعور البعض بالاستياء للطريقة التي خرجا بها، وعلى عكس ما يحدث عادة في دول أخرى فإن الحدث مر في هدوء والتزم الجيش بكل تشكيلاته وضباطه وأفراده القرارات من دون مقاومة أو حتى معارضة أو إبداء الاستياء. وإذا ما كانت هناك بعض الأسرار التي لم تعرف بعد فإن ذلك لا يخفي أن مشهد تسلم المشير وعنان للقلادتين من الرئيس، أظهر أن الرجلين خرجا من دون مقاومة أو حتى محاولة للبقاء، وإن لم يكونا راضيين تماماً. ربما تكون المعلومات عن خطط أو ترتيبات قام بها مرسي ليضمن سلاسة الخروج وسهولة التعيينات الجديدة صحيحة، أو ربما يكون المشير وقادته من الأساس كانا في حالة يأس من قدرتهما في الاستمرار. لكن الحقيقة أن الاثنين، ومعهما باقي أعضاء المجلس العسكري، خرجوا من دون رد فعل عنيف، سواء منهم أو من مناصريهم في الشارع أو حتى إظهار لمشاعر غضب ربما تكون داخلهم. والحقيقة أن سياسات طنطاوي وقلة حيلته أحياناً وبطئه في أحيان أخرى والتعاطي الخاطئ للمجلس العسكري على مدى سنة ونصف مع قضايا كان يمكن أن تحل في سلاسة وتحولت في عهده إلى معضلات أفضت إلى صدامات وشهداء كلها أمور ساهمت في حال اللامبالاة التي سيطرت على غالبية المصريين إثر قرار إطاحة طنطاوي وعنان. فالمشير خرج، ومعه عنان وزملاء لهما في المجلس، بعدما خسروا تأييداً تلقوه يوم تنحي مبارك وطوال 18 يوماً هي عمر الثورة المصرية. وكلما كان الوقت يمر في أثناء المرحلة الانتقالية ازدادت الضغوط على طنطاوي ومجلسه فكان الارتباك أكبر والتصرفات الخاطئة في كل اتجاه، كما أن فشل المجلس العسكري في كسب ود أو تحالف غالبية القوى الفاعلة على الساحة والمحركة للشارع، رغم تقدير ما يعرف بالأغلبية الصامتة له، لم يشفع له أخطاء وقع فيها أوصلته إلى أن كل طرف من المتنافسين على المسرح السياسي صار يعتبر طنطاوي والمجلس العسكري يلعبون لصالح الأطراف الأخرى. فإحالة مبارك على المحاكمة وسجنه ومعه بعض رموز النظام القديم أفقدت طنطاوي وزملاءه تعاطف «الفلول». ومهما كانت أسباب الصدامات التي وقعت مع شباب الثورة فإن سقوط شهداء أفقد المجلس العسكري بكل أعضائه أي تعاطف من جانب الثوار بل وخلق حالة مستمرة من العداء صار من المستحيل تجاوزها. والموائمات مع الإسلاميين سواء من «الإخوان» أو السلفيين كانت كما الرسم البياني، تصعد أحياناً وتهبط في أحيان أخرى، فظلت العلاقة بين الإسلاميين وطنطاوي والمجلس العسكري على السطح لا تقف عند حال واحد. ويبدو أن الإسلاميين أدركوا أن المشير وزملاءه يخضعون للضغوط فشهدت الأسابيع التي سبقت وأعقبت الانتخابات الرئاسية حشوداً منهم في التحرير لم تكتف بالمطالبة بصلاحيات كاملة للرئيس الجديد، وإنما بإبعاد المجلس العسكري وطنطاوي وعنان. وقد كان.

 

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى