إعادة الإعمار في سوريا.. متى وكيف؟

يُتداول مصطلح إعادة الإعمار في سوريا بشكل دائم، ولكن ليس ثمة منهج على ما يبدو لرسم الطريق لهذه العملية الشاقة، والباهظة التكاليف. ويعتقد كثيرون، من أمثال رئيس اتحاد غرفة الصناعة السورية فارس الشهابي أنه «لا توجد إستراتيجية مدروسة حاليا» لهذا الأمر، معتبرا في حديث إلى «السفير» أن الأمور «لا تتعدى التجريب».

ووفقا للشهابي، لا تنجح عملية إعادة إعمار تواكبها «العقلية القائمة على النهجَين الاقتصادي والصناعي»، وهو يضيف بوضوح أن سوريا حتى الآن «تضع قيوداً على العملية الإنتاجية، وتلاحق كل المتعثرين من دون استثناء»، وتتحرك «من دون رؤية تنموية واضحة ومفهومة ومقبولة».

ووفقا للمقدمات السابقة، يعتقد الشهابي أن «الصناعي ضائع والمستثمر السياحي وضعه أسوأ». قناعات الشهابي، الذي ما زال يقضي قسما كبيراً من وقته في حلب، باعتباره رئيسا لغرفة صناعتها أيضاً، تأتي من تجربة عملية، يواكب من خلالها التطورات في قطاعه، وغيرها من القطاعات المرتبطة، وهو يرى أن «البداية يجب أن تكون بإصلاح ما تهدم أولاً، بحيث يتعافى اقتصاد إنتاجي سريع، وتعطى الأولويات للإنتاج والتصدير».

ويبدو الكلام عن إعادة الإعمار نظرياً حتى الوقت الراهن. ويمكن القول إنه في ما يتعلق بالعلاقات الدولية، فإن روسيا وإيران هما الدولتان الوحيدتان اللتان تحدث مسؤولوهما عن إمكانية المساهمة في إعادة الإعمار في سوريا. وهو أمر طبيعي، ومتوقع في ظل الكلف العالية للتدخل الروسي والإيراني في هذه الحرب، وقناعتهما أن النهاية ستميل لمصلحة الدولة السورية.

ويحصل هذا بتشجيع من الحكومة السورية بالطبع. فخلال زيارته إلى موسكو، شجع نائب رئيس الوزراء السوري وزير الخارجية وليد المعلم الشركات الروسية على العمل في سوريا، ولا سيما في مجالي النفط والغاز، مشيرا إلى أهمية «مكامن النفط والغاز في الجرف القاري على الساحل السوري»، و «الأولوية» التي ستنالها الشركات الروسية في «مجالات البناء والإعمار وإنتاج النفط». وقال المعلم، خلال لقائه نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري راغوزين: «نأمل أن تتواجد منصات إنتاج النفط قبالة الشواطئ السورية، وليس فقط السفن الحربية الروسية».

ويقول خبراء إن الصين هي المرشح الثالث في هذه العملية. وتبدي بكين موقفاً حذراً للغاية من الحرب السورية، محاولة الالتزام بالقانون الدولي ضمن الحدود القصوى، والابتعاد عن إثارة أية حساسيات دولية أو إقليمية. إلا أن موقفها يمكن أن يصبح أكثر تقدما في حال اتضح أفق تسوية وتحسن الوضع الأمني، كما يعتقد مسؤولون سوريون، ويعرفون تماما أيضاً أن «هذا هو ميدان الصين المفضل»، لذا لا يمانعون الإبقاء على رغبة الصين الخجولة في المراقبة، مع الالتزام بالتنسيق التام مع الروس، وإبقاء السفارة الصينية مفتوحة الأبواب في دمشق.

وفي هذا السياق، يأمل خبراء سوريون في أن يقوم الروس بمهمة شبيهة بـ «فيينا 1 و2» في المجال الاقتصادي وإعادة الإعمار، ولا سيما مع مجموعة «البريكس»، ودول «مجموعة شنغهاي للتعاون»، وهو أمر متوقع نجاحه باعتبار الدعوة للبناء وجني الأرباح المشتركة تبقى أكثر إغراء من الدعوة للقتال المشترك.

ويقول مسؤول سوري لـ «السفير» إن «الاعتماد سيكون علي الأصدقاء، وعلى الدول التي لم تأخذ موقفاً عدائياً من سوريا، وإن كان الاعتماد الرئيسي سيكون على الأيدي السورية».

وثمة آمال معقودة على الداخل والإمكانيات الذاتية، وهي إمكانيات ليس هنالك مهرب من رمي الثقل الأكبر عليها، لا سيما أن المشاركات العربية المحتملة في هذه العملية شبه معدومة، خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار التجارب السابقة للحروب في المنطقة و «مؤتمرات إعادة الإعمار» عديمة التأثير التي خصصت لكل من العراق ولبنان وغزة وغيرها على مدى العقود الماضية.

إلا أن انطلاق ورشات وطنية كبيرة لهذا الغرض ما زال بعيدا عن أية إستراتيجية معلنة كما ذكر، كما أنه يعاني من مشكلة رئيسية تتمثل في نقص التمويل، وهو تمويل يعرف الاقتصاديون أن الحصول عليه يعني طرق أبواب الاستدانة، علما أن سوريا سبق وحصلت على قروض معلنة ضخمة من كل من روسيا وإيران على شكل خطوط ائتمانية. وسبق لمسؤول اقتصادي سوري أن قال في وقت سابق إن على رجال الأعمال السوريين الذين في الخارج مساعدة «سوريا لدى المؤسسات المالية العالمية للحصول على قروض دون فوائد أو بأقل فوائد ممكنة».

ويعتقد معاون وزير الاقتصاد حيان سليمان أن سورية بحاجة إلى 250 مليار دولار على الأقل للقيام بعملية إعادة الاعمار، علماً أن هذه العملية لم تنطلق فعليا بعد، و «ليس قبل القضاء على الإرهاب» وفقا لما قاله لـ «السفير».

لذا فإنه من السابق لأوانه بناء آمال كبيرة على إعلانات رسمية، عن الانطلاق بعملية إعادة الإعمار، بالرغم من أن الموازنة العامة للدولة السورية للعامين 2015-2016 تضمنت حصة تمويل لإعادة الإعمار والتأهيل بحوالي 50 مليار ليرة سورية، وإن وصفها مسؤول اقتصادي لـ «السفير» بـ «الاسعافية». كما بدأ مسؤولون بالحديث عن مشاريع في هذا السياق، تخرج عن إطار الصيانة والإصلاح لمؤسسات شبه مدمرة، وتحديداً في حمص وعلى لسان محافظ المدينة طلال البرازي.

فمنذ شهرين تقريبا، أقر مجلس المدينة المخطط التنظيمي النهائي لما يسمى بـ «مشروع إعادة إعمار أحياء بابا عمرو والسلطانية وجوبر»، في المرحلة الأولى، على أن يتضمن في مراحل لاحقة إعادة إعمار بقية الأحياء التي تضررت من المعارك، إضافة إلى أربعة أحياء عرفت بأحياء المخالفات الجماعية. وانتقد المشروع كما هو متوقع، إلا أن المحافظ أكد أن عملية التنفيذ ستبدأ بمجرد إصدار مرسوم رئاسي بهذا الخصوص.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى