“إليك إدلب وأطلق يديّ في طرابلس”.. هل كانت مقايضة أردوغان – بوتين الضربة القاضية للجنرال حفتر؟
لا يمكن تجاهل رضوخ الجنرال خليفة حفتر في ليبيا لاتفاق الرئيسين رجب طيب اردوغان وفلاديمير بوتين حول وقف اطلاق النار بدءا من الاحد 12 كانون ثاني/ يناير، خصوصا وهو يأتي بعد جولات مكوكية أوروبية، ويستبق بطبيعة الحال “مؤتمر برلين” المؤجل، والذي يبدو ان المستشارة الألمانية انجيلا ميركل ذهبت الى موسكو للتشاور حول موعده والتأكد من فرض شريكي سوتشي بوتين واردوغان الوقائع على الأرض.
ليبيا تأزمت كثيرا عمليا خلال الأشهر الثماني الماضية، الامر الذي حولها وفجأة محط انظار العالم كله بالتزامن مع التصعيد الكبير الذي حصل بين واشنطن وايران بعد اغتيال الأولى للجنرال قاسم سليماني.
خلال الأسبوع الماضي فقط عقد الأوروبيون عدة اجتماعات محورها ليبيا ووجه بوتين دعوةً للمستشارة ميركل والتي لبتها السبت (أمس) في ذات الاطار أيضا بعدما اخذت العاصمة الألمانية على نفسها عبء تثبيت هدنة ووقف اطلاق نار والعودة لطاولة المفاوضات من برلين، وهو ما وضع العاصمة الألمانية أصلا في موقف حرج في الاتحاد الأوروبي حيث الأخوين الأعداء (إيطاليا وفرنسا) واللتين تدعمان فائز السراج وخليفة حفتر على التوالي.
الرئيس التركي، بدا وكأنه حرّك كل المياه الراكدة وافشل الاستنزاف المصري الاماراتي خلف اللواء حفتر، بعدما قام بتحركين أساسيين: الأول كان توقيع الاتفاقيات علنا مع رئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا فائز السراج، ومقايضته فيها ترسيم الحدود البحرية بالدفاع المشترك علنا وعلى رؤوس الاشهاد، الامر الذي استنفر كلا من مصر واليونان وقبرص ودعاهم لعقد اجتماعات مختلفة اخرها في القاهرة خلال الأسبوع الماضي، ولم ينتج عنها عمليا الا الكثير من الشجب والادانة، التي اشتركت بها فرنسا على خلفية دعمها للجنرال حفتر بينما امتنعت إيطاليا ممثلة بوزير خارجيتها من التوقيع حتى على ادانة الاتفاقيات.
الخطوة الثانية والأكثر أهمية التي اتخذها اردوغان، وبما يُعتقد انه بمشورة أمريكية أيضا، هو تحريك جوار ليبيا الغربي المتمثل بتونس والجزائر، وهو الامر الذي أعاد لفت الأنظار الى الدولتين المتعافيتين للتو من الفوضى السياسية كل على طريقتها، وهو الامر الذي أعاد جذب الأنظار لاحتمالات تغيير دول النفوذ الفرنسي ميولها لصالح الاتراك الذين باتوا “خصم فرنسا الحميم” بسبب الشراكة الأبدية التي تربط البلدين في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
الجزائر هنا عادت للواجهة كقوة إقليمية تُضارب على القاهرة، وهو الامر الذي جعل وزير خارجية مصر يطير اليها مباشرة عقب انتهاء مؤتمر القاهرة وبالتزامن مع مغادرة وزير خارجية إيطاليا اليها أيضا لويجي دي مايو.
التوقيت أيضا خدم اردوغان، اذ اسهم قصف الكلية العسكرية في طرابلس والذي أوقع نحو 30 قتيلا، في تحرك دولي من كل الأطراف باعتبار هذا يجعل تراخي الأطراف الدولية محل تساؤلات كبير. هذا بدا جليا أيضا بتحركات السراج بعد الاتفاقيات التركية، اذ اظهر الرجل وفجأة مخالب لم يكن يتوقعها المجتمع الدولي الذي يعتبره مراقبون متواطئا مع حفتر منذ ثمانية اشهر.
السراج بعد لقاء اردوغان بدا بموقع افضل وحازت مداخلة وزيره في الجامعة العربية اهتمام المجتمع الدولي، اذ بدت كأول مداخلة عربية حقيقية تتهم العرب في الانحياز ضد شرعية دولية، والأخطر منها هو رفض السراج نفسه الأسبوع الماضي لقاء الجنرال حفتر في إيطاليا وهو تصرّف كان سابقا يحصل بالعكس، اذ كان الجنرال حفتر يفرض شروطه على طاولات المفاوضات ويتمنع في التعامل مع خصمه الذي كان يوصف بالضعيف والهادئ.
تخشّن السراج بهذا المعنى بالدعم الاردوغاني، وأظهرت طرابلس وجها عصيّا سانده جيرانها في الغرب في تونس والجزائر وان كانت الأخيرة اكثر وضوحا وهي فجأة تستعيد قوتها على الساحة الدولية وتعلن ان “طرابلس خطا احمر”، لتذكّر المجتمع الدولي بثأرها القديم من حفتر والذي توعدها بنقل المعارك لعمقها قبل سنتين تقريبا.
تحركات اردوغان وفريقه (فوزير خارجيته مولود جاويش اوغلو تحرك بكل الاتجاهات ونسق مختلف الزيارات واخرها كانت زيارة للجزائر قبل يومين في هذا الملف واتصالات مع الروس والامريكيين) والتي خدمها التوقيت جاءت لمصلحة الملف الليبي، خصوصا بعد التحليلات التي تؤكد ان “مقايضة” حصلت فعلا بين رئيس انقرة ونظيره الروسي بعنوان “ادلب مقابل طرابلس” في زيارة حملت الكثير من الدلالات لقيصر الكريملين الى إسطنبول الأسبوع الماضي والتي دشّن بها الرئيسان خط الغاز الروسي، وهنا شراكة مختلفة تضمن مقابلها انقرة على الاغلب حصتها من غاز شرق المتوسط وتثبت اتفاقاتها مع الحكومة الشرعية.
في المراقبة، وبعد سلسلة تقارير تتحدث عن نقل عدد من المقاتلين السوريين المدعومين من تركيا الى مواقع الجيش التركي في ليبيا، يبدو عمليا ان القرار اتخذ فعلا بترك تركيا لادلب لتواجه مصيرا تحدده روسيا مع حليفها النظام السوري، مقابل ان تحظى انقرة بالغطاء الروسي لدعمها السراج، وبالتالي وبالضرورة يبقى حفتر في العراء، فدخول الجيش التركي لطرابلس بكل الأحوال يمنع أي تدخل من أي دولة من دول الناتو، ويفرض على الجميع وقف المعركة، كون اتفاقية الدفاع المشترك ستتطلب من دول الناتو دعم انقرة في حال خوضها أي حرب حقيقية هناك.
هذه الاستراتيجية من الواضح انها آتت أُكُلها وهو الامر الذي يخدم بالضرورة الحليفة السابقة للدولة العثمانية، ألمانيا التي تحضر من جانبها لدور يثبت المزيد من الهدوء في شمال افريقيا ما يدرأ المزيد من الهجرات، كما يمنع أي تورط عسكري إضافي للناتو هناك.
يبقى اليوم انتظار مؤتمر برلين والذي اكدت ميركل في لقائها بوتين السبت انها سترسل الدعوات اليه بمجرد وقف اطلاق النار، والذي حتى كتابة هذا التقرير يبدو صامدا، إذ ستعطي مجرد الدعوات الألمانية للدول مؤشرات هامة وخطيرة، وهنا أيضا ساهم الرئيس التركي المغامر بموازنة الكفة لصالح السراج، بعدما كانت برلين تعتزم دعوة مصر والامارات وتركيا وروسيا وفرنسا وايطاليا، بينما اليوم يتوقع ان تستدرك لصالح الجزائر وتونس أيضا.
جارتا الغرب الليبي، لمصلحتهما طبعا بقاء حكومة مدنية وحكمٍ شرعي دولي في طرابلس وعلى حدودهما، وهنا بالضرورة لا بد من تذكر ان الجزائر عادت للنشاط بعد خمول طويل سببه حكم الرجل المريض عبد العزيز بوتفليقة ولاحقا حراك الشارع.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية