إيران: محاولات تقليل الخسارة بسقوط الأسد! (حسن فحص)

حسن فحص

التحرك باتجاه المعارضة من قبل إيران، يعني رسالة إيرانية للرئيس بشار الأسد بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي بانتظار سقوطه.

بدأت دوائر القرار في حرس الثورة الإسلامية وبإشراف مباشر من مكتب مرشد النظام بدأت مساعي مبكرة لفتح حوار مع اطراف في المعارضة السورية مباشرة في شهر مايو (أيار) الماضي لتأمين هذا الهدف، وقد يكون اللقاء الذي كشف عنه مؤخرا بين جهات إيرانية واطراف في المعارضة السورية، وجرى في العاصمة الفرنسية باريس سوى حلقة أو نقطة متقدمة من هذه الحوارات التي بدأت في وقت سابق بعيدا عن الإعلان.
التحرك باتجاه المعارضة من قبل إيران آنذاك، قد يعني رسالة إيرانية للرئيس الأسد بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي بانتظار سقوطه وعجزها عن تأمين مصالحها مع البدائل، وقد يعني رسالة أيضا بأن على الأسد التحرك سريعا لوقف التدهور.
وقد يعني أيضا اعترافا إيرانيا ضمنيا بان المجتمع الدولي لن يتراجع عن خطواته التصعيدية ضد سوريا حتى يحقق على الأقل أحد هدفين؛ الأول إنهاء النظام السوري والمجيء بنظام اكثر طواعية ويستجيب للمطالب الدولية بإنهاء التحالف مع إيران ووقف الدعم لحزب الله وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، وكف اليد عن التدخل في العراق، والثاني فرض تنازلات على الأسد وجره للاعتراف بالمعارضة شريكاً في الحكم، وبالتالي الحد من نفوذه المطلق والتأسيس لرحيله بعد مرحلة انتقالية تشارك فيها المعارضة عبر عملية ديمقراطية.
يظهر أن المجتمع الدولي بدأ يدرك أن إمكانية إخراج الأسد من السلطة من خلال التحركات والاحتجاجات، يبدو أمراً مكلفا يقارب الصعوبة خصوصا في ظل تراجع إمكانية التدخل العسكري المباشر الذي تحاول أطراف من المعارضة في الخارج جر حلف الناتو إليه.
لاعتبارات عدة لعل أهمها الاستنزاف الذي حصل في ليبيا والأزمة الاقتصادية المتفاقمة والموقف الروسي المعارض بشدة لأي قرار بعقوبات ضد سوريا يصدر عن مجلس الامن الدولي حتى الآن، اضافة إلى تعقيدات الموقف التركي الذي يشكل رأس الحربة الاقليمية للناتو في المنطقة والمرشح ان يكون الجهة التي تتولى القيام بالعملية العسكرية، بعيداً عن الناتو لكن بدعم منه وتكليف غير معلن.
من هنا فإن القيادة الإيرانية يبدو إنها استبعدت من اعتباراتها عودة الأمور في سوريا إلى ما قبل 15 مارس(آذار) الماضي، لذلك فهي تضغط للتوصل مع المجتمع الدولي إلى تسوية ترضي جميع الأطراف الدولية والإيرانية والسورية وحتى الإقليمية.
إنها تسوية تقوم على مساعدة الأطراف السورية، في النظام والمعارضة، على الحوار والتوصل إلى حل وسط يلتزم فيه النظام بتنفيذ الإصلاحات التي وعد فيها مقابل مشاركة المعارضة في السلطة في اطار حكومة وفاق أو وحدة وطنية والعمل على تهدئة الشارع الشعبي بخطوات جدية ومقنعة.
وعلى غرار السياسة التي اتبعتها طهران مع الأحداث المصرية والتي أدت في نهايتها إلى رحيل الرئيس حسني مبارك – الذي لم تخف مساعيها للتخلص منه- وتغيير سياسات النظام المصري تجاه إيران. واعتبرت أن ما حدث في مصر الثورة وما سيحدث هو في مصلحتها، لأنه ساهم في التخلص من نظام متشدد في مواقفه المعادية لها إلى نظام على الأقل لا يشهر العداء لها، وهذا بحد ذاته يعتبر إنجازاً للسياسة الإيرانية واستراتيجيتها التوسعية في المنطقة. وهي في سوريا تسعى لأن تكون غير بعيدة عن أي تغيير قد يحدث في هذا البلد – في حال لم تستطع وقفه او منعه – وهي بالتالي تعمل على الأقل أن تكون شريكة في أي معادلة جديدة انطلاقا من مبدأ تخفيف الخسائر أو الحد منها.
إن التوصل إلى تسوية مع المجتمع الدولي حول الوضع في سوريا؛ يضمن لطهران بقاء الأسد في السلطة مع مشاركة من المعارضة، وسيوفر لها ولحلفائها في المرحلة القادمة والمدى المنظور ترتيب أوراقهم انطلاقا من قراءة الواقع السوري الجديد، وهي مرحلة قد تضمن لإيران وحلفائها الحد أو التقليل من الخسائر المباشرة التي قد تحدث في حال إزيح الأسد عن السلطة، وبالتالي يفسح لها المجال لوضع خطط للتعامل مع المستجد السوري بناء على الواقع الجديد.
والتوافق الإيراني الغربي الإقليمي على تسوية في الوضع السوري في الشراكة بين النظام والمعارضة، سيوفر على جميع الأطراف والمنطقة معهم الانزلاق نحو المواجهة العسكرية التي قد تكون نتيجة إما لحرب يفتحها النظام السوري مع إسرائيل ويجبر فيها أطرافا حليفة له في المنطقة – أي حزب الله وإيران والفلسطينيين – على الدخول إلى جانبه في هذه الحرب، وإما قد تكون نتيجة لقرار يتخذه حلف الناتو بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، وهو ما سيدفع إيران وحلفاءها هذه المرة إلى التدخل والمواجهة على اعتبار أن المستهدف بعد سوريا لن يكون سوى إيران وحزب الله في لبنان.

خلاصة من بحث حسن فحص ‘الموقف الإيراني من الاحتجاجات في العالم العربي’، ضمن الكتاب 69 (سبتمبر 2012) ‘الخليج والربيع العربي الدين والسياسة’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى