إيران والخليج والصراع على سورية (عبد الله اسكندر)
عبد الله اسكندر
تشهد المنطقة مناورات سياسية كبيرة تتضمن رسائل متعددة الاتجاهات، في سعي الى ارساء ميزان قوى جديد، في انتظار مرور الوقت الضائع الفاصل عن الانتخابات الرئاسية الاميركية. فالجميع يدرك ان الشهرين المقبلين يجعلان من الادارة الاميركية بطة عرجاء إزاء اي مبادرات خارجية، وأن هذا الواقع ينسحب على الغرب، سواء كدول او على حلف شمال الاطلسي.
هذا «الفراغ»، وفي ظل احتدام الصراع على سورية، يدفع ايران الى رفع سقف هجومها السياسي على المنطقة. وذلك بالاستناد الى ان هذه الفترة هي النموذجية من اجل ارساء ميزان القوى الجديد، كما يشرح المرشد خامنئي وأنصاره في كل مكان. وتنطلق هذه النظرية من كون ان القطبية الواحدة في العالم انتهت، وبدأت تتشكل مرحلة القطبية المتعددة التي تتيح نشوء قوى اقليمية جديدة صاحبة استراتيجية ومصالح تتعدى المصالح الوطنية الى الاقليم. ونموذج هذه القوى هو ايران التي تقول انها تحوز على قوة عسكرية ضاربة وأن مصالحها الاستراتيجية تصل الى البحر المتوسط، مروراً بالخليج والعراق، وصولاً الى سورية ولبنان.
في موازاة ذلك، تربط ايران ربطاً محكماً بين مسألة ملفها النووي ومفاوضاتها مع الغرب وبين هذه المصالح الاستراتيجية المعلنة حديثاً، خصوصاً تلك التي تدعيها طهران في سورية ولبنان. وبات ملفا الازمة السورية، واستطراداً لبنان حيث لايران النفوذ العسكري الاقوى بواسطة «حزب الله»، والازمة النووية وجهين لعملة واحدة في الاستراتيجية الايرانية.
وعندما تتهم ايران، ومعها الحكم السوري، الدول الخليجية وتركيا والغرب بتمويل المعارضة السورية وتسليحها، فإنها تعتبر ان هذه الدول «تعتدي» على مصالحها الاستراتيجة. ويختبئ الرد على هذا «العدوان» وراء اثارة الملف النووي الايراني.
في ظل الضجيج الاسرائيلي في شأن البرنامج الايراني وتصعيد التهديد باستهداف عسكري للمنشآت الايرانية، تربط طهران بين هذا الضجيج ونيات اميركا وقواعدها في الخليج. حتى انها لم تتردد في التصريح بأنها سترد على هذه القواعد والدول الخليجية المتحالفة مع اميركا، وذلك بعد التهديد بإغلاق مضيق هرمز حيث يمر النفط الخليجي.
هكذا تصبح البلدان الخليجية هي الهدف في «رد العدوان» على ايران. ومع اتساع رقعة السيطرة الميدانية للمعارضة السورية وتصاعد قوة «الجيش السوري الحر» والتوجه نحو تشكيل حكومة انتقالية، تشعر طهران اكثر فأكثر ان استراتيجيتها بدأت تشكو من خلل. وينبغي عليها الدفع في اتجاه تحريك جبهة اخرى تشكل عنصر تفاوض في تشكل ميزان القوى الجديد.
وهذا ما صرح به الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، في مقابلته اول من امس مع فضائية «الميادين». اذ اشار الى تعثر تشكل ميزان القوى الجديد، حيث الكلمة العليا لايران، مع اندلاع الازمة السورية واحتمال خسارة ما سمّاه «استراتيجية المقاومة» موقعاً اساسياً. لكنه في الوقت نفسه لفت الى ان استعادة الخسارة يكون عبر «استمرار المقاومة» عبر قتال مع اسرائيل ترد فيه ايران على الخليج والقواعد الاميركية فيه. وهذا هو معنى «المقاومة والممانعة»، والذي بات الشعار لمساعي خلق ميزان قوى اقليمي لمصلحة ايران.
هكذا تدخل ايران الخليج في معادلة الصراع على سورية. اذ ان هذه المعادلة، اضافة الى طموحات الهيمنة الاقليمية، تضع الغرب امام مأزق موارد الطاقة، في الوقت الذي يعاني هذا الغرب التباطؤ الاقتصادي الى حد الركود. كما تسعى الى ان تفرض عليه تنازلات في الملف النووي، سواء لجهة الرقابة والتخصيب او لجهة العقوبات.
صحيفة الحياة اللندنية