اتفاق السلام في مالي يختبر دبلوماسية جزائرية مربكة في افريقيا
يرسم انهيار محتمل لاتفاق السلام بين السلطة في مالي وحركات تمرد بينها تنسيقية الأزواد (الطوارق) ملامح إخفاق الدبلوماسية الجزائرية التي تحاول استعادة حضورها في الساحة الافريقية في منافسة نفوذ وحضور مغربي وازن ومؤثر.
وتسعى الجزائر منذ فترة لتنشيط دبلوماسيتها عربيا وإفريقيا من خلال عقدها اجتماعات للفصائل الفلسطينية وقبلها للفرقاء الليبيين وصولا إلى تحركات في القارة الإفريقية، لكن لم تصل إلى حدّ الآن في إحداث تأثير يذكر في مختلف تلك الأزمات على خلاف نجاح الدبلوماسية المغربية في إحداث اختراقات مهمة في أزمات مماثلة وفي الملفات التي تحاول الجزائر الخوض فيها.
ويبدو الإخفاق حتى الآن في انتزاع دور مؤثر ووازن مردّه العمل على محور واحد وهدف واحد هو التشويش على الدبلوماسية المغربية أكثر من تركيزها على حل أي أزمة تحاول التوسط فيها.
ويشكل اتفاق السلام بين باماكو وحركات التمرد الذي تم توقيعه في العام 2015 برعاية الجزائر بحكم ارتباطها بمالي حدوديا وجغرافيا من جهة الشمال وصلاتها بحركات تمرد، اختبارا لمدى قدرة الدبلوماسية الجزائرية على إحداث اختراق في أزمة سائرة إلى التصعيد.
وفي علامة على احتمال إخفاق الدبلوماسية الجزائرية، حذّر المجلس العسكري الحاكم في مالي بشدة في رسالة، الجزائر وعددا من الشركاء الدوليين من مخاطر تتهدد اتفاق سلام هام تم توقيعه مع فصائل مسلّحة في شمال البلاد.
ويتّهم الجنرال إسماعيل واغي وهو أحد أبرز قادة المجلس العسكري “تنسيقية حركات الأزواد” (الطوارق) وهي تحالف مسلّح سبق أن حارب السلطات في مالي قبل توقيع اتفاق سلام مع باماكو في الجزائر في 2015، بالانتهاك المتكرر للاتفاق وذلك في رسالة موقّعة بتاريخ 24 فبراير/شباط وموّجهة إلى وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة.
وتتضمن الرسالة تشكيكا في مصداقية الوساطة الدولية الداعمة لتنفيذ هذا الاتفاق. والجزائر هي التي قادت الوساطة التي شملت الأمم المتحدة والمنظمات الإفريقية والشركاء الأجانب وأي فشل دبلوماسي لن يكون إفريقيا فحسب بل دوليا بحكم أن الدولة الراعية للاتفاق هي من حشدت شركاء دوليين لتلك الترتيبات، على أمل ضمان تحصين الاتفاق الذي يقف على حافة الانهيار.
وأشار الجنرال واغي إلى أن “سلوك بعض الحركات يشكل عائقا أمام السلام”، متّهما “تنسيقية حركات الأزواد” بـ”تواطؤ مع المجموعات الإرهابية يزداد تجليا”.
وحذّر من أن الحكومة “مع تمسكها بتطبيق الاتفاق بذكاء، ترفض بالمطلق أي اتّهام من شأنه أن يحمّلها مسؤولية أي تداعيات قد تنجم عن انتهاكه”.
ويأتي التحذير في خضم توترات كبيرة بين أعضاء المجلس العسكري الذين تولّوا السلطة على أثر انقلاب نفّذوه في باماكو في العام 2020 من جهة، وبين الجهات الموقّعة على اتفاق الجزائر وفي مقدّمتهم ‘تنسيقية حركات الأزواد’، ما يزيد الضبابية التي تخيّم على مصير الاتفاق.
و’اتفاق الجزائر’ الذي وقعته الدولة المالية وجماعات موالية لها عام 2015 مع ‘تنسيقية حركات الأزواد’، التحالف الذي يهيمن عليه طوارق انفصاليون، وضع حدا للمعارك التي أشعلتها حركات التمرد الانفصالية والسلفية في الشمال عام 2012. أما الجهاديون فيواصلون من جهتهم القتال وقد أدّى ذلك إلى اتسّاع نطاق الأزمة الأمنية إلى وسط مالي وكذلك إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين.
واتفاق الجزائر متعثّر منذ سنوات وقد أعلنت ‘تنسيقية حركات أزواد’ في ديسمبر/كانون الأول تعليق مشاركتها في تنفيذه.
ويُعتبر اتفاق السلام من الأركان الأساسية لإعادة الاستقرار السياسي والعسكري في البلد الشاسع الذي تعصف به الحرب منذ اندلاع تمرد انفصالي في الشمال تلاه آخر جهادي عام 2012.
لكن عدة بنود فيه لم تنفّذ، خصوصا تلك التي تنص على إرساء اللامركزية في إدارة البلاد ودمج المتمردين السابقين في الجيش. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي أعلنت ‘تنسيقية حركات الأزواد’ تعليق التزامها بالاتفاق. وفي فبراير/شباط توقّع مسؤول مؤيد للمجلس العسكري الحاكم استئناف المعارك قريبا في شمال البلاد.
ميدل إيست أون لاين