ارتدادات الأزمة الأوكرانيّة في سوريا: موسكو أكثر قرباً من دمشق
ارتدادات الأزمة الأوكرانيّة في سوريا.. لم يكن وجود وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، في موسكو، لحظة توقيع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قرار الاعتراف باستقلال منطقتَي دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، مجرّد صدفة، أو تزامناً غير مدروس، وإنّما هو جزء من إعادة ترتيب للمشهد السوري الميداني والسياسي كاملاً، كجزء من التغيّرات السياسية الدولية التي فرضتها الأزمة الأوكرانية. الوزير السوري الذي زار موسكو تلبية لدعوة نظيره الروسي، سيرغي لافروف، شرح بشكل مفصّل، عبر لقاءات تلفزيونية وصحافية وخلال مشاركته في منتدى «فالداي» للحوار، الأوضاع السورية، وما آلت إليه الجهود السياسية لإنهاء الأزمة، كما أفرد مساحة كبيرة للحديث عن مخاطر الوجود الأميركي والتركي غير الشرعي في الشمال والشمال الشرقي من سوريا. كذلك، لم يكن مفاجئاً تأكيد دمشق، عبر تصريحات المقداد، وبيان أصدرته رئاسة الجمهورية، دعم الاعتراف باستقلال المنطقتَين المذكورتَين والاستعداد لبناء علاقات معهما، وتحميل «الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة» مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.
وفي وقت أظهرت فيه الأزمة الأوكرانية الأهمية الاستراتيجية والأمنية لسوريا بالنسبة إلى روسيا، عبر زيارة وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، دمشق، ولقائه الرئيس السوري، بشار الأسد، قبل أيام، وإشرافه على مناورات عسكرية ضخمة، بالإضافة إلى تخصيص نافذة ثابتة على الشاشات الروسية لقاعدة حميميم خلال رصد ردود الفعل على قرار الرئيس الروسي الاعتراف باستقلال «الجمهوريتَين»، رسّخت الأزمة الجديدة عمق التحالف الاستراتيجي بين دمشق وموسكو، التي أظهرت على لسان وزير خارجيتها موقفاً أكثر حزماً هذه المرّة من الوجود الأميركي في سوريا، ومن الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة. وتَرافق الحراك السياسي السوري – الروسي في موسكو مع آخر ميداني، حيث شهدت الساحة السورية احتكاكات متزايدة بين القوات الروسية والأميركية، أبرزها تحليق طائرات روسية فوق مناطق تضمّ قواعد أميركية، بالإضافة إلى قيام واشنطن بمناورات عسكرية مشتركة مع قوات «قسد» تمّ خلالها التدرُّب على استخدام صواريخ وقذائف مضادة للدروع.
ووسط هذه التجاذبات، فتحت موسكو الباب، مرّة أخرى، أمام «قسد» للانخراط في العملية السياسية عبر دعم اشتراكها في اجتماعات «اللجنة الدستورية»، المزمع عقدها الشهر المقبل، إذ اعتبر نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تَحول دون «الاتهامات الانفصالية» للأكراد، معرباً عن قلق بلاده على «وحدة الأراضي السورية»، في ظلّ المساعي الأميركية شمال شرقي البلاد. وفي وقت أكدت فيه «قسد» على لسان مسؤوليها، ومن بينهم بسام إسحاق، عضو الهيئة الرئاسية والرئيس المشترك لممثّلية «مجلس سوريا الديموقراطية» (مسد)، الذراع السياسية لـ «قسد»، رغبتها في المشاركة في أيّ حوار وطني حول مستقبل سوريا، تضع الدعوة الروسية «الإدارة الذاتية» وتركيا أمام اختبارات جدّية، في ظلّ الموقف التركي المتشدّد حيال «قسد»، التي تعتبرها أنقرة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي تُصنّفه على لوائح «الإرهاب».
وتأتي هذه الدعوة على هامش الصراع الروسي حول أوكرانيا، الذي تُظهر فيه تركيا، التي تسيطر على مناطق في الشمال السوري بينها إدلب حيث معقل الفصائل المتشدّدة، دعمها لأوكرانيا، واصطفافها العلني إلى جانب حلفائها في حلف «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة. ويتبلور هذا الاطفاف على الرغم من التأكيدات المتبادلة بين الطرفَين الروسي والتركي حول استمرار التنسيق العسكري في سوريا على أعلى مستوى، وفي وقت تستعدّ فيه أنقرة لاستضافة لقاء على مستوى وزراء الخارجية للدول الثلاث الضامنة لـ«مسار أستانا» (روسيا وإيران وتركيا) في أنطاليا في شهر آذار المقبل. كذلك، تمثّل الدعوة الروسية بوّابة أمام الأكراد للنفوذ إلى الجهود الدولية التي ترعاها الأمم المتحدة، بعد سنوات من استبعادهم من هذه المباحثات، الأمر الذي يعني في حال حصوله دفْعهم إلى التحوّل عن تبعيتهم لواشنطن، وسحب الورقة الكردية من يد الولايات المتحدة، أو على أقلّ تقديم دعم للتيّار الكردي الراغب في المشاركة في رسم مستقبل سوريا، على حساب منافسه المرتبط بواشنطن.
وعلى الرغم من احتدام التوتّر الروسي – الأميركي، يتابع المندوب الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، خطواته لعقد الجولة السابعة من اجتماعات «اللجنة الدستورية»، والمقرَّرة في العشرين من آذار المقبل في مدينة جنيف السويسرية، إضافة إلى جدولة مواعيد الجولتَين الثامنة والتاسعة في أيار وحزيران المقبلَين، مبدياً تفاؤله بتحقيق خرق في الجمود الذي شهدته الجولات الستّ الماضية، وخطّ مسودة أولية للدستور، تشكّل أرضية لبناء توافقات سياسية على طريق إنهاء الأزمة.