الإسلام السياسي: التوظيف الماكر لقدسية الرِّسالة (جرير خلف)

جرير خلف

 

ابتعاد الإخوان المسلمين السوريين الواضح عن الثورة السورية في مناطق الاشتباك، واختبائهم خلف الخطوط الخلفية، وفي كواليس المعارضة الخارجية، تعطينا تأكيداً لاستمرارية النهج الإخواني المدرب على قطف الثمرة فقط.

كلما توغلنا في النظر الى مصائب الوطن العربي كلما زدنا يقينا بأن علينا ان نتوغل أكثر؛ لكي نعرف التركيبة الحقيقية لهذه المنطقة، والتي جعلتنا نتفتت إلى ألف قسم وقسم يتناوبون التعامل مع ألف مصيبة ومصيبة، وكل مجموعة أو دولة او عرق أو طائفة تختلف مصيبتها عن الأخرى لنخرج بمفهوم أوحد (اننا لم نستطيع حتى التوحد في مصيبة بل كانت لنا مصائبنا المتنافرة).
ومروراً على مضاربنا، وعلى مصائبنا بحثاً عن نخبنا وطلائع فرساننا نجد أن هناك من يمسك بحبة "الاسبرين"، كحل وحيد لكل أمراضنا سنتناولها حكما حين تصل اللعبة إلى النهاية. هذا العلاج الأوحد هو التيار الإسلامي السياسي بشكل عام والإخوان المسلمون بشكل خاص.
علينا أن نعترف بأن التيار الإخواني يشكل لبنة رئيسية من المجموع العام في معظم الدول العربية؛ وبالوقت نفسه يشكل هذا التيار هاجساً كبيراً لدى أغلبية النخب السياسية، وصناع القرار الذين وجودوا أنفسهم أمام ضرورة التعامل معه، كونه القطب الرئيسي في معادلة أصبح لها حديثا قطبان فقط يتزاحمان على قيادة الجماهير، أحداهما إخواني والآخر ليس إخواني.
لقراءة المشهد الإخواني لبيان نقاط الالتقاء، أو الاختلاف معه علينا، أن نكون شفافين في دراسة عملية تسييس الدين وبحث تأثير الدِّين (السياسي) أو خلو السياسة من البعد الديني على ما مررنا في من أحداث، وكذلك لمعرفة دور هذه الأحداث في تشكيل صدمات ارتدادية تسببت فيها التيارات الدينية، وجرى تعميم نتائجها علينا لتعليل أو تفنيد أو نفي أو اثبات حقائق.
بداية، علينا إدراك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يبحث عن ملك أو عن سلطة أو عن دولة، بل كان يؤدي نشر رسالة الله في الأرض بممالكها وتجمعاتها المختلفة، ويبتعد عن التسلط السياسي في تأدية الرسالة، فقد خاطب السلاطين والملوك في حينها بألقابهم؛ في حين اختار اللقب الإلهي لنفسه "رسول الله"، فكانت خلاصة رسائله هي النصح لهم بأتباع تعاليم الإسلام بأركانه الخمسة حصناً منيعاً مأمولاً لهم وأمانة من الله عليه تأديتها كما أداها.
لم يطالبهم فعلاً أو قولاً بتغيير حكوماتهم لإمارات إسلامية وتسليم مقاليد الحكم له لبناء وتوسيع سلطته السياسية؛ بل كانت دعواته لإبلاغهم بتعليمات الله لإسباغها كنعمة من الله على رعاياهم ضمن ممالكهم وإمبراطورياتهم (الرسائل إلى هرقل الروم والى ملك حضرموت والى ملك الحبشة)، وكانت غزواته وجهاده من أجل الدعوة لا الدولة.
في العصر الحديث نرى أن معظم التيارات الإسلامية، التي برزت على الساحة السياسية، وضعت نصب أعينها الوصول إلى قيادة الدولة، واستخدمت الدين سلما للصعود السريع إلى هذه القيادة، واستخدمت نواتج الاستعمار من تخلف وفشل وضعف في الأنظمة مع استعمال ماكر لقدسية الرسالة، وروحانية التعاليم الاسلامية بالشكل البرغماتي.. حيث تعمل على استعمال الترغيب والترهيب الديني بطريقة معقدة وماكرة لصالح خطة الطريق الخاصة بها ليصبح الدين في خدمة مشروع دولة التيارات الاسلامية السياسية. في حين لا تمانع معظم هذه التيارات، وعلى الخصوص الإخوان المسلمين، باستعمال رخو لكل أشكال الحياة المدنية التي تجد فيها حججا وسائل هروب من مسؤولية التخلف والهزائم والفشل المتتالي للدولة (هذه الحالة وجدناها في إمارة غزة وقد نجدها في مصر لاحقا).
نجد أن هذه التيارات كانت على علاقة سلبية مع التيارات السلفية؛ وكذلك مع الدول ذات المنهج الاسلامي مثل السعودية التي وضعت الدولة في خدمة الدين ودون أن ترهق الحياة المدنية بتصعيد أقصى لمعاني الخلافة، وعملت على معالجة القوانين الوضعية التي تتلامس مع المضمون العام للعقيدة وضمن فضاء المملكة دون أن تعلن محاربتها للقوانين الوضعية التي تتعارض مع روح العقيدة لتخرج بذلك مفهوم الدولة المدنية التي تدين بالإسلام وتعمل به؛ ولا تستعمله في خارج اطاره الصحيح، وهذا لم يعجب الاسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين، لأنه قد يعري هذه التيارات ويحرجها امام الجمهور العام.
نرى البراغماتية (النفعية) بالشكل الواضح لدى الإخوان المسلمين في مجمل أركان الربيع العربي، فابتعاد الإخوان المسلمين السوريين الواضح عن الثورة السورية في مناطق الاشتباك، واختبائهم خلف الخطوط الخلفية، وفي كواليس المعارضة الخارجية، تعطينا تأكيداً لاستمرارية النهج الإخواني المدرب فقط على قطف الثمرة فقط، دون التعب في إنضاجها او زراعتها حتى (ربما كان تيار الاخوان قد زرع بذرا من نوع اخر في مكان اخر في وقت اخر ولكن الحصاد كان للحرية والكرامة).
كما أن إخوان الأردن لا يختلفون عن نظرائهم في الدول الأخرى، ولكن أمام استحالة الثورة الشعبية في الأردن لأسباب جوهرية أهمها أن الشعب لا يريد اسقاط النظام بل يتمسك فيه ويراه الحل الوحيد، فهم (الإخوان) يقودون حملة محمومة على الحكومة، وعلى مكونات الشعب للحصول على مكاسب سياسية ابتزازية، وكذلك لتخفيف الضغط عنهم جماهيرياً أمام استحقاق الواجبات الشرعية والمطلوبة منهم في فلسطين وسورية والعراق (كتيار عقائدي وحدوي مفترض).

 

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى