الإنتاج المحسّن
العقل بدون انفعال …. عقيم
ولكن الانفعال بدون عقل …. هستيريا !
أثناء ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968 قال طالب للمفكر والكاتب الفرنسي المعروف ، جان بول سارتر :
” لأنك تمثل جيلاً قد سقط ، فإني أطالبك ألا … تسقط ” .
وعندها أجابه سارتر : ” يجب أن تخشى أنت وجيلك من حماسة متوسطي الأعمار ” ولكن في النهاية ، لا بد من تحديث ما يعرفه هؤلاء الكهول . وعندما كان شعار الثورة : ” كن واقعياً وافعل المستحيل ” كان هذا الشعار يعيش في ظلال واحد من أطول الرجال في العالم ، قامة فوق 200 سم وقيمة : منتصر في تحرير بلاده من النازية …. ” شارل ديغول ” ومع ذلك فالثورة وتفاعلاتها أطاحت بهذه القامة .
لكن بغض النظر حدث أن الثورة لم تغيّر شيئاً كثيراً ، إلا في زمن توهّجها ” ربيعها ” حيث مورست القيم الفوضوية الأولى ، التي تعتبر ” جدة الحرية ” وفيما بعد أصبح معظم الطلبة القادة في الثورة أدوات بيروقراطية في الماكينة الضخمة للراسمالية والنظام المحافظ . الشيء الذي أدهش العالم هو هذا الطابع السلمي اليومي لممارسة الثورة اليومية في المدارس والجامعات والشوارع … حتى أن اتفاقاً جرى بين بعض أفراد البوليس وقادة الطلبة في أماكن معينة : مسموح لكم كحد أقصى الحجارة وفي حالات الدفاع الشديد ضد الهجوم الشديد : ويعني الضرب المبرح بالهروات .
وهكذا وطوال زمن الثورة ، لم يقتل سوى فرنسي واحد ، مشكوك بأن يكون ضحية عنف ، هذا ، طبعاً على الرغم من الشعارات التي تنطوي على تحريض مثل فلسفة ” بانديت ” زعيم الطلبة في باريس : ” العنف هو السعادة ! ” وعلى الرغم من تلك المرجعيات المثيرة للثوار وفي مختلف العواصم الأوروبية . مثل ثورة بتروغراد / روسيا / وهافانا / كاسترة / وكومونة / باريس / واللباس الموحد على الطريقة الغيفارية .
كان ملاحظاً ، أن الطلبة منتجو حالة ثورية تنطوي على فوضى ، ولكنها ، في الوقت نفسه ، تتضمن اللغة التي تحكم التفاهم معها والتي تنأى بها ، قليلاً أو كثيراً ، عن الرعاية . كان أحد التعريفات الساخرة من الهيئة التدريسية : ” أنتم الآباء البشعون ” وكان الجواب : ستصبحون مثلنا ، ولكن بطبعة مختلفة ، فالأبناء البشعون أسوأ، عادة .
حين انطلقت الرصاصة الأولى ، ذاهبة إلى الصدر الأول ، في الثورة السورية كان هم الطرفين ، سلطة ومعارضة ، التحقق من هوية الرصاصة لا بالتحقيق بل بالتهمة . وهنا بدأ المسار العبثي للقتل . وسيكون من البديهي ، بصفات سلطة كهذه ، أن تعتقد أن العنف أقصر وسيلة لإعادة الناس إلى البيت ، خصوصاً ذوي الحنجرة المستعملة لأول مرة في تاريخ نشوء الحناجر . ( إحدى الحناجر الغنائية اسئصلت كخطاب رمزي في العنف المخصص والممنهج ). هذا قبل عصر التشاؤم بثلاث سنوات ونصف ، حين كان قتيل واحد ، من أي طرف جاء يثير لدى الناس ما يسمى بقرف الأيام القادمة فيكفي بضعة قتلى لتدخل البلاد في ” عصر المجزرة . وهناك أسباب دائماً يجري الاهتمام بشرعيتها ، ثم لا يجري أي بحث في كيفية إلغائها كفعل يؤدي بالبلاد إلى تكرار اليوميات الدموية .
إن سجيناً واحداً يكفي للبرهان على أن هناك سجوناً . وكذلك قتيل واحد يكفي للبرهان على أن هناك قتل ! وعندما كنا أطفالاً كنا نخاف عندما نعبر مجرى ماء في الطريق إلى المدرسة لأن له اسماً مرعباً : ” ساقية القتلى ” . وقصتها أقل من الاسم حتماً: قتل أحد القرويين هنا ويال دمة على هذه الريحانة التي لم تكبر منذ تلك الأيام ابداً .
لم يحاول أحد إيقاف القتل ، مذ بدأ القتل ، وهو قد يكون أمراً مفهوماً في الصراعات ، حيث يكون هناك اعتقاد بأن طرفاً سيزيح طرفاً آخر بالعنف . المحاولة هنا تعني عدم مباركة الضرورة . وصولاً إلى ما وصلنا إليه من الاستنتاجات : ( ليس بأي ثمن الاحتفاظ بالسلطة ، وليس بأي ثمن الوصول إليها ) ثم يحدث ، وكأنه قانون ، أن يأتي آخرون ليزيحوا السلطة والمعارضة ، ويجلسون على الكراسي دماهم وأرجوزاتهم ، في مسرح العبث والمصالح ! وكم هي بليغة هذه الجملة لإينشتاين: ” يجب منع الحرب بسبب الاشمئزاز ”
أحياناً … أتذكر تلك الجدالات عن الثورة والتي تخطئ من لحظة المقارنات المغشوشة ، كالمقارنة بين الثورات باستعمال تفاصيل تريد الغلبة في النقاش . وطبعاً أتذكر بحسرة هذه الجملة :
ياصديقي : الثورة الفرنسية … ” أسوأ ” ما أنتجه نابليون
والثورة الروسية … ” أسوأ ” ما أنتجه ستالين
والثورة الكوبية … ” أسوأ ” ما أنتجه غيفارا
أما الثورة السورية ” فأفضل ” إنتجاتها …. أبو بكر البغدادي .
باستثناء وبانتظار من ستنصبه أمريكا ، بعد إزاحته من ولاية الرقة !