الإنفتاح العربي على سوريا : إلى أين ؟؟!
هب العرب لمساعدة سوريا بعد الزلزال. جاءت الوفود العربية إلى دمشق بما يدفع العرب إلى الإستبشار بعودة التنسيق بين الدول العربية بعد القطيعة والخلافات أثناء الحرب. فهل حقا ستتحول دبلوماسية الإغاثة الأخوية العربية الكريمة إلى التعاون والتنسيق السياسي بين سوريا والدول العربية بما يحمي مصالح الأمن القومي العربي ويصون الاستقرار الجيوسياسي للعرب في منطقتهم ودولهم ؟؟؟ وما الذي يحكم مثل هذا التطور المأمول شعبيا” والمتوقف على مبادرات الحكام والسلطات العربية ؟؟؟
بعد أكثر من عشر سنين اكتشف العرب أن القطيعة مع سوريا لم تكن مجدية أو فعالة، لذلك قرر الحكام العرب العودة للتعاون معها خاصة وأن المنطقة عرضة لارتدادات الصراعات الدولية المشتعلة من أوكرانيا إلى إيران إلى الصين إلى إسرائيل . . . الخ، ولابد من سوريا لأي تنسيق عربي قادر على حفظ الأمن القومي العربي وصون استقرار الدول العربية الجيوسياسي. وهذا أهم ما كان وراء إندفاع العرب بإتجاه سوريا ، ولكن هل غيّر العرب موقفهم مما يمكن تسميته بـ (القضية السورية). الواضح أن ما تغير هو (اللهجة) في الموقف العربي حيث ما زال المعنى المضمر والمغلف بالدبلوماسية يتضمن ضرورة قيام سوريا بـ( المصالحة والتفاوض مع المعارضة للوصول إلى حل سياسي) و ( وقف تهريب المخدرات) والتفريق في العلاقة مع إيران بين (إيران الداعمة للنظام) وبين (إيران المؤذية للدول العربية). هذه المعاني المتضمنة في مواقف الدول العربية متفاوته الدرجة ومختلفة الصياغة بين دولة عربية وآخرى. لكنها بالمجمل موجودة وأساسيه في الخطاب الدبلوماسي العربي كله.
بالمقابل فإن سوريا ترى أنها بعد السنوات الإثنتي عشرة من الحرب استطاعت (الانتصار على الإرهاب) و (الانتصار على مؤامرة التقسيم) كما استطاعت (الحفاظ على مؤسسات الدولة فاعلة وعاملة خلال الحرب ولو بالحدود الدنيا) وبعد تحرير معظم الأرض السورية وكسر قوة الإرهاب الأساسية وتثبيت الحكم تنطلق سوريا في عملية إعادة إعمار و استعادة تدوير عجلة الإنتاج معتمدة على الإكتفاء الذاتي ودعم حلفائها وأصدقائها. وتأسيسا” على كل ذلك فإن (حقيقة الواقع) الذي تنطلق منها سوريا ليس فيها معارضة على خلاف مع موالاة مما يستدعي حلاً سياسياً، وأن الواقع الذي انتج القرار 2254 لم يعد موجوداَ وبالتالي انتفت شرعية وفعالية هذا القرار وباتت سوريا تسعى بعد (انتصارها) إلى الولوج في (مسار الارتقاء السياسي الشامل) حيث تعمل على تحقيق مستويات أرقى من العدل والمساواة والمشاركة السياسية .و ترى سوريا أن (مسار الارتقاء) هذا خيار وطني لحكومة وشعب منتصر وهو يتجاوز ويرفض الحلول القائمة على (تغيير الحكم) المضمر في مطالب بعض الدول العربية المنفتحة على سورية كما تحس الحكومة السورية …
وكي ينجح الانفتاح العربي على سوريا لابد من أحد أمرين. الأول : أن يقبل العرب التعامل مع سوريا وفقاً ما تراه حقيقة و ما وصلت إليه من (انتصار شامل)، وهذا يحتم عليهم الإقلاع عن مطالب الحل السياسي والقرار 2254 والعلاقة مع إيران و و و الخ. أما الأمر الثاني : فهو قبول سوريا لمطالب العرب وانخراطها في حل سياسي وفق 2254 ومعالجة الوجود الإيراني بما يلبي مطالب العرب، فهل يتخلى العرب عن مطالبهم؟؟؟ وهل يمكن لسوريا أن تتخلى عما تحس انه (الانتصار الشامل ) الذي حققته؟؟؟ المؤكد الواضح أنه من المستحيل أن تقبل سوريا تلبية أي مطالب تخدش إحساسها بالانتصار او تضعف قوة إنجازها خلال السنوات الماضية، خاصة وأنها متمسكة بالسياسة التي تقول ( ما لم نعطيه بالحرب والنار لن نعطه بالدبلوماسية والسياسية ) ..
إذا كانت سوريا مصرة على الحفاظ على انتصارها الشامل فهل يمكن أن يقتنع العرب بالتعامل مع هذه الرؤية السياسية سعياً الاستكمال الانفتاح العربي و تحقيق التنسيق العربي الفاعل تجاه المخاطر والتحديات التي تهدد العرب من كل جانب؟؟؟ بالإجابة على هذا السؤال نعرف إلى أين سيصل الإنفتاح العربي على سوريا ..