الاتفاقية الحرام (1).. مؤامرة “سـايكس ــ بيكوــ سـازانوف”.. الثورة العربية الكبرى أو “الخدعة الكبرى”!!

هناك شخوص لعبوا أدواراً خطيرة على مسرح السياسة العربية قبيل الحرب العالمية الأولى وخلالها وبعدها، منهم: لورانس أم فيلبى، جيرترود، هوجارت، ستورز.. وغيرهم من أعضاء – المكتب العربى بالقاهرة – ممن وضعوا الخطط ومهدوا لاتفاقية «سايكـس – بيكـو» وأقاموا عروشا ودعموا أركانها، ومن تبوأوا هذه العروش ظلوا عملاء لبريطانيا، ينفذون مخططاتها مقابل «صفائح العملات الذهبية الإنجليزية»!

ومن هؤلاء الإنجليز، من قام بأدوار البطولة والبعض الآخر قام بأدوار الكومبارس فى «مسرحية – والتعبير لفيلبى»! أعدت فى القاهرة وبغداد والرياض وجدة وعمان ودمشق .. أقاموا عروشاً وكيانات مصطنعة مثل إسرائيل و«غيرها»! ومما لا شك فيه، أن التاريخ العربى فى تلك الحقبة قد تم تزييفه إرضاء لأسرة مالكة أو حاكمة.. وأن الحقائق التى تمس هذه الحقبة مازالت مستترة وراء أستار كثيفة من الزيف والتضليل!

اتفاقية «سايكس – بيكو – سازانوف»

عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى خططت دول الحلفاء من أجل تحقيق مآربها القديمة فى تقسيم ولايات المشرق العربى التابعة للامبراطورية العثمانية، وبدأ المخطط بإجراء مباحثات سرية خلال عام 1915 بين سير ومسيو «جاستون دوميرج –G.Doumerge» وزير خارجية فرنسا و«سازانوف – Sazanauf» وزير خارجية روسيا القيصرية، فى لندن وباريس وبتروجراد، وظلت المذكرات السرية متبادلة بين الدول الثلاث حتى مارس 1916 عندما تم التوقيع على معاهدة «بطرسبرج»السرية لتقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية وكان أهم بنودها:

1- منح روسيا القيصرية الولايات التركية الشمالية والشرقية.
2- منح بريطانيا وفرنسا الولايات العربية التابعة للباب العالى.
3- إنشاء إدارة دولية فى فلسطين يتم تحديدها بعد استشارة روسيا القيصرية وبالاتفاق مع بريطانيا وفرنسا وشريف مكة!

فى التاسع من مايو 1916 تم التوقيع على الجزء التنفيذى من معاهدة بطرسبرج بين الدول الثلاث، والذى اشتهر فيما بعد باسم المتفاوضين «مارك سايكس» عن الجانب البريطانى و«جورج بيكو» عن الجانب الفرنسى .. وبموجب هذه الاتفاقية يمنح قيصر روسيا: إسطنبول والمناطق المتاخمة لمضيق البوسفور وأربع ولايات متاخمة للحدود الروسية شرقى الأناضول، إلى خمسة أقاليم على النحو التالى:

1- المنطقة الزرقاء: وتشمل لبنان بدءاٌ من صور وتمتد شمالاً وتتسع فى تركيا لتصل إلى نهر دجلة شرقا وتتجاوز مرسيس غرباً وسيواس شمالاً، وتخضع هذه المنطقة بكاملها للحكم الفرنسى.

2- المنطقة الحمراء: وتشتمل الكويت والعسير وجنوب العراق حتى جلولاء، وتتضمن البصرة وبغداد وكربلاء والنجف وتخضع للحكم البريطانى.

3- منطقة (أ) وتشمل المنطقة الممتدة من رواندزوز فى كردستان شرقاً إلى جبل لبنان غرباً وماردين شمالاً وطبرية جنوبا، وتشمل الموصل وحلب ودمشق وتخضع لحكم عربى تحت النفوذ الفرنسى، وبما يضمن لفرنسا الأفضلية فى الشئون المالية والتجارية والوظائف العامة!

4- منطقة (ب) وتمتد من السليمانية فى كردستان شرقاً إلى حدود مصر غرباً وإلى العقبة والساحل الشرقى من الخليج العربى جنوباً، وتخضع للنفوذ البريطانى على نحو مماثل للنفوذ الفرنسى فى المنطقة (أ).

5- منطقة فلسطين وتخضع لحكم دولى تستشار بشأنه روسيا وشريف مكة، وتستخدم فرنسا ميناء حيفا كميناء حر، ولإنجلترا ميناء الإسكندرونة بالضفة نفسها، كما منحت الاتفاقية بريطانيا حق إنشاء خط سكة حديدية بين حيفا وبغداد لنقل قواتها الحربية وحرصت الدول الثلاث على إبقاء هذه الاتفاقية سراً مكنوناً، حتى تسلم البلاشفة الحكم فى بتروجراد فأسرع تروتسكى إلى نشرها كنموذج للشكل الاستعمارى الذى قامت على أساسه الحرب العالمية الأولى، وبادر جمال باشا الوالى العثمانى على سوريا وبإيعاز من ألمانيا إلى لفت أنظار العرب إليها ومناشدتهم العودة إلى الصف الإسلامى! وإلى خداع إنجلترا وفرنسا لهم.

كان الكشف عن هذه الاتفاقية السرية من أشهر الفضائح السياسية والدبلوماسية الخاصة بالمكر والغدر بالعهود فى التاريخ، لا سيما أنها جاءت بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من تعهدات ماكماهون للشريف حسين باستقلال ووحدة البلاد العربية، وزاد من جريمة بريطانيا، تلك المحاولات المضللة التى بذلها مكتبها العربى فى القاهرة !

وبالإضافة إلى عنصر الغدر وإنهاك حقوق الشعوب، كانت الحقيقة النفعية – جغرافيا وديموجرافيا – فى إخضاع المناطق الأكثر حضارة للحكم الاستعمارى المباشر، ومنح الاستقلال للمناطق الأقل حضارة !

وعقب الحرب العالمية الأولى، لم يلتفت أحد إلى هذه الاتفاقية عند التسوية النهائية، فقد وجدت كل من فرنسا وإنجلترا نفسيهما فى مأزق، بسبب انكشاف سرها، وأصرت فرنسا على التمسك بها مما استدعى عقد سلسلة من الاجتماعات بين «لويد جورج» و«كليمنصو» كان هدف فرنسا ضمان الاستيلاء على سوريا ولبنان، على الرغم من تدخل الرئيس الأمريكى ولسن، وإرسال لجنة «كينج – كرين» للتحقيق فى الموضوع، فقد ظل النزاع بين الدولتين المتحالفتين يتفاقم وتحول إلى عداء قومى وإعلامى، وفى الأول من سبتمبر 1919 تقدم لويد جورج بمقترحات تعترف فيها إنجلترا بحقوق فرنسا بالانتداب على سوريا بناء على تقاليد وبشكل جزئى، كما تضمنت المقترحات سحب القوات البريطانية من سوريا لتحل محلها قوات فرنسية فى الغرب وقوات عربية فى الشرق، وبالتحديد فى العقبة وعمان ودمشق وحمص وحماه وحلب، بينما المنطقة الساحلية على امتداد خط اتفاقية سايكس – بيكو تحت حكم الجيش الفرنسى، واحتفظت بريطانيا لنفسها بحق مد سكة حديدية وخط أنابيب نفط من العراق إلى ساحل المتوسط، وكان هدف لويد جورج توفير نفقات الاحتلال العسكرى فى منطقة لا تنوى إنجلترا الاحتفاظ بها، وطرح الاقتراح على المجلس الأعلى للحلفاء فى باريس فى 15 سبتمبر 1919 فوافق عليه كليمنصو بتحفظ واحد يتعلق بالحدود النهائية لمنطقة الانتداب، وبالتحديد حق فرنسا فى الاستيلاء على القسم الشرقى من سوريا أيضا، وهو ما فعلته..

وعارض فيصل بن الحسين هذا الاقتراح محتجاً بالبيان الأنجلو- فرنسى 1918 وبالتعهدات السابقة !!

مراسلات الحسين – ماكماهون

عندما نشبت الحرب العالمية الأولى كان أمام العرب طريقان: الوقوف إلى جانب الدولة العثمانية أو الثورة عليها وتحقيق استقلالهم عنها، حاول الشريف حسين التوفيق بين الاتجاهين، فأرسل مبعوثين إلى الزعماء العرب ومدى استعدادهم للثورة، وفى الوقت نفسه ظل على تواصل مع «ماكماهون» المعتمد البريطانى بالقاهرة، حيث رأت فيه بريطانيا الزعيم المأمول لقيادة القوات العربية ضد الأتراك، نظراً لمكانته كشريف، مكة المكرمة ونفوذه بين القبائل العربية فى الحجاز، إلا أن الباب العالى طلب منه تأييد الدولة العثمانيه وعودتها إلى الجهاد ضد دول الحلفاء وتحرج موقف الحسين، خصوصا عندما حاصرت أساطيل الحلفاء سواحل الحجاز، وعبر الحسين عن رغبته فى التفاهم مع بريطانيا فى رسالة بعث بها إلى «رونالد ستورز» المستشار الشرقى بالسفارة البريطانية بالقاهرة وألمح إلى أنه يستطيع قيادة أتباعه، بشرط أن تتعهد بريطانيا بمساعدته، وأتاه خطاب «كتشنر» وزير الحربية البريطانية يتضمن وعداً قاطعاً بضمان بقائه أميرا لمكة، وحمايته من كل أعتداء خارجى ومساعدة العرب لنيل حريتهم بشرط مؤازرة بريطانيا ضد تركيا، ونشأت المفاوضات بمراسلات بين الحسين والمعتمد البريطانى فى القاهرة عرفت فى الأوساط الدبلوماسية بمراسلات الحسين – ماكماهون.

بدأت هذه المراسلات والرد عليها فى 14 يوليو 1915 وكان آخرها رسالة من ماكماهون فى 10 مارس 1916 وهى العاشرة.. رسائل الحسين كانت تطالب بريطانيا بالوفاء بوعودها والاعتراف باستقلال كامل بلاد الشام بما فيها فلسطين، وكانت ردود ماكماهون تتضمن «التزام حكومة جلالة الملك» بضم فلسطين إلى حدود البلاد العربية، ومذكرات ماكماهون كانت تتولى إعدادها دائرة الاستخبارات السياسية بوزارة الخارجية البريطانية…

أخذ زعماء الحركة القومية العربية على الحسين انفراده بالتعامل مع بريطانيا ووثوقه الكامل بوعودها، وكان عليه إبرام معاهدة صريحة ملزمة مصادقا عليها، لكنها نكثت بوعودها وطعنت العرب باتفاقية سايكس – بيكو ثم وعد بلفور، والذى منح فلسطين للعصابات الصهيونيه ليقيموا عليها دولتهم!

خروج روسيا من تحالف الأفيال!

انتهت الحرب العالمية الأولى بانتصار إنجلترا وفرنسا وهزيمة تركيا وألمانيا، وخروج روسيا القيصرية من «تحالف الأفيال» لانشغالها بالثورة الشيوعية أكتوبر 1917 لكنها فى ذروة الثورة العربية أعلنت نصوص الاتفاقية السرية! وضع الروس فى اعتبارهم عدم تكرار ما حدث فى عهد محمد على باشا وإبراهيم باشا، ثم فى عهد إسماعيل باشا والعمل ومعهم أوروبا على تحجيم الإمبراطورية المصرية، وعدم تقدم الجيش المصرى – مرة أخرى – والذى وصل إلى حدود الأستانة، و ألحق عدة هزائم بالجيش والأسطول الروسيين، بطلب من الباب العالى فيما عرف بحرب القرم، وأشادت الصحف الأوروبية بأداء الجيش المصرى، كذلك عندما استعانت الدولة العثمانية بالجيش المصرى فى حرب البلقان 1876 – 1877 ضد الصرب والروس والتى وصلت فيها القوات المصرية إلى «وارنه» على البحر الأسود، وكان أداء الجيش المصرى بقيادة الأمير حسن باشا بن إسماعيل موضع إعجاب القادة العسكريين والصحف الأوروبية، وقضى الجيش المصرى على طموحات روسيا القيصرية وتطلعها إلى الاستيلاء على الآستانة وميناءى البوسفور والدردنيل مع انشغال تركيا بالفتن والثورات التى أشعلها الروس!

ضرب مشروع محمد على باشا، وأجبر على توقيع معاهدة لندن عام 1840 بعد أن ساندت دول أوروبا الباب العالى فى مواجهة الجيش والأسطول المصريين ووقف تمدد الإمبراطورية المصرية وجيوشها، التى شكلت خطراً على روسيا وأوروبا عامة! من أجل ذلك، سارعت روسيا القيصرية إلى المشاركة فى معاهدة بطرسبرج التى عقدت بينها وبريطانيا وفرنسا فى مارس 1916، واتفاقية «سايكس – بيكو – سازانوف» تمثل الجزء التنفيذى من معاهدة بطرسبرج، لتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية، وبموجبها كانت روسيا القيصرية ستحصل على الولاية التركية الشمالية والشرقية وشمال كردستان. المذكرات السرية كانت متبادلة وأيضاً الاجتماعات السرية بين وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية خلال الفترة من نوفمبر 1915 حتى 9 مايو 1916 بالتوقيع على الاتفاقية السرية الثلاثية، فرنسوا جورج بيكو القنصل الفرنسى السابق فى بيروت والمستشار السياسى بوزارة الخارجية، ومارك سايكس المندوب السامى البريطانى لشئون الشرق الأدنى، وسازانوف وزير خارجية روسيا القيصرية بنفسه!

كان «سازانوف» شديد الإعجاب بسياسة «بالمسترون»وزير خارجية بريطانيا عام 1840 ووضع رسالة بالمسترون إلى السفير البريطانى فى تركيا موضع اهتمامه الخاص والتى جاء فيها: «.. ومن مصلحة السلطان التركى أن يشجع عودة الشعب اليهودى إلى فلسطين، بإذن من السلطان وفى حمايته وبدعوة منه، ليكون حجرة عثرة أمام أى أهداف تخطر فى المستقبل بعقل محمد على أو من يخلفه، وأرجوك أن تضع هذه الاعتبارات أمام أعين السلطان والحكومة التركية بصفة سرية»!!

ووجد سازانوف فى المشاركة فى تلك الاتفاقية السرية تحقيقا لأطماع روسيا القيصرية بالاستيلاء على الولايات التركية الشمالية والشرقية، والخلاص من مشكلة يهود روسيا القيصرية بإيجاد وطن قومى لليهود فى فلسطين، الأمر الدى سيحقق أمن روسيا القيصرية بمنع مصر من التوسع وزحف جيوشها شرقاً ثم شمالاً!

كانت السلطات الروسية تفرض المزيد من القيود على يهود الدولة، وحصرت إقامتهم فى أماكن محددة، والتى وجد فيها بعض المثقفين اليهود ذريعتهم المنشودة فى محاربة فكرة الاندماج وضرورة البحث عن حل عملى للمسألة اليهودية.. سارع الحاخام صامويل موهيلفر إلى تأسيس حركة «أحبار صهيونية» التى دعت إلى استيطان أرض فلسطين وإحياء اللغة العبرية.. ولجأ صامويل إلى صديقه سازانوف الذى سعى إلى حصول الحركة على ترخيص من الحكومة الروسية باسم «جمعية دعم اليهود فى سوريا وفلسطين»! ومع ذلك ظلت مشكلة يهود روسيا تؤرق سازانوف خصوصا مع تصاعد حدة المجازر ضدهم !

وكانت تلك الأسباب الثلاثة التى دعت سازانوف للمشاركة فى هذه الاتفاقية السرية – أبرزها وضع حد للنفوذ المصرى الذى هدد حدود روسيا القيصرية، بإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين – غير أن الثورة الشيوعية 1917 أطاحت بالقيصر ونظامه وأسرته ونظامه وسازانوف نفسه، وكان الإعلان عن نصوص الاتفاقية السرية نهاية لأطماع روسيا القيصرية وسياسة سازانوف..

وتم عن عمد أو تغافل – إسقاط اسم سازانوف – فى جميع المصادر السياسية والتاريخية وبكل لغات العالم وعلى رأسها العربية، حتى اشتهرت تلك الاتفاقية السرية فقط ب «سايكس – بيكو»!!

المكتب العربى بالقاهرة وأخطر الأدوار!

هو أبرز الأجهزة المنفذة للسياسة البريطانية فى الشرق العربى، قبيل وخلال الحرب العالمية الأولى، وكان جهازاً مستقلاً فى دار المندوب السامى بالقاهرة برئاسة البريجادير «جلبرن كلايتون» رئيس المخابرات المدنية والعسكرية للقيادة العامة البريطانية فى مصر، وضم المكتب مجموعة من رجال الاستخبارات المتخصصة فى شئون الشرق العربى وضباط ورحالة وعلماء آثار ومستشرقون وجميعهم تعرفوا على المنطقة العربية قبل الحرب وادعوا صداقة العرب وبعضهم عملوا مستشارين لقوات الثورة العربية أبرزهم: توماس إدوارد لورانس وجون فيلبى وأورسى جور ود. هوجارث ورونالد ستورز سكرتير الشئون الشرقية للمندوب السامى ومصر وكانوا على صلة وثيقة بمكتب المخابرات الحربية البريطانية فى العراق والكويت برئاسة: كامبل طوسون ومعه مسز جيرترود بل، المستشرقة وعالمة الآثار والتى كان لها الدور الأبرز فى تكوين العراق الحديث، وأطلق عليها العراقيون «الخاتون» .. بالإضافة إلى الدبلوماسيين الشهيرين: ديكسون وبرسى كوكس.. ولقاءات دورية سرية كانت تتم سواء فى القاهرة أم البصرة أم بغداد، وكان المكتب العربى بالقاهرة على اتصال مباشر بوزارة الخارجية ووزارة الحربية البريطانيتين، وقد تولى المكتب وضع تقارير عن المنطقة العربية أمام مخططى السياسة البريطانية، كما كان يصدر نشرة سرية تتناول الأوضاع السياسية والعسكرية فى البلاد العربية كانت تسمى «النشرة العربية – Arab Bulletin» وكان للمكتب أخطر الأدوار فى التحضير لاتفاقية «سايكس – بيكو – سازانوف» كما أعد تقارير عن مدى إسهام العرب فى الحرب ضد الأتراك، وأعد منشورات لكسب الرأى العام فى فلسطين والدعوة لمناصرة الشريف حسين، وأنه يعمل بالتعاون مع الجيش البريطانى، وسعى المكتب إلى التأثير على الشريف حسين من أجل ضمان تأييده للسياسة البريطانية فى الشام بخاصة فلسطين، ثم اتجه المكتب لتركيز الاهتمام بالأمير فيصل بن الحسين لحملة على الاتفاق مع اليهود باعتباره «فرصته الوحيدة لجنى ثمار الثورة العربية»!

وفيما بعد، نجح كلايتون وهوجارت ولورانس فى تدبير لقاء بين فيصل ووايزمان رئيس البعثة الصهيونية فى 4 يونيو 1918 فى «العقبة» وأبدوا تفاؤلهم الأمر الذى سيحل مشكلة الحكومة البريطانية فى «تنفيذ وعودها للطرفين» والتمهيد للحصول من الشريف على اعتراف ب «الأمانى الصهيونية فى فلسطين مقابل الاعتراف به ملكاً على العرب»!

لورانس والخدعة الكبرى!

الكولونيل «توماس إدوارد لورانس» 1888- 1935والذى اشتهر ب «لورانس العرب» خريج جامعة أكسفورد، انضم عام 1911 إلى بعثة بريطانية للتنقيب عن الآثار بالعراق، قبل الحرب العالمية الأولى، كان قد تعلم اللغة العربية، وتنقل فى بلاد الشام، ثم ألحق بالمخابرات الحربية البريطانية فى مصر، كما ألحق بالمكتب العربى.. فى كتابه «أعمدة العكمة السبعة – Seven Pillans of Wisdom، London، 1926» والذى نسج فيه هالة من القداسة والأسطورية حول شخصه، والكتاب نفسه وصف لورانس «بأنه أكبر عمل أدبى حديث يتساوى مع رواية الحرب والسلام لتولـستوى»!

كتب لورانس عن العرب «لا أدرى كيف يمكن للإنسان أن يثق بالعرب أو أن يأخذهم على محمل الجد.. أنا عرفتهم جيداً ومعرفتهم لا تساوى العناء الذى تحملته لكى أعرفهم»!

فى نوفمبر عام 1968 نشرت صحيفة التايمز وثيقة بخط لورانس فيها «إننى فخور ومستريح الضمير، لأن الدم الإنجليزى لم يسفك فى المعارك الثلاثين التى شهدتـها، فالعرب الذين أتقنت خداعهم وسقتهم بمئات الألوف إلى مذابح انتصارنا لا يساوون فى نظرى موت إنجليزى واحد، وكنت أعرف مبكراً أن وعودنا لشريف مكة لم تكن تساوى الحبر الذى كتبت به» !!

وتزامن ما نشر فى التايمز مع ما كتبه الصحفى الأمريكى «إدجار مورر» فى شيكاجو تريبيون: أنه ذهب إلى الأردن ليتقصى من شيوخ القبائل عن دور لورانس، فأقروا أمامه أن «لورانس كان جبانا وكذاباً ومخادعاً، لم يشترك فى معركة واحدة، ولم يكن له دور فى القيادة، بل كان لزعماء القبائل الدور الأكبر مثل الشريف ناصر بن على وعضو ب الزبن وبخيت بـن درويش وسالم الرصاعى وعوده بـن أنجاد .. وحتى الألغام التى ادعى زرعها على خطوط السكك الحديدية كان يقوم بها ضباط إنجليز وعرب منهم: عبد القادر الجندى ومولود مخلص والشيخ عوده الحويطى، أما دور لورانس الحقيقى فما تعدى نقل العملات الذهبية الإنجليزية إلى الشريف والقبائل البدوية لشراء ولائها»! ويضيف ادجار: «لم يكن لورانس إلا كذاباً دعائياً جعل منه البريطانيون بطلاً فذاً وعبقرياً» !

هذا هو لورانس الذى أطلق عليه «ملاك العرب غير المتوج» و«سلطان الصحراء العربية» والذى حمل أرفع النياشين البريطانية !

وفى كتابه «ثورة فى الصحراء – Revolution in Desert» لخص لورانس سياسة بريطانيا فى جملة باللغة الدلالة: «لقد وضعنا بمهارة مكة فى مواجهة الأستانة والقومية ضد الإسلام» .. واستطرد بأنهم فكروا فى مستقبل العالم العربى بعد الحرب العالمية الأولى، ووجدوا أنه ينقسم إلى قسمين، ففى الشمال دول متقدمة نسبيا لوجود أنهار وفيرة وحضارات قديمة وطبقات نالت خطأ من التعليم، بينما فى الجنوب صحراوات جرداء لا يزال البترول فى باطنها، وكتب: «لو أننا أعطينا الاستقلال للدول المتقدمة نسبياً، فسرعان ما تتقدم وتتحول للصناعة وتصبح خطراً علينا، ولذلك منحنا الاستقلال لليمن والحجاز، وفرضنا الحماية والانتداب على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين»..

هكذا لخص لورانس سياسة الغرب فى تقسيم العرب ومنع تقدمهم اجتماعياً واقتصادياً وعلمياً! والولايات المتحدة التى ورثت الإمبراطورية البريطانية، تطبق نفس السياسة، فتضع «الثروة العربية فى مواجهة القوة العربية» حتى يفقد العرب جميعاً القوة والثروة معاً!!

وتجدر الإشارة إلى أنه طوال الثلاثة عشر عاماً الأخيرة من حياة لورانس، كان ونستون تشرشل وزير المستعمرات يرفضن لقائه – وهو الذى كان من أشد المقربين – ثم لفظه بعد أن أدى دوره.. ومع ذلك عند وفاة لورانس، أمر أن يدفن فى مقبرة سان بول التى تضم رفات أعظم قادة بريطانيا!

الحاج عبد الله فيلبى !!

الرحالة الأشهر وضاحب المؤلفات التاريخية والجغرافيا، الغزيرة والضابط والدبلوماسى 1885 – 1960 والذى كان مستشاراً سياسياً للملك عبد العزيز، ومن قبل الحرب العالمية الأولى، كان يعمل فى الظاهر كمسئول عن الدائرة السياسية فى البصرة، لكنه فى حقيقة الأمر كان عضواً بمكتب المخابرات الحربية البريطانية فى البصرة، كما كان عضو بالمكتب العربى بالقاهرة ..

اسـتـوقتنى فقرة دونها فيلبى فى كتابه «أربعون عاما فى البرية» ص 175 جاء فيها «هناك كراسة تربطنى بلورانس، وهى تتعلق بفكرة تحويل خارطة الشرق الأوسط، كانت تلك الكراسة بعنوان – الأروقة المقنطرة لحقبة زمنية منسية – من المحتمل أن تكون بالفعل قد أدينا دوراً فى ذلك التحول»! والأمر المؤكد أنهم أدوا أدوارهم ببراعة – تظاهر بالإسلام عام 1930 وأدى فريضة الحج واشتهر بالحاج عبد الله فيلبى وأصبح من أقوى المقربين حتى أثار بعضا من البلاط الملكى – فى المؤامرة الواسعة التى دبرتها بريطانيا وفى إطارها وزعت عملاءها وجواسيسها..

فيلبى يتظاهر بمناصرة آل سعود، ولورانس يتظاهر بمناصرة البيت الهاشمى، وجيرترود بل تتظاهر بمناصرة أمير حائل ابن رشيد، حليف الأتراك وعدو آل سعود.. كان لورانس يأمل بأن يحكم الأشراف الجزيرة العربية كلها، على الرغم من قناعة فيلبى مبكرا وعلى خلاف رؤية المكتب العربى: «أن رجل الأقدار فى جزيرة العرب هو عبد العزيز أل سعود وليس الشريف حسين بن على، هو رجل المستقبل القادر على تنفيذ سياسة بريطانيا فى المشرق العربى» وتناول فيلبى تفاصيل الحروب الطاحنة بينهما، بعد أن تدهورت علاقتهما حتى وصلت إلى درجة القطعية والعداء، لم يكن عبد العزيز ليرضى بأقل من سحق الهاشميين فى الحجاز، بينما يفاوض فيلبى الهاشميين ويتظاهر بمناصرتهم بوصفه «المشير الناصح الأمير» ويزود القبائل بالمال والسلاح لكى تنضم لصفوف الوهابيين.. كانت الثورة العربية فى أوجها، وعد الشريف حسين نفسه ملكاً للعرب، والأمر الذى لم يكن مقبولاً لدى عبد العزيز «وتطلب الأمر زيارة من رونالد ستورز لابن عبد سعود فى الرياض لينقل له الأهمية التى تعلقها الحكومة البريطانية على الملك حسين!» أيام عربية ص 193.

كما تحدث فيلبى عن دعم الأشراف والقبائل العربية بالعملات الذهبية الإنجليزية، تحدث أيضاً عن «حاجة ابن سعود إلى المال والسلاح إذا أرادت منه بريطانيا أن يحقق هدفها، لا سيما أن جميع وارداته لم تكن لتربو آنذاك على المائة الف جنيه فى العام تضاف اليها منحة سنوية قدرها ستون ألف ليرة ذهبية يتقاضاها من بريطانيا» !

وبينما كانت بريطانيا – ممثلة فى لورانس وفيلبى وستورز – تسرف فى وعودها للشريف حسين، وعقب توقيع اتفاقية سايكس – بيكو بنحو خمسة أسابيع كان الهجوم الكبير للوهابيين على الحامية التركية فى مكة المكرمة وذبح أكثر من 26 ألفا من أهلها ومن الأشراف، بالتزامن مع قصف الأسطول البريطانى لحصون جدة !

ووسط هذه التطورات السياسية والمعارك الرهيبة بين خصمين عربيين، أشار فيلبى فى أحداث مايو 1916- الشهر الذى وقعت فيه اتفاقية سايكس – بيكو – إلى التحرك الروسى فى العراق جزيرة العرب، فكتب «حدث فى مايو – بالمصادفة – أن مجموعة صغيرة من الضباط الروس حضروا عبر بلاد فارس لإجراء اتصالات رسمية مع قواتنا فى قطاع الكـوت.. ثم جاءوا لزيارة البصرة وتم الترحيب بـهم بحرارة أثناء إقامتهم وأعد لهم مطعم القسم السياسى حفلة عشاء كبيرة، قدم لهم فيها المأكولات والمشروبات الروسية احتفالاً بهذه المناسبة الفريدة! ولقد كان غريباً بالنسبة لأولئك الرجال الذين قاموا بتلك المسيرة الشاقة عبر جبل فارس، أن يحضروا حفل عشاء فى البصرة وهم يرتدون زيهم القوقازى الكامل، وكان هناك اثنان من ضباط استخباراتنا يتحدثون الروسية بطلاقة، ولذا فقد استمر المرح الصاخب إلى ساعة متأخرة من الليل»! أيام عربية ص 168 .

وكذلك تحدث عن الطيار الروسى «شيريكوف».. شخصية غريبة وسكير.. كان يعمل فى جدة لصالح الهاشميين، فكتب «أكد لى شيريكوف أن معظم الرسميين فى جده يريدون تعيينه رئيساً للأركان، واستعداداً منه لتسلم هذا المنصب كان يعد خطه لجلب نحو أربعين روسياً لقيادة الطائرات والدبابات التى كان يتم إصلاحها فى جدة بغرض تدمير السعوديين وطردهم من جدة، وبعد أن وصلت الطائرات قمت بزيارة أماكنها لمشاهدتها، وهناك عرض أن يوصلنى بسيارته للقاء القنصل الروسى «كريم خان حيمكوف».. كان شيريكوف يتقاضى راتباً شهرياً بلغ ستين جنيها إسترلينيا إضافة إلى خمسة جنيهات عند كل رحلة بالطائرة إلى جانب السكن المجانى والوجبات اليومية التى كانت تشمل زجاجة ويسكى يومياً يتقاسمها مع الميكانيكيين الروس!

أربعون عاماً فى البرية

تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد السوفيتى كان أول دولة تعترف بالمملكة السعودية – كما كانوا أول من اعترف بدولة إسرائيل – وأول دولة ترفع تمثيلها فى جدة بعد أربع سنوات من القنصلية إلى المفوضية ليصبح «حيمكوف» أول وزير مفوض فى السعودية، وبالتالى أصبح عميداً للسلك الدبلوماسى!

وكانت الإشارة الوحيدة فى كل مؤلفات فيلبى عن اتفاقية سايكس – بيكو تلك التى كتبها فى: أيام عربية ص 206 «وضعت معاهدة سايكس – بيكو فى عام 1916 التى ما زالت سرية صورة كاملة لتقسيم الأراضى العربية التابعة لتركيا بين إنجلترا وفرنسا، ولقد حازت الأخيرة على محافظة الموصل، بينما احتفظنا نحن ببغداد والبصرة.. وبدأ مواطنو بغداد المحبين للحرية يقولون إنه عندما يأتى دورهم فإنهم أيضاً لن يفوا بوعود تصدر عنهم تحت ضغط الحروب، ولهذا فإن الحاجة قد أصبحت ماسة لوجود صحيفة دعائية وبدأنا فى إحياء مشروع صحيفة العرب» !

وأشار فيلبى إلى أن الأوراق التى قدمها إلى برسى كوكس المعتمد البريطانى فى بغداد ومكتوب عليها «عاجل جداً» و«سرى» جعلت كوكس «راضياً تماماً عن النتائج التى تم تحقيقها» !

إمارة شرق الأردن

نجح الوهابيون فى اجتياح الحجاز بكامله، وضم إلى نجد ولقب عبد العزيز ب «سلطان نجد والحجاز» واقتنع تشرتل بوجهة نظر فيلبى بأن «عبد العزيز هو رجل جزيرة العرب»، وفى حماية البريطانيين نقل الشريف حسين وأسرته إلى قبرص وعاش بها حتى عام 1930 وعندما اشتد عليه المرض نقل إلى عمان وتوفى عام 1931 وعمل البريطانيون بقوة لتحجيم طموحات الوهابيين «حتى لا تصطدم بخطط ومشاريع المكتب العربى».. وتوصل المكتب العربى إلى فكرة تخصيص إمارة جديدة للهاشميين باقتطاع جزء تابع لفلسطين عام 1919 أطلق عليه «إمارة شرق الأردن» وتنصيب عبد الله بن الحسين بن على أميراً عليها، وتنصيب فيصل بن الحسين على سوريا ثم العراق .. تبنى الإنجليز إنشاء هذه الإمارة لخدمة أهدافهم السياسية، بينما رأى العرب أنها ستكون منطلق الثورة لتحرير الوطن العربى وإرغام بريطانيا وفرنسا على احترام العهود التى قطعوها على أنفسهم.. وتغلب دهاء الساسة البريطانيين وأدواتهم فى المنطقة على سذاجة الزعماء العرب، فتقلصت أحلام الأمير عبد الله وقبل بإمارة زائفة فى هذه البقعة من الأرض، وانتدب لورانس للعمل مؤقتاً كمعتمد سياسى بريطانى فى إمارة شرق الأردن، ثم خلفه فيلبى حليف ابن سعود وعدو عبد الله بن الحسين!

نهاية المسرحية ! رحلات «استكشافية» قام بها فيلبى فى أرجاء جزيرة العرب..

رحلات وجولات طاف فيها فيلبى ولورانس ما بين بلاد الرافدين وإمارة شرق الأردن وفلسطين وتركيا فى جو من المؤامرات والدسائس، فقد ارتبطا باليد الخفية ليقوما بأدوار البطولة فى هدم الممالك وإقامة الأخرى واللعب بمقدرات الشعوب!

وكم كان محقاً «الحاج فيلبى» عندما كتب فى لحظة صدق: «لم أر ضرورة للتدخل فى التطور الطبيعى للمسرحية، ولكن نهاية المسرحية كانت من نوع آخر لم يتوقعه أحد من المسئولين البريطانيين: فقد انتهى عصر الخلافة الإسلامية بعد أن أعلن مصطفى كمال إلغاءها !!

هل أدركنا حجم أقذر عملية غسل دماغ عرفها تاريخ الإنسانية، وهل عرفنا الفرق بين «الثورة الكبرى» و«الخديعة الكبرى» ومن كان المجرم.. ومن كان الضحية!

تفاهم فيصل ووايزمان !

فى كتاب «التجربة والخطأ» تحدث حاييم وايزمان – رئيس المنظمة الصهيونية العالمية عن لقائه بونستون تشرشل وفى حضور لورانس وفيلبى .. قال له تشرشل: «أريد منك أن تعرف أننى قد أعددت ترتيباً خاصاً، فأنا أريد أن أجعل من ابن سعود سيد الشرق الأوسط كله ورئيس الرؤساء بشرط واحد وهو أن يجرى تسوية معكم»! وتوجه إليه فيلبى قائلاً «اننى أعتقد أن قضيتكم لا يمكن حلها إلا بشرطين أولهما: أن يقوم مستر تشرشل والرئيس روزفلت بإبلاغ ابن سعود رغبتهما فى تنفيذ برنامجكم، وثانيهما أن عليهما أن يؤيداه فى سبيل سيادته على العرب، وأن يقدما له قرضاً يمكن من إعمار بلاده» !

وعقب رفض السوريين لجلوس الأمير فيصل على عرش سوريا، وفشل المخطط البريطانى، سارع تشرشل ومعه فيلبى ولورانس إلى تهيئة فرصة جديدة لفيصل فى العراق عقب لقائهما فى يونيو 1918 والتفاهم الذى تحقق بينهما على إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين !

حادثة العلم والبيان الأنجلو فرنسى 1918

خلال الحرب العالمية الأولى، كانت «حكومة صاحب الجلالة البريطانية» تحرص مراراً وتكراراً على التأكيد على حقوق العرب فى الحرية والاستقلال، ففى 15 يناير عام 1918 أعلن لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا فى خطاب عام «أن بريطانيا تعترف بحق فلسطين وسوريا والعراق فى الحرية والاستقلال وتكوين حكومات وطنية» !

وفى 8 فبراير 1918 أرسل بلفور – صاحب الوعد الشهير – برقية إلى الشريف حسين باسم الحكومة البريطانية ودول الحلفاء، جاء فيها «تؤكد حكومة صاحب الجلالة البريطانية مرة أخرى وعودها السابقة بتأييد استقلال العرب، ومساعدة البلاد العربية التى لم تنل استقلالها فى أن تحصل عليه عقب الحرب» !

والحقيقة أن أغراض الحلفاء كانت عكس ما وعدوا به العرب، واقتسام الولايات العربية التابعة للإمبراطورية العثمانية وجعلها مناطق نفوذ وتهيئة فلسطـين لتكون الدولة الموعودة للعصابات الصهيونية!

فى ذلك العام تحديداً، حاول الأمير فيصل بن الحسين أن يشمل لبنان بسلطته العربية فأرسل شكرى الأيوبى ممثلاً عنه إلى بيروت، ورفع الوطنيون العلم العربى هناك فى 3 أكتوبر 1918 تأكيداً لعروبة لبنان، وكانت هذه الحادثة «التاريخية» قبيل دخول القوات البريطانية والفرنسية إلى بيروت ببضعة أيام، فأثار ذلك غضب فرنسا التى ضغطت على الجنرال اللنبى ليأمر بإنزال العلم.. مما ولد هياجاً فى صفوف الجيش العربى وبين أبناء الشعب العربى، وزاد من حالة الغليان ما ذاع من أن بيروت ومدن الساحل السورى ستوضع تحت الاحتلال الفرنسى، مع توارد الأبناء بزيادة نشاط الصهاينة فى فلسطين، فاجتمع فيصل بالجنرال اللنبى، وأعلن أنه لا يستطيع كبح جماح القوات العربية إلا إذا أصدرت الدولتان المتحالفتان على الفور بياناً رسمياً يتضمن «صدق نياتهما» وأصبح لحادثة العلم صدى واسع بين الأوساط العربية التى اعتبرتها تأكيداً لسوء نيات الحلفاء، التى أفصحت عنها اتفاقية سايكس – بيكو ووعد بلفور.. وأمام تطور الأوضاع المنذرة بالخطر اتفق كل من انجلتر وفرنسا على إصدار بيان فى 7 نوفمبر 1918 يطمئن العرب فى العراق وسوريا وفلسطين ويؤكد عزم الحلفاء على تحرير الشعوب العربية «وتأليف حكومات وطنية منتخبة وتحقيق العدالة للجميع ونشر التعليم وتسهيل مهمة الحكومات التى ينتخبها الشعب بحرية»! وروج الحلفاء لهذا البيان فطبعت منه كميات هائلة ألصقت فى الأماكن العالية ونشرت فى الصحف المحلية، وتلى شفهياً من الموظفين العرب على جماهير الأميين !

مؤتمر لندن !

عقد هذا المؤتمر فى 12 فبراير 1920 فى أجواء نبذت فيها دول الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية) ميثاق عصبة الأمم وتجاهلت وعودها قبل الحرب وخلالها بتحرير الشعوب العربية والاعتراف بحقها فى تقرير مصيرها، وعقدت جلسات المؤتمر على أساس توزيع الغنائم حسب اتفاقية «سايـكس – بيـكو» وبحثت فى حصة كل دولة من الغنيمة، وانفض المؤتمر فى 3 مارس تاركاً مهمة إكمال توزيع الحصص وتفاصيلها إلى لجنة فرعية برئاسة لورد كيرزون وزير خارجية بريطانيا والتى عقدت 50 جلسة إحدى ضواحى باريس فى أكتوبر 1919 وأنهت أعمالها بوضع معاهدة فرضها الحلفاء على تركيا باسم «معاهدة سيفر» التى شملت المنطقة العربية بين البحر المتوسط غرباً والحدود الإيرانية شرقاً.. وفيها تم سلخ فلسطين عن سوريا، وقد اتفق الحلفاء بعد تقسيم المنطقة «على وضع فلسطين تحت انتداب دولة ينتخبونها، وهذه الدولة تكون مسئولة عن تنفيذ وعد بلفور بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين»!

مؤتمر سان ريمو

عقد المجلس الأعلى للحلفاء هذا المؤتمر بين 19 و 25 إبريل 1920 بمدينة سان ريمو بإيطاليا، وكان امتداداً لمؤتمر لندن فى فبراير 1920، وقد أسرع الحلفاء بعقد هذا المؤتمر للمصادقة على معاهدة سيفر عقب إعلان سوريا استقلالها وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً عليها فى الثامن من مارس 1920، وقد رسمت معاهدة سيفر مستقبل المنطقة العربية على أساس التجزئة والانتداب، طبقاً لمصالح دول الحلفاء دون أن يكون للعرب – الذين حاربوا إلى جانبهم أى شأن، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المؤتمر قرر أن يدعو مندوباً عن تركيا ليتسلم نسخة من وثائق معاهدة سيفر وينقلها إلى حكومته لتوافق عليها دون أن يكون لها الحق فى الاعتراض!

ومن الطريف أن لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا وجه فى 15 إبريل 1920 قبيل المؤتمر، دعوة إلى الأمير فيصل بن الحسين .. لكنها وللأسف «وصلت متأخرة جداً»!!

من «الخدعة الكبرى» إلى «الربيع العربى»!

وتمضى 100 عام على اتفاقية سايكس – بيكو.. واليوم تعيش الشعوب العربية أسوأ عصورها، والزعم بمحاربة الإرهاب ليس سوى ستار لتنفيذ مخطط دولى رهيب لإعادة – تقسيم المقسـم – بين الولايات المتحدة ونفس القوى التى صاغت سايكس – بيكو الأولى ومعها أطماع تركية وإيرانية وروسية وكيانات عربية مصطنعة تبحث عن دور.. وتتباين المسميات من “الفوضى الخلاقة” إلى “الشرق الأوسط الجديد” بينما يتم تفكيك وتقسيم العراق وسوريا إلى دويلات هشة على أساس عرقى أو مذهبى تحكمها حكومات ضعيفة أو عميلة! وسيأتى دور اليمن وليبيا وغيرهما! وما يحدث اليوم من إسقاط أنظمة وفناء جيوش ودمار بلاد واقتصادات قوية وجماعات إرهابية تمرح .. كل ذلك تم التخطيط له فى أروقة استخبارات الغرب والموساد وبتمويل عربى! والثورة العربية الكبرى أو «الخدعة الكبرى» لا تختلف كثيراً عن «الربيع العربى» !!

مارك سايكس (1919 – 1879)

مستشار سياسى ودبلوماسى وعسكرى ورحالة بريطاني. كان مختصاً بشئون الشرق الأوسط ومناطق سوريا الطبيعية خلال فترة الحرب العالمية الأولى. وقّع عام 1916 على اتفاقية سايكس-بيكو عن بريطانيا مع بيكو، عن فرنسا، لاقتسام مناطق النفوذ فى أراضى الهلال الخصيب التابعة بمعظمها آنذاك للدولة العثمانية المتهاوية. كان سايكس فى باريس عام 1919 يفاوض من أجل اتفاق سلام بعد الحرب العالمية الأولى، ومات هناك وعمره 39 سنة فى غرفته بالفندق متأثراً بمرض الإنفلونزا الإسبانية المنتشرة آنذاك.

الشريف بن على (1934 – 1890)

من أبطال الثورة العربية الكبرى. حيث عمل مع الأميرين على وفيصل على حشد القبائل لرفع راية الثورة، وأبلى بلاء عظيما فى قيادة جموع القبائل منذ اليوم الأول للثورة.

وفى مايو 1917م أسند إليه الأمير فيصل قيادة حملة إلى البادية السورية، فغادر إلى وادى السرحان يرافقه الشيخ عودة أبو تايه، بعد أن حشد قوة من رجال القبائل. عين حاكما على حلب وبعد معركة ميسلون 1920م عاد إلى الحجاز. وفى عام 1925م غادر إلى العراق وأقام فى بغداد إلى أن وافته المنية عام 1934م.

فرانسوا بيكو (1951 – 1870)

سياسى ودبلوماسى فرنسى وقّع اتفاقية سايكس-بيكو عن الجانب الفرنسى بعد الحرب العالمية الأولى لاقتسام مناطق النفوذ مع بريطانيا فى منطقة الهلال الخصيب وأراض أخرى كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية. حتى عرفت الاتفاقية باسمه وسايكس الذى وقع عن الجانب البريطانى.

هنرى ماكماهون (1962 – 1949)

السير هنرى ماكماهون، الممثل الأعلى لملك بريطانيا فى مصر (1862 – 1949)، اشتهر بمراسلاته مع شريف مكة، الشريف حسين بن على بين عامى 1915 و1916 خلال الحرب العالمية الأولى. منح عام 1920 وسام النهضة من الدرجة الأولى من ملك الحجاز. ورفع عام 1925 إلى درجة فارس العدالة فى نظام سان جون.

جورج كليمنصو 1929 – 1841

رجل دولة فرنسى، انتخب مرتين لرئاسة الحكومة الفرنسية الأولى فى الفترة بين 1906 – 1909 والثانية فى الفترة الحرجة بين 1917 – 1920، إذ قاد فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى. أصبح عضواً فى مجلس الشيوخ (1902 ـ 1920م)، ووزيراً للداخلية عام 1906م، ورئيساً للوزراء للمرة الأولى (1906 ـ 1909م)، اعتزل كليمنصو الحياة السياسية فى كوخ صغير يشرف على المحيط الأطلسى فى مقاطعته فونديه ندييه ، وتوفى فى 24 نوفمبر 1929م عن 88 عاماً.

جون فيلبى 1960 – 1885

هارى سانت جون بريدجر ، ويعرف أيضاً باسم “جون فيلبي” أو الشيخ عبد الله، هو مستعرب، مستكشف وكاتب، وعميل مخابرات بمكتب المستعمرات البريطاني. لعب دوراً محورياً فى إزاحة العثمانيين عن المشرق العربي، وخصوصا عن السعودية والعراق والأردن وفلسطين. أعلن إسلامه وخطب الجمعة فى الحرم المكى عن فضائل آل سعود على الهاشميين حكام الحجاز سابقاً. بعد ثورة العشرين فى العراق، عُيّن فيلبى وزيراً للداخلية فى حكومة الانتداب البريطانى بالعراق، وفى نوفمبر 1921 عُيـِّن رئيساً للمخابرات بحكومة الانتداب البريطانى بفلسطين وعمل مع لورنس العرب لفترة. فى عام 1939 رشح فيلبى نفسه لعضوية مجلس العموم البريطانى عن حزب الشعب البريطانى.

توماس إدوارد 1935 – 1888

لقب بـ “لورنس العرب “، ولد لأم من أسكوتلندا وأب من إنجلترا. وهو ضابط بريطانى اشتهر بدوره فى مساعدة القوات العربية خلال الثورة العربية عام 1916 ضد الدولة العثمانية عن طريق انخراطه فى حياة العرب الثوار وعرف وقتها بلورانس العرب، لاحقا كتب لورانس سيرته الذاتية فى كتاب حمل اسم أعمدة الحكمة السبعة، قال عنه ونستون تشرشل: “لن يظهر له مثيل مهما كانت الحاجة ماسة له”، لقى مصرعه نتيجة سقوطه من على دراجته النارية فى 19 مايو 1935م.

فيصل الأول 1933 – 1883

الملك فيصل الأول بن حسين بن على الهاشمي، ثالث أبناء شريف مكة حسين بن على الهاشمي، وأول ملوك المملكة العراقية (1921-1933) وملك سوريا (مارس 1920- يوليو 1920) ينتمى إلى أسرة آل عون الهاشمية، سافر الملك فيصل الأول إلى بيرن فى سويسرا فى 1 سبتمبر 1933، لرحلة علاج، ولكن بعد سبعة أيام أُعلن عن وفاته فى 8 سبتمبر 1933 إثر أزمة قلبية ألمت به.

هارولد ديكسون 1959 – 1881

ولد هارولد ديكسون بمدينة بيروت فى ولاية الشام بالدولة العثمانية فى 4 فبراير 1881، كان والده القنصل العام البريطانى بالقدس، فى أغسطس من عام 1915 انتقل إلى العمل فى الإدارة السياسة تحت رئاسة السير بيرسى كوكس، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 انتقل إلى البحرين، حيث عمل كوكيل سياسى بريطانى فى البحرين. تقاعد من العمل عام 1936 وعين ممثلا محليا أعلى لشركة نفط الكويت وتوفى فى الكويت 14 يونيو عام 1959.

هربرت كتشنر

كان مشيرا والقائد الأعلى للجيش البريطاني. بدأ ضابطا بسلاح المهندسين الملكي، ثم عين حاكماً على المستعمرات البريطانية بمنطقة البحر الأحمر فى عام 1886م، ومن ثم أصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة بالجيش المصرى فى عام 1892م. قاد كتشنر حملة الغزو الثنائى (البريطانى – المصرى) على السودان عام 1898م، والتى تصدت لها قوات المهدية فى معركة كررى الشهيرة، والتى أسفرت عن نهاية الدولة المهدية توفى عام 1916 إثر تحطم وغرق سفينة كانت تقله إلى روسيا بواسطة لغم ألمانى.

رونالد ستورز1916 – 1850

كان مسئولا فى مكتب الشئون الخارجية والاستعمارية البريطانى. دخل ستورز وزارة المالية المصرية عام 1904، بعد خمس سنوات من تعيينه “سكرتيرا شرقيا” للوكالة البريطانية، خلفاً لهارى بويل. عام 1917 كما شارك فى المفاوضات التى عقدت بين الشريف حسين والحكومة البريطانية وشارك فى تنظيم الثورة العربية عام 1917، أصبح “أول حاكم عسكرى للقدس منذ بيلاطس البنطي”، ، وفى عام 1921 أصبح ستورز الحاكم المدنى للقدس.

جمال باشا 1944 – 1881

قائد الجيش الرابع العثمانى ووزير البحرية، عين حاكماً على سوريا وبلاد الشام عام 1915 وفرض سلطانه على بلاد الشام، وأصبح الحاكم المطلق فيها. اشترك فى الانقلاب على السلطان عبد الحميد. وشغل منصب وزير الأشغال العامة عام 1913، ثم قائدًا للبحرية العثمانية عام 1914. قدم جمال باشا استقالته من منصب الوالى بعد تسلم الائتلافيين الحكم فى الدولة العثمانية، وقد غادر جمال باشا بغداد فى يوم 17 من أغسطس من السنة نفسها. وقُتل فى مدينة تبليسى عام 1922م.

صحيفة الأهرام المصرية (الأهرام العربي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى