الاستخبارات العسكريّة: ردود الفعل على الهجمات الإسرائيليّة بسوريّة والعراق ولبنان ستؤدي للتصعيد وحماس مردوعة والضفّة الغربيّة الهادئة ستنفجِر بعد “اختفاء” عبّاس وحزب الله الأكثر خطرًا
عرضت شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي (أمان)، تقدير الوضع السنوي للعام 2020، على مختلف الجبهات، حيث أشار إلى أنّ احتمال قيام أعداء إسرائيل بحربٍ استباقيّةٍ ضعيف، لكن هناك احتماليّة متوسطة إلى عالية للحفاظ على معادلات الرد في الجبهة الشماليّة مع الاستعداد للمخاطرة إلى حد الحرب، بمعنى أنّ ردود الفعل على الهجمات الإسرائيليّة في سوريّة والعراق ولبنان يمكن أنْ تؤدي إلى التصعيد.
وبحسب التقييم، فإنَّ حزب الله لا يزال يُشكل القوة المباشرة وغير المباشرة الأكثر أهمية التي تُهدد الجبهة الداخلية الإسرائيليّة، معتبرًا أنَّ قوات حزب الله المنتشرة على طول الحدود لا تُشكّل تهديدًا فوريًا، بل في حالة الحرب فقط.
ورأت شعبة الاستخبارات، أنّ اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيرانيّ الجنرال قاسم سليماني، يكبح الوضع على المدى القصير، لكن تداعياته المستقبليّة على المدى البعيد غير واضحة، مُشيرةً في الوقت عينه إلى أنّه في حال كثفت إيران تخصيب اليورانيوم فقد يكون بإمكانها إنتاج كمية كافية لإنتاج قنبلة نووية واحدة بحلول موسم الشتاء القادم، وأنّ عملية إنتاج هذه القنبلة قد تستغرق حتى العام 2022.
بمُوازاة ذلك، اعتبرت شعبة الاستخبارات أنّ الإيرانيين ما زالوا مهتمين بالالتزام بالاتفاق النوويّ، وأنّ الغرض من الانتهاكات أوْ خفض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015، هو تجميع أوراق ضغط للمساومة بهدف تحسين موقفها في اتفاقية جديدة.
عُلاوةً على ذلك، تطرّق التقدير إلى قطاع غزة، حيثُ اعتبرت “أمان” أنّ الجيش الإسرائيليّ نجح في ردع حركة حماس، التي تتمسّك بالتسوية، غير أنّ الحركة تُواصِل تعزيز قوتها، وهي جاهزة لإدارة قتالٍ في مواجهة إسرائيل قد يستمرّ لأيامٍ.
وحول الضفة الغربيّة، قالت الاستخبارات العسكرية إنّ هناك انخفاضًا في حجم العمليات التي ينفذها الفلسطينيون في الضفة، وتعتقد أنّ التحذير الاستراتيجيّ من احتمال حدوث تغيير في الوضع الأمني في الضفة الغربية مقابل السلطة الفلسطينيّة لا يزال ساري المفعول، ولكن قد يحدث مثل هذا التحول في ضوء صراع الخلافة في اليوم التالي لمحمود عباس، وأنّه ما دام أبو مازن في السلطة، فسوف يستمر في مقاومة طريق العنف، وبعد مغادرته للحلبة، قد يكون هناك تحول سلبي في الاستقرار الأمنيّ، على حدّ تعبير المُخابرات العسكريّة.
في السياق عينه، أصدر د. تشارلز فرايليخ، النائب السابِق لمجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ كتابًا مُخصصًا كلّه لموضوع “عقيدة الأمن القوميّ لإسرائيل- استراتيجيا جديدة في عصر من التحوّلات”، يشمل تطوّر العقيدة، من وضع مبادئها الأساسية من قبل ديفيد بن غوريون (الإنذار، الردع، والحسم)، مرورًا بتغيرات الوضع الأمنيّ لإسرائيل، وصولاً إلى الحاجة إلى تحديث أسس العقيدة الأمنيّة وجعلها تتلاءم مع الواقع الحاليّ.
المؤلِّف يُشدّد في كتابه على الحاجة إلى تعزيز القدرة الدفاعيّة لإسرائيل، حيثُ يقول: أعداؤنا تعرّفوا على نقاط ضعفهم في مواجهة الجيش الإسرائيليّ بساحة القتال، وسهولة إصابتنا في جبهتنا الداخليّة، ومضوا نحو مواجهةٍ طويلة الأجل تستند إلى مخزونٍ هائلٍ من القذائف والصواريخ، مُضيفًا أنّه لا يُمكِن لإسرائيل أنْ تخضع للابتزاز بواسطة الصواريخ، وأنّ الانشغال بفجوة الأسعار بين صاروخ اعتراضيّ غالي الثمن وصاروخ رخيص غير مهم، مُوضِحًا أنّ الصاروخ الاعتراضيّ يمنَع القتل، ويُوفِّر ضررًا كبيرًا على الاقتصاد، ويمنعنا من التورّط في حروبٍ ليست ضروريةً يمكن أنْ تؤذي أيضًا مكانة إسرائيل الدوليّة، بسبب قتلٍ جماعيٍّ لمواطني الأعداء، كما قال.
كما أنّ زعم المؤلِّف بأنّ حماس باتت مردوعةً وتبحث عن تهدئةٍ طويلة الأمد، وهو أمرٌ ليس صحيحًا لأنّه يتعارَض حتى مع إقرار قادة الكيان من المستوييْن السياسيّ والأمنيّ، الذين يؤكّدون بأنّ الردع الإسرائيليّ لم يتآكل مُقابِل المُقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، بل أكثر من ذلك: الردع اختفى، وهذا ربمّا يُفسِّر أنّ تنظيمًا صغيرًا جدًا مُقارنة بقوّة إسرائيل العسكريّة، ونقصد (الجهاد الإسلاميّ)، تمكّن خلال أيّامٍ من إطلاق مئات الصواريخ باتجاه جنوب الدولة العبريّة ومركزها، الأمر الذي شلّ الحياة في أكثر من نصف إسرائيل، ودفع رئيس الوزراء “سيّد الأمن” (!)، بنيامين نتنياهو، إلى استجداء مصر للوصول إلى تهدئةٍ مع (الجهاد الإسلاميّ)، وهذا ما كان.
المؤلّف د. فرايليخ، الذي شغل منصبًا حساسًّا للغاية بالمنظومة الأمنيّة الإسرائيليّة، واطلّع على الأسرار الدفينة يجزِم في كتابه أنّ الأعداء اكتشفوا “سهولة إصابتنا في جبهتنا الداخليّة، ومضوا نحو مواجهةٍ طويلة الأجل تستند إلى مخزونٍ هائلٍ من القذائف والصواريخ”، وهذا الإقرار يُضاف إلى الاعتراف الرسميّ الإسرائيليّ بعدم وجود منظوماتٍ دفاعيّةٍ لصدّ صواريخ (كروز) المُجنحّة الإيرانيّة، أيْ أنّ الحرب القادِمة ستكون طاحِنةً بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ، علمًا أنّ أقطاب الكيان يُقّرون جهارًا نهارًا بأنّ الجبهة الداخليّة ليس حاضرة وجاهزةً للحرب.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية