الانتخابات الأميركية: المنافسة بدأت!
بالنسبة لـ «الجمهوريين» و «الديموقراطيين»، تُعتبر المنافسة الرئاسية الأميركية خلال العام الجاري «انتخابات هرمجدونية» أخرى، لا سيما أن نتيجتها ستحسم عدداً من الملفات شديدة الأهمية ذات الصلة بالسياسات المحلية والخارجية للبلاد. وفي هذا الإطار، لا تفصلنا سوى أيام قليلة عن أول المؤتمرات الحزبية – في ولاية «أيوا» – حيث تُستهل الانتخابات التمهيدية. ولا يزال تقدير الاتجاهات العامة للناخبين في هذه الانتخابات «محض تكهنات» حتى الآن. كما أن هذه التقديرات هي الأكثر إرباكاً قياساً بأي انتخابات أخرى يمكن أن نتذكرها. لذلك، تكتسي «المؤتمرات الحزبية» المقبلة في أيوا أهمية كبيرة.
على الصعيد «الجمهوري»، لا يزال دونالد ترامب في صدارة الميدان، ممسكاً بزمام القيادة، فيما احتمال انتصاره يثير الرعب لدى قيادة الحزب، ممن لا يثقون بالتزامه المبادئ المحافظة، ويخشون من الدمار الذي يمكن أن يلحقه بفرص حزبهم في الوصول إلى البيت الأبيض وحتى في استمرار السيطرة على الكونغرس.
وترتكز مخاوف «مؤسسة الحزب الجمهوري» على عاملين رئيسين. فهي تدرك أنها مضطرة لتوخي الحذر عند مهاجمة ترامب كي لا ينفر منها مؤيدوه، لأن «الجمهوريين» سيحتاجونهم من أجل تحقيق الفوز في تشرين الثاني المقبل، موعد الانتخابات الحاسمة في مواجهة خصمهم عن «الحزب الديموقراطي». وثمة مشكلة أخرى تتمثل بعدم وجود بديل منطقي لترامب تؤيده المؤسسة، خصوصاً أن جميع المتنافسين الآخرين أداروا حملات ترشيح تفتقر بشكل كبير إلى الحماسة، وشنوا هجمات غير ملائمة على بعضهم البعض. ويظهر أحد استطلاعات الرأي الأخيرة مشكلة «الحزب الجمهوري». إذ أكد 20 في المئة من الناخبين «الجمهوريين» أنهم لن يصوّتوا لأي مرشح في تشرين الثاني بخلاف ترامب، بينما قال 20 في المئة آخرون إنهم لن يصوتوا لترامب إذا أصبح مرشح الحزب، وهذه معضلة كبرى!
في الواقع، فإن المنافس الحقيقي الوحيد لترامب في هذه المرحلة، هو تيد كروز، وهو مرشح آخر مناهض لـ «مؤسسة الحزب الجمهوري»، وفي حين تخشى قيادة الحزب الجمهوري من ترامب، فإنها لا تحبّذ كروز في الوقت نفسه.
والانتخابات التمهيدية والمؤتمرات الحزبية في أيوا بالغة الأهمية، لأنه إذا فاز ترامب فيها ومضى قدماً في تحقيق الانتصار في نيوهامبشير، فسيكون في وضع جيد يؤهله للفوز بالترشيح الجمهوري. وبرغم ذلك، فإذا فاز كروز، الذي يُعتبر المرشح المفضل للمسيحيين الإنجيليين، في أيوا، فمن الممكن أن يُخرج ترامب عن مساره، ويحدث ديناميكية مختلفة تماماً للمنافسات في نيوهامبشير وما بعدها. وستبقى مشكلات عدم وجود مرشح مفضل لمؤسسة الحزب، وما ينبغي فعله مع مؤيدي ترامب، موجودة، لكن الانتخابات ستصبح مختلفة تماماً بالنسبة لـ «الحزب الجمهوري».
أما على صعيد «الحزب الديموقراطي»، فثمة بوادر لتراجع هيلاري كلينتون ولتلاشي فرضية كونها المرشح «الحتمي» للحزب، وذلك في ظل التحدي القوي والمفاجئ الذي يمثّله غريمها بيرني ساندرز. وقد عززت السياسات التقدمية المرتكزة على جملة من المبادئ الواضحة التي يسوّق لها ساندرز، من فرص ترشيحه، وأظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن نسبة تأييده في ولاية أيوا باتت متقاربة مع نسبة تأييد كلينتون، فيما يبدو أنه سيتفوق عليها بشكل حاسم في ولاية نيوهامبشير.
وبمثل ما هو الحال عليه بالنسبة لـ «الجمهوريين»، تبدو أيوا مهمة لـ «الديموقراطيين» أيضاً. فإذا خسر ساندرز الانتخابات التمهيدية في الولاية، فإن حملته المتمردة ستتواصل من دون شك، لكن من دون الطاقة نفسها. أما إذا فاز في كل من أيوا ونيوهامبشير، فسيغير ذلك من ديناميكية المنافسة بأسرها، وسيبث طاقة إضافية لدى مؤيديه، بينما يكشف في الوقت ذاته نقاط ضعف كلينتون كمرشحة، بيد أن ذلك لن يكون حاسماً، لأن «مؤسسة الحزب الديموقراطي» لديها الكثير من المخاوف بشأن ساندرز، التي تشبه، بمعنى من المعاني، مخاوف «الجمهوريين» من ترامب.
وفضلاً عما سبق، ثمة مبعث قلق آخر يتقاسمه كثير من «الديموقراطيين»، وهو يتمثل بأنهم، برغم رغبتهم في الحفاظ على البيت الأبيض والسيطرة على مجلس الشيوخ، يخشون من الاستقطاب الحزبي الذي لطالما أدى إلى شلل الحياة السياسية في واشنطن. لذلك، فإذا ما أصبح ساندرز حامل لواء الحزب في القصر الجمهوري، يخشى كثير من «الديموقراطيين» أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الشرخ السياسي الناتج عن زيادة منسوب التصريحات الحاقدة من قبل «الجمهوريين»، وهو ما من شأنه أن ينتج مزيداً من الشلل في عمل المؤسسات.
وفي مقابل احتمال فوز كلينتون في أيوا وتداعيات ذلك على مسار الحملة الانتخابية لكل من المرشحين «الديموقراطيين»، فإن فوز ساندرز في كل من أيوا ونيوهامبشر، من شأنه أن يفرز نتيجتين محتملتين. إحداهما أن تكتسب منافسة كلينتون وساندرز مزيداً من الزخم، وتستمر حتى خروج أحدهما منتصراً في نهاية المطاف، وإن كان منهكاً. والاحتمال الثاني أن يتم الضغط على نائب الرئيس جو بايدن لإعادة النظر في قراره ومن ثم دخول السباق. وبرغم أن بايدن فاتته مواعيد الترشح للمنافسة في عدد من الولايات، لكن ثمة ولايات كبرى يمكن أن يخوض فيها السباق، والنتائج فيها إن أتت لمصلحته ما زالت تسمح له بالتأهل للاقتراع النهائي. وفي مثل هذا السيناريو، سيصـــبح ساندرز وكلينـتون في مواجهة بايدن.
صحيفة السفير اللبنانية