التصدّع بالهوّية العراقية الموّحدة ما زال سارياً (1)
أجرى الحوار: فرهاد محمد (إربيل( رئيس تحرير (كولان ميديا)
حوار مع الباحث والمفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان
مقتطف: في إطلالة جديدة للباحث والمفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان عبر (كولان) يطرح كعادته من خلالها العديد من الأفكار الجديدة التي تشغل المواطن العراقي، إضافة إلى النخب الفكرية والثقافية والحقوقية، وهي أفكار تتسّم بروح الشعور بالمسؤولية والجرأة والنقد. وتسلط الضوء على العديد من المشكلات الحقوقية والسياسية فيما يتعلق بالدستور وألغامه وتفسيراته وتأويلاته والانتخابات المقبلة ومآلاتها وسيناريوهاتها المحتملة، كما يتناول موضوع الفيدرالية وآفاقها، ويدعو إلى تعزيزها وترسيخها بمزيد من الفهم المشترك والحوار والثقافة الفيدرالية، وإرادة سياسية موحدة.
إنه حوار يفتح آفاقاً جديدة من خلال إجابات غير تقليدية راهنة ومستقبلية، مُجدّداً موقفه التاريخي من دعم الشعب الكردي وإيمانه بالإخوّة العربية -الكردية، وبالمشترك الإنساني.
وقد إلتقته مجلة (كولان)على هامش زيارته لإربيل وخلال محاضرته في “معهد البحوث والتنمية” التي كانت بعنوان “جيوبوليتك الشرق الأوسط واللحظة العراقية الراهنة”.
* نشرتَ في الآونة الأخيرة كتابا بعنوان “الهوية والمواطنة- البدائل الملتبسة والحداثة المتعثرة”، وقد أثار اهتماما كبيراً، وطبع مرتين خلال فترة قصيرة، كيف يمكن أن تسلّط الضوء على الأزمتين الرئيستين اللتين يعاني منهما العراق، ونقصد أزمة الهوّية العراقيّة وأزمة المواطنة؟ وهل من الممكن أن نجد حلاً لهاتين الأزمتين في المستقبل المنظور أم أنهما مستمرتان لحين وصول العراق إلى حالة من الفوضى العارمة التي يغرق فيها؟
–تصدّعت الهوّية الجامعة بفعل عوامل عديدة تراكمت مع مرور الزمن، خصوصاً أنها شهدت نمطاً من العسف والاستبداد وعدم الاعتراف بالهوّيات الفرعيّة، ناهيك عن محاولات التسيّد وفرض الاستتباع، الأمر الذي ولّد ردود فعل شديدة للتفلت من الهيمنة والتهميش من جهة، ومحاولة الانبعاث والتمسك بالخصوصية إلى درجة الانعزال أحياناً من جهة ثانية. وفي كلتا الحالتين- والمقصود الهيمنة أو ضيق الأفق والإغلاق- كانا قد أضعفا الشعور بالانتماء المشترك إلى هوّية موّحدة ومواطنة فاعلة ومتكافئة.
والهوّية تقوم بالأساس على الثقافة واللغة والتاريخ المشترك وأحيانا الجغرافيا، أيّ العيش في مكان جامع، فإذا كان ذلك ما يجمع عرب العراق، فإنه هو ذاته ما يجمع كرد العراق أيضاً، الأمر الذي يقتضي المساواة في إطار العيش معاً وفي ظل مواطنة موّحدة، مع احترام الخصوصيات الإثنية واللغوية والسلالية والدينية وغيرها وكل ما يتعلق بخصائص المجموعات الثقافية وهوّياتها وتراثها وعاداتها وتقاليدها وآدابها وفنونها، ناهيك عن حقوقها المشروعة والعادلة.
إن التصدّع الذي أصاب الهوّية الموّحدة في ظل نظام الاستبداد والتمييز ألحق أضراراً خاصة بالهوّيات الفرعيّة، لا سيّما محاولات تهميشها أو الانتقاص منها بزعم أنها “أقليات” وقد إنعكس ذلك كرد فعل سلبي وغير عقلاني على العملية السياسيّة التي قامت بعد الإحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، والتي تمثّلت بتأسيس مجلس الحكم الإنتقالي الذي تكوّن من 25 عضواً، جرى تقسيمهم وفقاً لنظام محصصاتي طائفي إثنيّ حيث، مُنح فيه الأغلبية للشيعة (13 عضواً)، والمقصود الشيعية السياسية، و(5) للسنيّة السياسية، و(5) للكرد، و(1) للتركمان، و()1 للكلدوآشوريين. وجرى الأمر على هذا المنوال في إطار نظام أقيم على الزبائنية السياسية والمغانم الطائفية والإثنية.
وإنتهج الدستور الدائم الذي تم الإستفتاء عليه في إطار جدول أمريكي(15 تشرين الأول/أكتوبر 2005) ذات المنهج، وأجريت أول انتخابات على أساسه في (15 كانون الأول /ديسمبر) من العام نفسه، وكان الرئيس جورج دبليو بوش قد حدّد فترة انجازه إلى (15 آب /أغسطس من العام 2005) قبل هذا التاريخ، أقول إقتفى هذا الدستور ذات التوجه التقسيميّ باعتماده على مبدأ المكوّنات الذي جاء كصيغة تقسيميّة طبعت الدستور وحيثياته، إذ ورد مصطلح المكوّنات في المقدمة (مرتان) والمواد 9 و12 و49 و125 و142. وليس ذلك سوى إعلان صريح وواضح عن صيغة محاصصة طائفية- إثنية بإطار قانونيّ، بحيث أصبح التشبث بالمكاسب الطائفية والإثنية والحزبية أمراً مقبولاً وعرفاً سائداً ومكرّساً بدستور، وذلك على حساب الهوّية العراقيّة الموّحدة. ناهيك عن الهويات الفرعيّة التي أخذت هي الأخرى تضيق على نفسها بسبب منافسات وإنقسامات حزبوية غير مشروعة في الكثير من الأحيان، وهو الأمر الذي انعكس سلباً على عناصر المواطنة المتصدّعة أصلاً.
فالمواطنة تقوم على مبادىء الحريّة، ولا مواطنة حقيقيّة وفاعلة وحيوية دون حرّيات، والحرّيات ليست فوضى، بل احترام حقوق الآخر على قدَم المساواة وعدم التجاوز عليها بزعم الأغلبية أو الأفضليّة أو ادعاء امتلاك الحقيقة أو غير ذلك. كما تقوم المواطنة على مبدأ المساواة وستكون ناقصة وغير كاملة دون مساواة تامة وشاملة وقانونيّة وفي المجالات المختلفة. ولا مواطنة سليمة وفاعلة دون مساواة. كما أن التمييز وعدم المساواة يشوّه المواطنة ويعرّضها للتصدّع. والمواطنة تستوجب العدالة، ولاسيّما العدالة الاجتماعية، وستكون المواطنة ناقصة ومبتورة بغياب العدالة، علما أن المواطنة لا تستوي مع الفقر. وتفترض المواطنة عاملاً مهمّاً وأساسيّاً وهو الشراكة والمشاركة، والمقصود بالشراكة الوطن الواحد وعلى قدم المساواة والعدل والحرية، أما المشاركة فهي تعني الحق في توليّ الوظائف العليا دون تمييز بسبب اللون أو القوميّة أو اللون أو الجنس أو الأصل الاجتماعي أو الاتجاه السياسيّ أو الخيار الفكري.
الخطوة الأولى لاستعادة الهوّية العراقيّة الموحدة والجامعة والمتسامحة والعادلة والمستقرة، تبدأ بإقرار صيغة قانونيّة لـ”المواطنة المتساوية” والمتكافئة، وذلك بإجراء تعديل شامل للدستور، واستبعاد صيغة التقاسم الطائفي – الإثنيّ التي اختبأت وراء مصطلح المكوّنات، والتي لا تعني سوى المُحاصصة التي كانت أحد أسباب فشل العملية السياسية. ولعل اقرار مبادىء المواطنة في دولة تعتمد قواعد الحق وحكم القانون دون أيّ تمييز ولأي سبب كان، سيكون أحد عوامل استعادة الهويّة العراقيّة الموّحدة في مجتمع متعدد الثقافات.
أرى من الصعوبة بمكان حاليّاً الوصول إلى صيغة مماثلة، كالتي نتحدّث عنها، في المدى المنظور، لعدم توّفر إرادة سياسية موّحدة، ولأن هناك قوى ومجموعات طائفية وإثنية مستفيدة من الصيغة الحاليّة، وعكسها ستخسر الكثير من مصادر نفوذها وقوّتها، ولذلك ستحاول التمّسك بصيغة المحاصصة وعرقلة أيّ جهد لإستعادة الدولة لأحد مصادر قوّتها الأساسيّة حتى لو ادعت أنها ضد نظام التقاسم الطائفي والإثني، إلا أنها تعمل ليل نهار على الإبقاء عليه. وأود هنا أن أشير إلى أن بعض مواد الدستور جامدة ويصعب تغييرها دون توافق سياسيّ مُسبق. وهذا كما أشرت صعب إن لم يكن مستحيلاً دون تغييرات جذرية وجوهرية تشمل إعادة النظر بمجمل النظام السياسيّ.
*في البداية إذا نحن نتحدّث عن “رجل دولة” في العراق يكون قادراً على اتخاذ القرار… هل توجد برأيك صفة “رجل دولة” ضمن إطار السياسيين العراقيين داخل العملية السياسية؟ وهل يفتقد العراق كبلد لمثل هذه المواهب مثل الدول الأخرى، وهو بلد الحضارات؟
ـ كمراقب ومتابع للوضع السياسيّ في العراق، يصعب عليّ أن أتحدث عن “رجل دولة” أو “نساء دولة” في إطار ما نعرفه من مبادئ علم الإدارة الحديث، خصوصاً لمن يتولى المسؤوليّة لاسيّما السياسية في العراق. والذين إستلموا مقاليد الأمور بعد الإحتلال وبمساعدته لم يعملوا بمجملهم سابقاً في الدولة، ولم يتعرّفوا على دواوينها ونُظمها وطرائق عملها، ولم يتعلّموا خلال ذلك فترة وجودهم في السلطة، بل انغمسوا في الصراعات، ناهيك عن المنافسات والمناكفات والحصول على الإمتيازات والمغانم، ولم تكشف لنا تجربة الـ18عاماً عن شخصيات وازنة يمكن الإشارة إليها في هذا المجال، والأمر يعود بحسب وجهة نظريّ إلى عدد من الأسباب:
أولها، إن التشكيلة التي وصلت إلى سدة الحكم كانت بفعل عامل خارجيّ، والمقصود بذلك الإحتلال، لاعتبارات خاصة به وباستراتيجيته، ولم تعتمد على الخبرة والتجربة والكفاءة، بل على الولاء وربما على التبعية في الكثير من الأحيان.
وثانيها، أن المجموعة التي حكمت العراق خلال الفترة الماضية، لم يكن لها رؤية واضحة عن كيفية بناء الدولة، وعكست المناقشات التي أوردها استطلاع “منتدى بحر العلوم” و”معهد العلمين” بشأن “أزمة العراق سيادياً” بعد مرور هذه الفترة الطويلة، عن فقر الخلفيّة الفكريّة والتعويليّة على الخارج، ولاسيّما بعد سنوات من توليّ 5 رؤساء وزراء، و5 رؤساء برلمان. ويمكننا القول إن الأطروحات التي قدّمها القادة السياسيون الذين أداروا البلد عكست منهجاً قاصراً وفهماً محدوداً لمسألة السيادة داخلياً وخارجياً. وبكل المعايير لم يترّشح مفهوم البناء والتنمية المستدامة خلال فترة توليهم المسؤولية، بل غرقت البلاد بالفساد الماليّ والإداريّ والغنائميّة والامتيازات على حساب تدهور الوضع المعاشي والصحيّ (خصوصاً في ظل جائحة كورونا) والتعليمي والخدمي، فعلى الرغم من نحو بليون دولار (ألف مليار دولار أمريكي) كانت واردات العراق من النفط إلا أنها تبددت وهُدرت دون أن يعود مردودها على المواطن، بل إن نسبة الفقر حسب إحصاءات الأمم المتحدة قاربت من ربع سكان البلاد وظل العراق يعاني من شح الماء الصافي في الكثير من المناطق، إضافة إلى النقص الفادح بالكهرباء.
وثالثها، إن الإجراءات التي أقدمت عليها سلطة الإحتلال، ولاسيّما في حلّ الجيش وقانون الاجتثاث، خلقت فوضى عارمة، حيث أخذت مجاميع ما دون الدولة تصبح ما فوقها بفعل ذلك، مثل المرجعيات الدينية والعشائرية والجهوّية والحزبيّة وغيرها، والأمر صار عرفاً يكاد يكون سائداً، فلا تتشكل حكومة دون قول فصل لبعض الشخصيات الدينية المؤثرة في النجف، مثلما لها القول المسموع في بقاء الحكومة أو زوالها حتى وإن قامت بانتهاكات خطيرة وجسيمة، في حين أن الدولة الحديثة والمعاصرة والتجارب الديمقراطية، حتى في جنينيتها تفترض إعلاء شأن الدولة لكونها فوق جميع المرجعيات والتي من واجبها احترامها ورعايتها ودعمها، وذلك طبقاً للقانون واعتماداً على حكمه في ظل قضاء يتمتع بالكلمة العليا في الفصل بالمنازعات التي تنشأ.
وحتى لو كان بلدنا في بداية الطريق وعانى سنوات طويلة من الاستبداد والديكتاتورية، إلا أن المؤشرات المنظورة لا تشي بأن ثمة خطوات على هذا الطريق، وحتى لو أُعلنت بعض التوجهات الصحيحة، إلا أن الاعتبارات السياسيّة والحسابات الضيقة تحول دون ذلك، وسرعان ما تصاب بالتلكوء، إن لم يكن المراوحة والعجز.
لبناء مختبر ومطبخ وعقل الدولة من رجال ونساء، سواءً في المواقع الأولى أو ما تحتها من مستشارين ومدراء وأصحاب قرار وخبرة وكفاءة يفترض تعزيز قيم الدولة، من خلال وجود مؤسسات، تعتمد الكفاءة خارج الدوائر الضيقة كالمحسوبية والمنسوبية والأتباع والمُوالين أولاً. ثانياً، الاحتكام إلى القانون الذي يُعد المرجع الأساس والخلفيّة التي لا غنى عنها لتسيير أمور الدولة، عبر موظفين أكفّاء يملكون قدرة استنباط الأحكام وتكييفها ضمن المشهد العام بما يحقق العدل والإنصاف مع الحرص على حقوق الجميع دون تمييز.
ثالثاً، استقرار الأوضاع، فكيف لصاحب القرار أن يتخذ قراراته وهو تحت تهديد السلاح أحياناً، إذ أن انتشار السلاح خارج القانون ووجود مجموعات مسلحة يُعيق إتخاذ القرارات الصحيحة، الأمر الذي يفرض إخضاع حق امتلاك السلاح واستخدامه للدولة ومؤسساتها النظاميّة حصراً، وإلا فإنّه لا يستطيع أن يقوم بمهماته على أكمل وجه.
رابعاً، لا يمكن اتخاذ القرارات بحرّية ودون ضغوط في ظل نظام المحاصصة الطائفية- والإثنية لأن الأساس في صيغة من هذا القبيل هي دون الدولة، وتعني فيما تعنيه تقديم الولاء على حساب الكفاءة، وهذا الأخير سيجلب الموالين أيضاً، وسيقف عائقاً أمام نشوء كفاءات ورجال دولة أو نساء دولة طالما يقدّم الولاء على الكفاءة. أي أنه يستبعد الموظفة أو الموظف الكفء والمخلص للدولة والوطن، مقدماً عليهما الانتماء الطائفي أو والإثني أو العشائري أو الحزبي أو الجهوي أو غير ذلك من الانتماءات الضيقة.
أختم الجواب على سؤالك المهم بالقول يمكن لبلدنا وهو غنيّ بالكفاءات وصاحب حضارات عريقة نشأت على أرضه، أن يُحقق تنمية مستدامة عبر اعتماد حكم القانون في ظل مؤسسات ومواطنة سليمة ومواصفات للموظف العموميّ ولاسيّما للخبراء والمستشارين أساسها الوطنية الكفاءة، بعيداً عن الدوائر الضيقة التي تحمل فيروسات التعصب، وهذا الأخير إذا ما استفحل يصير تطرّفاً، والتطرّف إذا تحول إلى سلوك ينتهي إلى العنف، والعنف إذا ضرب عشوائيّاً يصبح إرهاباً، وإذا ما تخطى الحدود واستهدف خلق رعب وفزع وهلع وإضعاف ثقة الدولة بنفسها وثقة المجتمع والفرد بالدولة يصبح إرهاباً دوليّاً.
*حاليّاً يتحدّث بعض المراقبين والسياسيين عن حالة الدولة واللاّدولة، والأمر له علاقة بإشكالية الهوّية العراقية كدولة، ماذا تقول من جانبك كمثقف ومفكر بذلك؟ وكيف تنظر إلى هذه الحالة في العراق؟ وما هو مستقبل العمليّة السياسيّة؟
– ما تزال الدولة تترنح منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003 ولم تستقر أو تتخذ اتجاها نحو الاستقرار، لأسباب خارجيّة وأخرى داخليّة، فالسيادة ظلت معوّمة ومجروحة منذ غزو قوات النظام السابق للكويت في العام 1990 وصدور قرارات دوليّة تفرض عقوبات بحق العراق، ولم يتم استعادة السيادة كاملة حتى بعد زوال الأسباب.
السيادة تعنيّ بسط الدولة سلطانها على جميع أراضيها ومواطنيها، أيّ أن تكون سلطتها على كامل ترابها الوطنيّ، فالأرض أحد عناصر السيادة، والحكومة هي العنصر الثاني، أيّ وجود سلطة تتمتع بقدرتها على فرض قوانينها وأنظمتها على مواطنيها، أما الشعب فهو العنصر الثالث، وهذا يعني وجود حكومة مؤهّلة وقادرة على فرض قوانينها وسلطتها على جميع مواطنيها. والحكومة إذا حظيت بثقة الناس وقدّمت منجزاً، فإنها ستتمتع بالشرعية السياسية، وإذا طّبقت حكم القانون فإنها ستحظى بالمشروعية القانونية.
ومثل هذا الأمر يغيب عن بلدنا لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية، فقد عاش العراق ظروف احتلال عسكري حتى نهاية العام2011، وإن بقيت تأثيراته تعاقدياً أو تعاهدياً بإتفاقية الإطار الإستراتيجي. وعاد الأمر إلى طاولة النقاش والجدل المحتدمين إثر استقدام قوات أمريكية وأخرى تابعة للتحالف الدولي بعيد احتلال “داعش” للموصل في العام 2014 وتمدده إلى نحو ثلث الأراضي العراقية، وبعد طرده في نهاية العام 2017 بدأت بعض القوى تتحدث تلميحاً أو تصريحاً بضرورة خروج القوات الأمريكية من العراق.
وقد اتخذ البرلمان العراقي قراراً بذلك في مطلع العام 2020 إثر مقتل قاسم سليماني قائد قوات القدس وأبو مهدي المهندس قائد الحشد الشعبي، على الرغم من استمرار الاختلاف في الموقف إزاء ذلك عراقيّاً، فممثلي التحالف الكردستاني لم يحضروا جلسة التصويت، وكذلك من يسمون أنفسهم ممثلين عن السنّة.
ليس هذا فحسب، بل إن النفوذ الإيراني تغلغل في العراق بشكل كبير، وأصبح منذ العام 2003 مؤثراً في القرار العراقي، ولا سيّما بعد العام 2005، وذلك حين استعرت الفتنة الطائفيّة، بعد تفجير مرقديّ الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء العام 2006، حيث أخذت تتشكل مجموعات مسلّحة مدعومة من إيران إلى درجة أصبحت قوة توازي قوة الدولة وتتغوّل عليها أحيانا.
وعلى الرغم من انضوائها بعد تأسيس الحشد الشعبي تحت قيادة القوات المسلّحة إثر احتلال الموصل، إلا أن ثمة استعراض للقوة وممارسة لها خارج نطاق الدولة والقانون، تقوم بها القوى المسلحة والميليشيات بما فيها قصف السفارات ومواقع القوات الأمريكية والدوليّة العسكرية، وهو ما أثار ويثير لغطاً كبيراً حول مستقبل الدولة العراقية، في ظل انتشار السلاح ووجود التشكيلات المسلحة، والتي يطلق عليها البعض “الميليشيات الولائيّة”.