التلفزيون السوري والنكهة التي ضاعت منه!
خاص باب الشرق
ظهر الدكتور صباح قباني مع أول إطلالة للتلفزيون العربي السوري، وفي جعبته رسالة حضارية، تليق باليوم الذي انطلق فيه البث في 23 تموز عام 1960، ففي ذلك اليوم، كان جمال عبد الناصر يشعل المنطقة العربية بسياسته القومية والوطنية، ويؤسس لعقل جديد بدأ يجتاح المنطقة العربية، ويخيف الغرب ويثير اهتمام الشرق، ومن عاش أو قرأ عن تلك الفترة يعرف ذلك.
ولم يكن ثمة وقت كاف لإنضاج فكرة من هذا النوع، لكن الدكتور صباح قباني قبل التحدي، وأطلق البث الأول، في احتفالية عامة شارك فيها أبناء دمشق في المقاهي والساحات العامة، والجميل أن التلفزيون تمكن بخطوات متتابعة من فرض وجوده على المجتمع، أي أنه حقق نجاحاً هاماً في وقت قصير، ويبدو أن من الضروري إعادة قراءة تلك التجربة والوقوف عند أسباب النجاح فيها، لكي ننصف التاريخ ونتعلم منه، فماذا فعل الدكتور صباح قباني في عملية التأسيس لكي يطلق واحدا من أهم المحطات العربية على صعيد البث المرئي؟!
في خطواته الأولى، بحث عن الخبرات المبدعة القادرة على مساعدته في تلك التجربة، ثم أوفد عدداً من العاملين كخلدون المالح وعلاء كوكش وغسان جبري لاكتساب خبرات خارجية، كما استقطب سهيل الصغير من أميركا مذيعا ومخرجا مختصا وأوكل إليه أهم دائرة في التلفزيون هي البرامج .
كذلك اتكأ على الفن فاتصل بالفنان دريد لحام الشاب الموهوب الذي لفت نظره في مسرح الجامعة وأقنعه بأن مكانه الحقيقي هو في دائرة الإبداع التلفزيوني، فتورط دريد لحام في نجومية الفن تاركاً مكانته العلمية كأستاذ في الجامعة، ورسم ملامح أولى للدراما الساحرة، وسريعاً تدفق الفنانون من المسارح والإذاعة وتوهجت الاستوديوهات القليلة بحركة صادقة ودافئة لتحقيق حلمها.
أطلق التلفزيون العربي السوري نجومه في التقديم، فإذا نحن أمام ظهور حضاري للمذيع العربي في النموذج السوري، فقدم لنا التلفزيون أسماء لامعة كعادل خياطة ومروان شاهين وخلدون المالح .
حتى السينما ، فتحت نافذة لها من خلال القرار بإحداث دائرة الشؤون السينمائية جرى تطويرها لتقديم منتج يليق بالتلفزيون. ولذلك ظهرت الدراما السورية وتألق نجومها، وظهر البرنامج التلفزيوني السوري وتألق نجومه، ولذلك صار ضروريا أن يكون التلفزيون في كل بيت .
وسنة بعد سنة ، كانت سمعة التلفزيون تتطور وأخذت حجماً جديداً من سمعتها وخاصة بعد حرب تشرين ، وقد وصل الإنتاج السوري التلفزيوني إلى مرحلة اكتساح السوق العربي..
ما الذي جرى للتلفزيون بعد ستين عاما على تأسيسه؟!
هذا السؤال مطروح اليوم على مساحة الوسط الفني والإعلامي السوري، وحتى السياسي، وهو سؤال نوعي يأتي في وقته وزمانه، فالزمن الذي نعيشه هو أدق من المرحلة التي انطلق فيها التلفزيون، ومن المراحل التالية رغم صعوبتها، فهل فقد هذا الجهاز الإعلامي مقومات نجاحه؟ وهل يعجز اليوم عن مواكبة أقرانه في التلفزيونات العربية ؟ ومن المسؤول عن ذلك؟! هل هي الحرب أم الإدارات أم الفساد أم منهجية الإعلام المتبعة نفسها؟!
يعيش التلفزيون اليوم على وهج تألقه القديم، فيجتر الأعمال الناجحة التي أنتجها أيام زمان، وينتج أعمالا رديئة لا تصلح للبث حتى في سنة 1960، وهو يشبه رجلاً وصل إلى الستين من عمره ولم يتركه المرض قادرا على المشي فلا يجد سوى السقف وذكريات مرت على شبابه.
والمطلوب اليوم تحويل العيد الستين للتلفزيون إلى محطة مفصلية تنتقل في الإعلام السوري إلى حيث ينبغي أن يكون ، وعلى ذلك يتطلع السوريون إلى حيوية تليق بهذا المنجز الذي تلاشى ألقه.
باب الشرق