التوتر يتصاعد شرق المتوسط والانفجار ينتظر عود الثقاب.. هل السبب الحقيقي هو احتياطات الغاز الهائلة والتنافس عليها ام انه صعود العثمانية الجديدة والاحقاد التاريخية بين اليونان وتركيا؟ وكيف سيكون موقف حلف “الناتو” اذا انفجرت الحرب؟
تتصاعد حدة التوتر في مياه شرقي المتوسط بسبب التنافس على مصادر الطاقة من غاز ونفط في المنطقة، وارسال تركيا سفينة تنقيب “الريس عروج” محمية بثلاث سفن حربية الى قبالة السواحل القبرصية في منطقة متنازع عليها، وتؤكد تركيا انها جزء أساسي من مياهها الإقليمية.
فرنسا أرسلت ثلاث طائرات رافال، وطائرات عمودية هجومية، وثلاث فرقاطات عسكرية، اما دولة الامارات “البعيدة” فأرسلت 16 طائرة من طراز “اف 16” دعما لليونان، تحت غطاء المشاركة في مناورات عسكرية ردا على مناورات تركية مماثلة.
هايكو ماس، وزير الخارجية الألماني، الذي تقوم بلاده بدور وساطة لخفض التصعيد، قال ان التوتر الحالي بين تركيا واليونان وصل الى ذروته، وأي شرارة يمكن ان تؤدي الى كارثة، وهذا الرجل يعرف الحقائق عل الأرض جيدا.
السبب المباشر المعلن هو التنافس على الثروات الغازية والنفطية، اما غير المباشر فهو الصراع التاريخي بين البلدين، أي اليونان وتركيا، والصراع التاريخي الإسلامي الأوروبي، وقلق أوروبا من عودة العثمانية الجديدة، والتدخلات العسكرية التركية في المنطقة، وخاصة في ليبيا وسورية والعراق، مضافا الى ذلك استفزازها من معظم دول شرق المتوسط لتركيا وفرض عزلة عليها، من خلال ابعادها عن نادي غاز شرق المتوسط الذي يضم اليونان ومصر ودولة الاحتلال الإسرائيلي وقبرص والسلطة الفلسطينية.
الدراسات الامريكية الحديثة تقدر مخزون الغاز في المنطقة البحرية شرق المتوسط بحوالي 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وحوالي 1.7 مليار برميل من النفط، واكبر حقول الغاز “ظهير” يقع قرب السواحل المصرية ويحتوي على 30 تريليون قدم مكعب، يليه حقل افروديت القبرصي اليوناني بحوالي 18 ترليون قدم مكعب، وأخيرا حقل حيفا المحتلة بإحتياط في حدود 8 تريليون متر مكعب، علاوة على حقول الغاز السورية واللبنانية التي ما زالت غير مستغلة، وهذه ثروة واعدة لدول المنطقة تقارن بنظيرتها الخليجية.
اللافت ان الاهتمام الأمريكي في المنطقة تراجع في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، فالعلاقات الامريكية التركية ليست في احسن ايامها، حيث قررت أمريكا تجميد مشاركة تركيا في برنامج انتاج طائرة “اف 35” (الشبح) ردا على قرار الرئيس اردوغان شراء منظومة صواريخ “اس 400” الروسية، ولكن كان لافتا مشاركة فرقاطة أمريكية في مناورة حربية تركية بحرية قبل أسبوعين، الامر الذي يذكر بالموقف الأمريكي في ليبيا الذي يلعب على كل الحبال حتى الآن.
جميع الأطراف المتورطة في هذا الصراع، تقول انها لا تريد الحرب، وتتطلع الى الحوار للوصول الى تسوية سلمية، ولكن التحشيدات العسكرية مستمرة ومتصاعدة في ظل تكتل أوروبي بزعامة فرنسا يقف خلف اليونان، بينما لا يؤيد تركيا أوروبيا حتى الآن غير جزيرة مالطا، رغم ان تركيا عضو مؤسس في حلف الناتو.
لا نعرف كيف سيتطور هذا الصراع، ولكنه يبدو اكثر تعقيدا بما يصعّب أي حلول سلمية جذرية له، خاصة انه ينعكس على شكل حرب بالإنابة في ليبيا حيث تواجه تركيا تحالفا يضم فرنسا ومصر واليونان والامارات وروسيا، بينما لا يقف في خندقها الا حكومة الوفاق الليبية ودولة قطر.
ربما يتأخر الحل العسكري او يتأجل، ولكن الامر المؤكد ان سباقا للتسلح قد بدأ فعلا، ولعل الانباء التي ترددت عن عزم تركيا شراء صفقة جديدة من صواريخ “اس 400” الروسية هو اول الغيث، وربما ترد اليونان ومصر بشراء المنظومات الروسية نفسها، اما دولة الامارات الخصم الألد لتركيا فتتطلع لشراء طائرات “اف 35” الامريكية الذي كان احد شروط اتفاق السلام مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
القيادة التركية تحارب حاليا على عدة جبهات في وقت واحد، الأولى سورية، والثانية ليبية، والثالثة ارمنية، اما الرابعة الوشيكة فهي شرق متوسطية ضد اليونان وحلفائها.
هل من الحكمة فتح كل هذه الجبهات دفعة واحدة، وعدم وجود دولة عربية واحدة قوية الى جانب انقرة؟ والسؤال الآخر هل ستكون تركيا تعيش هذه العزلة لو استمرت علاقاتها قوية مع سورية والعراق ومصر الى جانب روسيا وايران؟
نترك الإجابة لتطورات أوضاع المنطقة في الأسابيع والاشهر المقبلة.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية