التوتّر الأمني في الجنوب: فصل جديد من «حروب الميليشيات»
يوماً بعد يوم، يرتفع منسوب التوتّر الأمني في محافظتَي درعا والسويداء، ليتحوّل أخيراً إلى شبه حرب، استُخدمت فيها مدافع الهاون وقذائف الدبّابات. الفصل الأحدث من تلك «الحرب» بدأ مع ساعات الفجر الأولى من يوم الثلاثاء، حين حاول عدد من عناصر فصيل «رجال الكرامة» (فصيل مسلّح في السويداء) استهداف إحدى المزارع في بلدة القريّا التي يسيطر عليها عناصر «اللواء الثامن» التابع لـ»الفيلق الخامس»، والمكوّن من «مسلّحي التسويات» (مسلّحو أحمد العودة بشكل خاص) تحت الرعاية الروسية، لتندلع عقب ذلك اشتباكات عنيفة، تراجعت حدّتها في اليومين الماضيين.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ أصل الخلاف يعود إلى شهر آذار/ مارس من هذا العام، عندما استولى «مسلحو العودة» على مزارع خاصة بأهالي القريّا، وخطفوا 15 شاباً كردٍّ على خطف «رجال الكرامة» اثنين من أهالي درعا وقتلهما، وعمدوا إلى قتل المخطوفين على مرحلتين، مع منع الأهالي من دخول مزارعهم حتى شهر آب/ أغسطس الفائت، بعد وساطات قام بها وجهاء المنطقة.
وفيما تشير مصادر محلّية من السويداء إلى أن «بعض الشبان قاموا بهجوم ضدّ مسلّحي العودة المسيطرين على المزارع»، يوضح عدد من مقاتلي «الكرامة»، في حديث إلى «الأخبار»، أن «محاولات عدّة بدأت قبل شهرين لتسليح وتدريب شبّان بهدف خوض معركة ضدّ مسلحي التسويات الذين يتمركزون في المزارع، وإعادة ما استولوا عليه، لكن المشروع فشل وتمّ طيّه». ويضيف هؤلاء إنه «على أثر فشل المشروع، قام بعض الأفراد غير المنضبطين بالهجوم على مقارّ الفيلق الخامس ضمن القريّا بدافع الغيرة والنخوة ليس أكثر».
وتعيش بلدة القريّا والبلدات الحدودية بين محافظتَي درعا والسويداء استنفاراً كبيراً وحالة من العسكرة، فيما تَجنّد العشرات من جرمانا وصحنايا في ريف دمشق للتمركز في تلك القرى مساندةً لـ«رجال الكرامة» في حال تكرار الهجوم على نقاطهم من قِبَل «مسلّحي التسويات». ولم يتدخل الجيش السوري، حتى الآن، في المعارك، على رغم تعرّض أحد مواقعه في قرية برد قرب القريّا لإصابة بقذيفة دبابة. ومع أنه سُجّل انخفاض في حدّة الاشتباكات، إلا أن بلدة القريّا شهدت نزوح عدد من عائلاتها نحو مناطق أخرى خوفاً من تطوّر الموقف.
وتتحدّث مصادر مقرّبة من شيوخ عقل الطائفة الدرزية في السويداء، إلى «الأخبار»، عن «صمت روسي واكتفاء بالاستماع إلى وجهات نظر شيوخ الجبل للوقوف على الوضع لا أكثر»، بينما تبيّن المصادر العسكرية في درعا أن «لا قرار بالتدخل في المعارك من قِبَل الأجهزة الرسمية»، مضيفة إن «المطلوب هو احتواء الموقف ومعالجته بين الأهالي، بدلاً من إشعال المنطقة». وفي هذا السياق، عٌقدت اجتماعات بين الجانب الروسي واللجنة الأمنية الحكومية في درعا والسويداء، بالإضافة إلى إجراء اتصالات ومشاورات مع شيوخ الجبل، من دون التوصّل إلى حلّ يوقف المعارك حتى الآن.
وكان تطوّر الاشتباكات في المنطقة قد دفع الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في فلسطين المحتلة، الشيخ موفق طريف، إلى الاتصال بالخارجية الروسية وجهات دولية أخرى للطلب إليها منع تدهور الأوضاع، محذّراً من أن «الاعتداء على الجبل سيكلّف المعتدين غالياً». أما أحمد العودة، قائد «اللواء الثامن» في «الفيلق الخامس»، فيعتبر، وفق ما تنقله مصادر إلى «الأخبار»، أن الاشتباكات «محاولة لجرّه إلى قتال إخوته في الجبل، وهذا لن ينجح»، بحسب تعبيره. ويضطلع العودة بدور كبير في حلّ أيّ نزاع مسلح داخل درعا والمنطقة الجنوبية بشكل عام، بوصفه قيادياً كبيراً في المنطقة ومن أصحاب القرار فيها، وهو يتجوّل برفقة فريق أمني خاص وسيارات مصفّحة، كما ينشط في تهريب المخدرات، ويُعرف أنه يسيطر على حركة «الترانزيت» في معبر نصيب الحدودي، إضافة إلى تملّكه مكاتب التخليص الجمركي، ما يدرّ عليه مبالغ مالية ضخمة.
ومع استمرار الانفلات الأمني في درعا وتصاعده، تلفت مصادر عسكرية مطّلعة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الوضع الأمني في درعا مقلق جداً، على رغم الحالة الاقتصادية الجيدة نسبياً لأهالي المدينة». وتضيف إن «الاغتيالات مستمرّة، وتحدث يومياً بمعدّل 3 عمليات اغتيال تطال المتعاملين مع الأجهزة الأمنية، أو مسلّحي تسويات لا يخضعون للعودة». أما المصادر الأمنية في المنطقة، فـ»تربط بين تأزم الأوضاع أخيراً، وإغلاق الحدود مع الأردن إثر جائحة كورونا، ما أثّر على مداخيل هؤلاء، ودفَعهم إلى امتهان أعمال الخطف وطلب الفدية في درعا والسويداء، ثمّ التقاتل في ما بينهم».
صحيفة الاخبار اللبنانية