التوسع الاقتصادي يُسيل لعاب الصين على نفط الشرق الأوسط
على مدار السنوات الـ 25 الماضية، وسّعت الصين علاقاتها ذات الصلة بالطاقة وكذلك بصمتها التجارية في الشرق الأوسط، وأصبحت رافدا جديدا مهما في الديناميات الإقليمية. ومنذ منتصف 2014، اعتُبر انخفاض أسعار النفط بمثابة هدية للاقتصاد الصيني، إذ أدى إلى خفض فاتورة الواردات إلى النصف في غضون سنة واحدة. ومع ذلك، ما يزال عدم الاستقرار وانعدام الأمن في الشرق الأوسط مصدر قلق مستمر للقيادة الصينية.
وحيث أن الصين استهلكت 6.4 مليون برميل نفط يوميا عام 2004، ارتفع الطلب اليومي على النفط إلى 10.4 ملايين برميل في 2014، ليصل إلى 11.67 مليون برميل يوميا في يوليو/ تموز 2017.
في مايو/أيار 2014، استخدم رئيس الصين شي جين بينغ عبارة “وضع طبيعي جديد” لوصف نموذج النمو الاقتصادي الجديد للصين. وفي إطار “الوضع الطبيعي الجديد”، دعا شي إلى ثورة طاقة للحد من الاعتماد المفرط للصين على الوقود الأحفوري من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستدام. ويهدف هذا النموذج، إلى إبطاء النمو الكلي على المدى الطويل بالتزامن مع إصلاحات شاملة لمواصلة تعزيز التنمية الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن توقعات تقرير “إنيرجي أوتلوك 2017″ الصادر عن مؤسسة (بريتيش بتروليوم) حول الطاقة في الصين، أفاد بأن الاعتماد على النفط في البلاد سيرتفع من المعدل الحالي من 61 بالمائة إلى 79 بالمائة في 2035.
في التقرير، تم التوقع بأنه بحلول 2035، سترتفع حصة الصين من استهلاك النفط العالمي من 18 بالمائة إلى 20 بالمائة، متجاوزة حصة الولايات المتحدة لتصبح أكبر مستهلك للنفط في العالم. ولذلك، فإن منتجي الشرق الأوسط سيلبون حصة الصين الكبيرة من الطلب على النفط الخام على المدى القصير والمتوسط، وهذا سيؤدي حتما إلى زيادة انخراط بكين في المنطقة.
ويعد البحث عن أسواق لتدفق النفط دون انقطاع، من أجل النمو الاقتصادي المستدام أمر بالغ الأهمية لصانعي السياسات في الصين. ونظرا للاحتياطيات الضخمة من النفط التي يتمتع بها منتجو الشرق الأوسط، أصبحت المنطقة مغناطيسا للموردين الرئيسيين للصين.
ولم تدفع التحولات في ديناميات الطاقة الجيوسياسية حكام الصين إلى زيادة وجودهم في المنطقة فقط، لكن سعى المنتجون الخليجيون تدريجيا أيضا للاستفادة من القوة العالمية المتزايدة للصين. ومع تزايد اعتماد الصين على النفط، تغير أيضا مع مرور الوقت الدور البعيد والسلبي الذي احتفظت به بكين في المنطقة سابقا.
وبخلاف تأمين النفط لاحتياجاتها، فإن الصين لديها أسباب متعددة لتعزيز موقفها في الشرق الأوسط، بدءا من زيادة معدلات التجارة ونقل الأسلحة وصولا إلى الفوائد الجيوسياسية وغيرها من المزايا النقدية. ورغم امتلاك الصين واحدا من أكبر احتياطيات النفط في آسيا، فإن الإنتاج المحلي لم يكن كافيا لمواجهة الزيادة المفاجئة في الطلب، ومن ثم جاء حوالي ثلثي إمدادات النفط الصينية من الشرق الأوسط بما في ذلك السعودية وإيران والعراق. وتعززت العلاقات بين السعودية والصين منذ 2001 بعد هجوم 11 سبتمبر/أيلول.
وبفضل رغبة المملكة العربية السعودية في تنويع تحالفاتها العالمية، زادت التجارة بين الطرفين بمقدار عشرة أضعاف في الفترة من 2002 إلى 2012 لتصل إلى 74 مليار دولارا أمريكا.
وبالنظر إلى أن المملكة العربية السعودية كانت أكبر مورد للصين بالنفط الخام خلال العقد الماضي بأكثر من مليون برميل يوميا، فإن مشاركة شركة “أرامكو” السعودية في مشروع مشترك في الصين لمعالجة الخام السعودي في مقاطعة “فوجيان”، تشير إلى أن العلاقة ستستمر في التطور. كما ازدادت إمدادات النفط من العراق وإيران خلال العقد الماضي.
وعلى الرغم من تردد الشركات النفطية الصينية في الاستثمار في المشاريع التي تمضي ضد التيار العام في المنطقة، لكن بدعم من مؤسسات الدولة، ازداد عدد العقود الموقعة في العراق وإيران لتطوير حقول النفط الكبيرة. وأصبحت شركة النفط الوطنية الصينية أحد أكبر المستثمرين في صناعة النفط بعد الحرب في العراق.
وتملك شركات النفط الصينية أكثر من 20 بالمائة من مشاريع قطاع النفط قبل الإنتاج (المنبع) في العراق؛ وفي 2013 وقعت الصين والعراق عقدا لمضاعفة تصدير النفط الخام. ولعبت الصين دورا أكبر في قطاع مشروعات ما قبل الإنتاج في إيران، خلال السنوات الأخيرة، بينما كانت طهران رابع أكبر مورد نفطي للصين خلال العقد الماضي.
وعلى الرغم من انخفاض واردات الصين من النفط الخام في السنوات الأخيرة بسبب العقوبات المفروضة على إيران، فإن كلا من شركة النفط الوطنية الصينية وشركة الغاز والنفط الصينية (سينوبك) قد استثمرا في قطاع ما قبل الإنتاج في إيران.
وحين استوردت الصين من إيران 555 ألف برميل يوميا 2011، انخفضت الواردات عام 2013 إلى 400 ألف برميل يوميا، كدليل على التزام الصين بالعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة ضد إيران. ونتيجة للبيئة الجيوسياسية للمنطقة، أصبح الشرق الأوسط ذا أهمية متزايدة لحكام الصين. ودفع ذلك بدوره صناع القرار إلى زيادة تعزيز وجود الصين في المنطقة للحفاظ على أن التعقيدات السياسية والأمنية بين ذراعيهم.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية